إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

رجل : يا أمير المؤمنين ألا فأديل ونقلناها عنك ونتحدّث فيها بعدك ونسأل عن معانيها فلا ندري ما هي فقال : هيهات هيهات لنسب لا سبب وعدل عادل هذا علم لا حدّ له جاش تياره فبعذر يجري فيقذف ما فيه لم يسعني السكوت عنه والا ما سأل عمّا أعطيت وأحاط به علمي ، ألا وفوق ذلك والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة عرضت لي وأعرضت عنها ، أنا سحاب الدنيا لوجهها فحتى متى يلحق بي اللاحق ، لقد علمت ما فوق الفردوس الاولى وما تحت السابعة السفلى وما في السماوات العلى وما بينها وما تحت الثرى ، كلّ ذلك علم الإحاطة لا علم إخبار ، أقسم بربّ العرش العظيم لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممّن كانوا وأين هم وما صاروا إليه فكم من آكل منكم أكل لحم أخيه وشارب برأس أبيه وهو يشتاقه ويرتجيه غدا ، هيهات هيهات إذا انكشف المسطور ويحصّل ما في الصدور وعلم واردات الضمير وتعلمون المصير وأيم الله قد كورتم كورات وكررتم كرّات وكم من بين كرّة وكرّات وكم من آية وآيات وما بين مقتول وميّت وبعض في حواصل الطيور (١) وبعض في بطون الوحوش والناس ما بين ماض وراج ورائح وغاد ، لو كشف لكم ما كان مني في القديم الأوّل وما يكون منّي في الآخر لرأيتم (٢) عجائب مستعظمات وامورا مستعجبات وصنائع وإحاطات ، أنا صاحب الخلق الأوّل ، أنا قبل نوح الأوّل ولو علمتم ما بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها وامم أهلكتها فحق عليهم القول فبئس ما كانوا يفعلون ، أنا صاحب الطوفان الأوّل [أنا صاحب بابل والكارات ، أنا صاحب الحيتان] (٣) أنا صاحب الطوفان الثاني أنا صاحب السيل العرم أنا صاحب الأسرار المكتومات أنا صاحب العاد والجنات أنا صاحب ثمود والآيات أنا مدمّرها أنا مزلزلها أنا مرجفها أنا مهلكها أنا مدبّرها أنا بانيها أنا داحيها أنا مميتها أنا محييها أنا الأوّل وأنا الآخر وأنا الباطن وأنا الظاهر أنا مع الكون وقبل الكون أنا في الذر وقبل الذر أنا مع الدور وقبل الدور أنا مع القلم قبل القلم أنا مع اللوح قبل اللوح أنا صاحب الأزلية الأوّلية [أنا مترك الترك ومدلس الأدليس أنا صاحب الوقوف وبهران] أنا صاحب جابلقا وجابرسا أنا صاحب الرفرف وبهام أنا مدبّر العالم الأوّل حين لا

__________________

(١) في بعض النسخ : ابن أمل فوق ما أملتموه وملك أضعاف ما ملكتموه والناس كذلك بين رائح وغاد لو كشف.

(٢) في بعض النسخ : عظيما ودلائل بيّنات.

(٣) ما بين قوسين زيادة من نسخة أخرى.

٢٠١

سماؤكم هذه ولا غبراؤكم فقام إليه (١) ابن صويرمة فقال : أنت أنت يا أمير المؤمنين فقالعليه‌السلام : أنا أنا [سوى ربّي وربّ الخلائق أجمعين خلق الأشياء بغير معين ودبّر الأشياء بقدرته وخضع كلّ شيء لهيبته] (٢) لا إله إلّا الله ربّي وربّ الخلائق أجمعين له الخلق والأمر الذي دبّر الامور بحكمته وقامت السماوات والأرضون بقدرته كأنّي بضعيفكم يقول : ألا تسمعون ما يدّعيه ابن أبي طالب في نفسه وبالأمس مكفهر (٣) عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟ والذي بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبراهيم لأقتلن الشام بكم قتلات وأيّ قتلات ، وحقّي وعظمتي لأقتلنّ بكم أهل الصفين سبعين قتلة ولأردنّ إلى كلّ مسلم حياة جديدة ولأسلمنّ إليه صاحبه وقاتله إلى أن يشفي غليل صدره منه ، ولأقتلنّ بعمّار بن ياسر وأويس القرني ألف قتيل فسحقا للقوم الظالمين ، أولي يقال : لا وكيف وأنّى ومتى وأين وحتّى ، فكيف بكم إذا رأيتم صاحب الشام ينشر بالمناشير ويقطع بالمساطير ثمّ لأذيقنّه أليم العذاب ألا فأبشروا (٤) فإليّ يرد أمر الخلق غدا فلا تستعظم بما قلت فإنّا أعطينا علم المنايا والبلايا والتأويل والتنزيل وفصل الخطاب وعلم النوازل والوقائع فلا يعزب عنّا شيء وكأنّي بهذا [وأومى بيده إلى ولده يأتي من المدينة إلى كربلاء ويقتل عطشانا وتقتل بين يديه رجال بايعوه على الحقّ ، وإنّي أراهم يفعل بهم كالإبل ، تكاد الأرض تخسف بمن يفعل بهم ، لو شئت سمّيت المقتولين رجلا رجلا ومن يقتلهم بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم وآبائهم وها هم قريب منّي وأومى بيده إليهم فرأينا قبيله رجالا وجوههم أنور من القمر متغيّري الألوان نحاف الأجسام لم ير أحسن من وجوههم ، لم تدر من أين أقبلوا هؤلاء الأنصار للحق ، قال جابر : يا مولاي أين يكون هؤلاء؟

قال : يا جابر في ظهور آبائهم إلى الوقت المعلوم فينتقلون من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزاكية ، ثمّ قال عليه‌السلام : أنا أخلق وأرزق واحيي واميت تبارك الله وتقدّست أسماؤه.

قال جابر : يا مولاي فنحن على الحقّ؟

__________________

(١) في بعض النسخ : فقال له رضيعه عرصه أين كنت يا أمير المؤمنين؟

(٢) زيادة من نسخة ثانية.

(٣) أي عابس قطوب.

(٤) في بعض النسخ : وإليّ يرد أمر الخلائق أجمعين أهلك من أريده وانجي من أريده.

٢٠٢

قال : نعم وأنتم على الحقّ ومعه تكونون ، يا جابر كيف بكم إذا صاح الناقوس] (١) وأشار إلى الحسين عليه‌السلام وقد نار نوره بين عينيه فأحضره بوقته بحنين طويل يزلزلها ويخسفها وصار معه المؤمنون من كلّ مكان وأيم الله لو شئت سمّيتهم رجلا رجلا بأسمائهم وأسماء آبائهم فهم يتناسلون من أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم الوقت المعلوم ، ثمّ قال : يا جابر أنتم مع الحق ومعه تكونون وفيه تموتون ، يا جابر إذا صاح الناقوس وكبس الكابوس وتكلّم الجاموس فعند ذلك عجائب وأي عجائب ، إذا أنار النار بأرض نصيبين وظهرت راية العثمانية بوادي سود واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا وصبا كل قوم إلى قوم واختلفت المقالات وحركت عساكر خراسان وتبع شعيب (٢) بن صالح التميمي من بطن طالقان وبويع لسعيد السقوسي بخوزستان وعقدت الراية لعماليق كردان وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سفيان فتوقعوا ظهور مكلّم موسى من الشجرة على الطور فيظهر ، هذا ظاهر مكشوف ومعاين موصوف ، ألا وكم عجائب تركتها ودلائل كتمتها لا أجد لها حملة ، أنا صاحب إبليس بالسجود ومعذّبه وأنا معذّب جنوده عند التكبّر من السجود وأنا رافع إدريس مكانا عليا أنا منطق عيسى في المهد صبيا أنا مؤذن الميادين وواضح الأرض أنا قاسمها أخماسا فجعلت خمسا برا وخمسا بحرا وخمسا جبالا وخمسا عمارا وخمسا خرابا أنا خرقت القلزم من الرحيم وخرقت العقيم من الحميم وخرقت كلّا من كل وخرقت بعضا من بعض أنا طيبوثا أنا جاينوثا أنا البارجلون أنا عليوثوتا أنا المشرف على البحار في قواليم أقاليم الزخار عند التيار حتى يخرج لي ما أعد لي فيه من الخيل والرجل فأتخذ ما أحببت وأترك ما أردت ، ثمّ أسلّم إلى عمّار بن ياسر اثني عشر ألف أدهم على كل أدهم منها محب لله ولرسوله ، مع كل واحد اثنا عشر ألف كتيبة لا يعلم عددها (٣) إلّا الله الذي خلقها وأعلم عددها ، ألا فأبشروا فأنتم نعم الإخوان ، ألا وإنّ لكم بعد الحين طرقة تعلمون بها بعض البيان وينكشف لكم صنائع البرهان عند طلوع بهرام وكيوان على دقائق الاقتران فعندها تتواتر الهدات (٤) والزلازل وتقبل الرايات من شاطئ جيحون إلى بلاد بابل.

__________________

(١) زيادة من نسخة ثانية.

(٢) في بعض النسخ : وبويع لشعيب.

(٣) في بعض النسخ : لا يعدّها.

(٤) في بعض النسخ : الفترة.

٢٠٣

أنا مبرج الأبراج وعاقد الرتاج ومفتح الأفراج وباسط الفجاج أنا صاحب الطور يوم التجلّي لموسى بن عمران أنا كاشف لما خرّ موسى صعقا ، أنا ذلك النور الظاهر أنا صاحب موسى أنا صاحب المأوى أنا ذلك البرهان الباهر وإنّما كشف لموسى شقص من شقص الذر من المثقال وكل ذلك بعلم الله ذي الجلال ، أنا صاحب جنّات عدن والخلود أنا مجري الأنهار من ماء تيّار وأنهار من لبن وأنهار من عسل مصفى وأنهار من خمر لذّة للشاربين. أنا قاسم الجنان أنا دارس الإسلام أنا آخر الوقت أنا حميت جهنّم وسمّيتها جحيم وسجيل وجعلتها طبقات فمنها السعير والثبور أعددتها للمنافقين واخرى عميوس أعددتها للظالمين أنا أودعت ذلك كلّه وادي برهوت وهو الفلق وربّ ما فلق ويخلد فيها الجبت والطاغوت ومن عبدهما ومن كفر بذي العزّ والجبروت الحي الذي لا يموت ، أنا الجنان الموصوفات بوادي السلام والدار الخلد أنا صانع الأقاليم والمنزل البركات من الله الحكيم العليم ، أنا الكلمة التي بها تمّت الامور ودهرت الدهور أنا جعلت الأقاليم أرباعا والجزائر سبعا فإقليم الجنوب معدن البركات وإقليم الشمال معدن السطوات وإقليم الصبا معدن الزلازل وإقليم الدبور معدن الهلكات فاستعيذوا من مهب الدبور (١) فمن هناك الصرصر الدبور بها أهلكت المتمرّدين حتّى جعلتهم كالرميم وأفنيت الأوّلين الذين تمرّدوا بالطغيان ، ألا ويل لمدائنكم وأمصاركم من طغاة يظهرون فيعذبونكم إذا قضى من مضى من الجبابرة الذين لم يحسنوا سياسة المسلمين ، إذا مضى الكهب والكهيب والكشير والقنير والنعمان والشصيبان والمكسور والكرشون والشفصبان والحوصبان والهولب والأقتم والشهيط والنخيط هو قاتل الأقران ومفتي الشجعان ويأتي بعده الأديل والأميل والصعلوك والصبي الدعوك يملك ويستوعب ويسير الآجال ويكثر الشدائد في دولة السلطان والنسوان ، ثمّ يأتي بعد ذلك البهلول الأيدح (٢) الأنددي الأريح (٣) المشئوم يومه ، يظهر من بعده النوش (٤) وينشو العبوس ؛ إذ الأمر إلى العبد المعروف بالأرحب ومثله لما في الأرعب واسترعاها الديار وأسلمها العصيان وصارت إلى الصبيان فعند ذلك يتوقّع شنارها (٥) ويكثر نفارها وترتج

__________________

(١) الريح الدبور : الريح التي يقابل الصبا تهب من ناحية المغرب (مجمع البحرين : ٢ / ٩).

(٢) الأيدح : الباطل (لسان العرب : ٢ / ١٢٧١).

(٣) الأريح : الواسع من كل شيء.

(٤) النوش : التناول (كتاب العين : ٦ / ٢٨٦).

(٥) الشنار : أشد العار.

٢٠٤

الأقطار والدعاة إلى كلّ باطل ، هيهات هيهات توقّعوا حلول الفرج العظيم وإقباله فرجا فرجا إذا جعل الله حصيات النجف جواهر وجعلها تحت أقدام المؤمنين (١) ويهلك أهل النفاق والمارقين ويظهر معدن الياقوت الأحمر وخالص الدر والجوهر ، ألا وإن ذلك من أبين العلامات فإذا كان لاح ضياؤه وسطع نوره وكان ما تريدون فكم هنالك من عجائب جمة وامور لمة وكيف يلم إذا دهمتكم رايات بني كندة مع عمال من عقبة من الشام يريد بها الأموية ، هيهات أن يكون الحق في تيمي أو عدوي أو اموي. ثمّ بكى وقال : آه آه للامم المشاهدة بني عتبة مع بني كنانة السائرون إلى اللا يلا اللا يلا اللا تكون حلا حلا ليصلوا إلى جنب الجزيرة من مفارقة الأوبر (٢) خلق عظيم فاحضر المعطد وادعان شمخر (٣) البيض الأضك الأبيض والأبقع وينتقص الأموال والأنفس والثمرات مع خوف شديد وبؤس وبشّر الصابرين ، يريعون (٤) في النعيم والسعور المقيم يحملكم نجائب ويحملكم الأملاك ، فقال رجل : نحن منهم؟ فقال عليه‌السلام : فيكم منهم ، قال قالوا : بيّن لنا السعيد والشقي فقال : فتّشوا سرائركم واسألوا أحباركم واستدلّوا بذلك على الطريق تفوزوا الفوز العظيم والنعيم المقيم وكم يجري في العالم أعجوبات وكم فيه آيات لا لمزية وأكثر العلامات بني قنطور (٥) وملكهم العراق وأطراف الشام تفتيكم ضوية تفتيكم النساء المخدّرات ، أنا أكثرهم علما وأعظمهم حلما وذلك تقدير العزيز الحكيم ، ثمّ يملك الأناباط الأفكة والأعراب المناسبة في فلك البصرة حتّى واسط وأعمالها إلى الأهواز وأظلالها وأوّل خراب العراق ، في أيّامهم يكثر البلاء العظيم والقحط الشديد ثمّ يجري في عدد ذلك عجائب وأيّ عجائب ، إذا رحل العاشر على ديارهم وصالحوهم خوفا من شرّهم كلّ ذلك يكون في القرن الحادي عشر من الثلاثين يكون الفتك من فتك الجحيم واستئصال بيت الله الحرام وقتلهم الخاص والعام وذلك إذا دهم البلاء الزوراء وتتصل البلايا والرزايا بالعالم فيقتل الأنباط وجبابرتها ويملكون ديارها وذراريها وكم يكون الثاني عشر في عشرها الأوّل ظهور الديلم واجبا وجيلان وقوم

__________________

(١) في بعض النسخ : ويبايع للخلاف والمنافقين ويبطل معه الياقوت الأحمر.

(٢) بنو الأوبر سكنوا براقش ، وبنات الأوبر : كمأة صغار على لون التراب (مجمع البحرين : ٤ / ٤٦٠).

(٣) الشمخر : الجسيم من الفحول (كتاب العين : ٤ / ٣٢٣).

(٤) في بعض النسخ : يرتعون.

(٥) في بعض النسخ : قنطورا من بنات نوح فولدت منهما الترك والصين.

٢٠٥

من خراسان يملكون التبريز ويؤمرون الأمير ويضطرب العراق بهم والعجب كل العجب من الأربعين إلى الخمسين من نوازل وزلازل وبراهين ودلائل إذا وقعت الواقعة بين همدان وحلوان ويقتل خلق في حلوان إلى النهروان. ويزول ملك الديلم ، يملكها أعرابي وهو عجمي اللسان يقتل صالحي ذلك العصر وهو أوّل الشاهد ، ثمّ في العشر الثالث من الثلاثين يقبل الرايات من شاطئ جيحون لفارس ونصيبين ، تترادف إليهم رايات العرب فينادى بلسانهم بقدر مجرى السحاب ونقصان الكواكب وطلوع القطر التالي الجنوب كغراب الابنور وزلازل وهبات وآيات ، هنالك يوضح الحق ويزول البلاء ويعزّ المؤمن ويذلّ الكافر المخالف ويملك بحار الكوفة البريء منهم لا المتغلبين فيّ ، ألا إنّهم طغاة مردة فراعنة وتكون بنواحي البصرة حركة لست أذكرها ويظهر العرب على العجم ويعدلون بالأهواز من دون الناس وكم أشياء أخفيتها لا يطيقها الوعي ولا يصبر على حملها وامور قد أهملتها خوفا أن يقال : متى علمتها؟ وإنّي قد بلغت الغاية القصوى التي انتهيت وعلى ما أمرت أبيت فلا يتّهمني المتّهمون ، النار مثواهم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور ، وشرط القيامة في الكور إذا بلغ الزور وجار الجور وحقت الكرة وكانت الرجعة وأتت الساعة بقائم يقوم في الناس يذهب البلاء عن المؤمنين وينجلي عنهم الخوف والرعب لا تتكلّم نفس إلّا بإذنه منهم شقيّ وسعيد ، أنا الدابّة التي توسم الناس أنا العارف بين الكفر والإيمان ولو شئت أن أطلع الشمس من مغربها وأغيبها من مشرقها بإذن الله وأريكم آيات وأنتم تضحكون ، أنا مقدر الأفلاك ومكوكب النجوم في السماوات ومن بينها بإذن الله تعالى وعليتها بقدرته وسمّيتها الراقصات ولقبتها الساعات وكورت الشمس وأطلعتها ونورتها وجعلت البحار تجري بقدرة الله وأنا لها أهلا ، فقال له ابن قدامة : يا أمير المؤمنين لو لا أنّك أتممت الكلام لقلنا : لا إله إلّا أنت؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا ابن قدامة لا تعجب تهلك بما تسمع ، نحن مربوبون لا أرباب نكحنا النساء وحمتنا الأرحام وحملتنا الأصلاب وعلمنا ما كان وما يكون وما في السماوات والأرضين بعلم ربّنا ، نحن المدبّرون فنحن بذلك اختصاصا ، نحن مخصوصون ونحن عالمون ، فقال ابن قدامة : ما سمعنا هذا الكلام إلّا منك.

فقال عليه‌السلام : يا ابن قدامة أنا وابناي شبرا وشبيرا وأمّهما الزهراء بنت خديجة الكبرى الأئمّة

٢٠٦

فيها واحدا واحدا إلى القائم اثنا عشر إماما ، من عين شربنا وإليها رددنا. قال ابن قدامة قد عرفنا شبرا وشبيرا والزهراء والكبرى فما أسماء الباقي؟ قال : تسع آيات بيّنات كما أعطى الله موسى تسع آيات ، الأول علموثا علي بن الحسين والثاني طيموثا الباقر والثالث دينوثا الصادق والرابع بجبوثا الكاظم والخامس هيملوثا الرضا والسادس أعلوثا التقي والسابع ريبوثا النقي والثامن علبوثا العسكري والتاسع ريبوثا وهو النذير الأكبر.

قال ابن قدامة : ما هذه اللغة يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه‌السلام : أسماء الأئمّة بالسريانية واليونانية التي نطق بها عيسى وأحيى بها الموتى والروح وأبرأ الأكمه والأبرص ، فسجد ابن قدامة شكرا لله ربّ العالمين ، نتوسل به إلى الله تعالى نكن من المقرّبين.

أيّها الناس قد سمعتم خيرا فقولوا خيرا واسألوا تعلموا وكونوا للعلم حملة ولا تخرجوه إلى غير أهله فتهلكوا ، فقال جابر : فقلت : يا أمير المؤمنين فما وجه استكشاف؟

فقال : اسألوني واسألوا الأئمّة من بعدي ، الأئمّة الذين سمّيتهم فلم يخل منهم عصر من الأعصار حتّى قيام القائم فاسألوا من وجدتم منهم وانقلوا عنهم كتابي ، والمنافقون يقولون علي نص على نفسه بالربوبية فاشهدوا شهادة أسألكم عند الحاجة ، إنّ علي بن أبي طالب نور مخلوق وعبد مرزوق ، من قال غير هذا لعنه الله. من كذّب علي ، ونزل المنبر وهو يقول:«تحصنت بالحي الذي لا يموت ذي العزّ والجبروت والقدرة والملكوت من كل ما أخاف وأحذر» فأيما عبد (١) قالها عند نازلة به إلّا وكشفها عنه.

قال ابن قدامة : نقول هذه الكلمات وحدها؟ فقال عليه‌السلام : تضيف إليها الاثني عشر إماما وتدعو بما أردت وأحببت يستجيب الله دعاءك (٢).

__________________

(١) في بعض النسخ : أيّها الناس ما ذكر أحدكم هذه الكلمات عند نازلة وشدّة إلّا وأزاحها الله عنه فقال جار : وحدها يا أمير المؤمنين قال : وأضف الثلاثة عشر اسما وضمّني ثمّ ركب ومضى.

(٢) الخطبة بطولها في مشارق أنوار اليقين : ٢٦٣ إلى ٢٦٧ ط. الأعلمي بتحقيقنا مع تفاوت.

٢٠٧

الريحان الرابع

في الحديث المروي عن مفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام ووقائع زمان الظهور والرجعة ، عن المفضل بن عمر سألت سيدي الصادق عليه‌السلام : هل للمأمول المنتظر المهدي عليه‌السلام من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال : حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا ، قلت : يا سيدي ولم ذلك؟

قال : لأنّه هو الساعة التي قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) الآية ، وهو الساعة التي قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) (٢) وقال (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (٣) ولم يقل إنّها عند أحد وقال (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) (٤) الآية وقال (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (٥) وقال (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٦) قلت : فما معنى يمارون؟ قال : يقولون متى ولد؟ ومن رأى؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ وكل ذلك استعجالا لأمر الله وشكّا في قضائه ودخولا في قدرته أولئك الذين خسروا الدنيا وإنّ للكافرين لشر مآب ، قلت : أفلا يوقّت له وقت؟ فقال : يا مفضل لا اوقت له وقتا ولا يوقّت له وقت ، إنّ من وقّت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادّعى أنّه ظهر على سرّه وما لله من سرّ إلّا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضالّ عن الله الراغب عن أولياء الله وما لله من خبر إلّا وهم أخصّ به لستره وهو عندهم ، وإنّما ألقى الله إليهم ليكون حجّة عليهم.

قال المفضل : يا مولاي فكيف بدء ظهور محمّد المهدي وإليه التسليم؟ قال : يا مفضل

__________________

(١) سورة الاعراف : ١٨٧.

(٢) سورة النازعات : ٤٢.

(٣) سورة الزخرف : ٨٥.

(٤) سورة محمد : ١٨.

(٥) سورة القمر : ١.

(٦) سورة الشورى : ١٧ ـ ١٨.

٢٠٨

يظهر في شبهة ليستبين فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجّة بمعرفتهم به ، على أنّه قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسمّيناه وكنيناه وقلنا سمي جدّه رسول الله وكنيّه لئلّا يقول الناس ما عرفنا له اسما ولا كنية ولا نسبا ، والله ليتحقّق الايضاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتّى ليسمّيه بعضهم لبعض ، كلّ ذلك للزوم الحجّة عليهم ثمّ يظهره الله كما وعد به جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (١) قال المفضّل : يا مولاي فما تأويل قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال عليه‌السلام : هو قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (٢) فو الله يا مفضّل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف ويكون الدين كلّه واحدا كما قال جل ذكره : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٣) وقال الله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤) قال المفضّل : قلت يا سيدي ومولاي والدين الذي في آبائه إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الإسلام؟

قال : نعم يا مفضّل هو الإسلام لا غير ، قلت : يا مولاي أتجده في كتاب الله؟

قال : عليه‌السلام : نعم من أوّله إلى آخره ومنه هذه الآية : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وقوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (٥) ومنه قوله تعالى في قصّة إبراهيم وإسماعيل : (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٦) وقوله تعالى في قصة فرعون (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٧) وفي قصّة سليمان وبلقيس (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٨) وقولها (أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٩) وقول عيسى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (١٠) وقوله عزوجل (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) (١١) وقوله

__________________

(١) سورة التوبة : ٣٣.

(٢) سورة الانفال : ٣٩.

(٣) سورة آل عمران : ١٩.

(٤) سورة آل عمران : ٨٥.

(٥) سورة الحج : ٧٨.

(٦) سورة البقرة : ١٢٨.

(٧) سورة يونس : ٩٠.

(٨) سورة النمل : ٣٨.

(٩) سورة النمل : ٤٤.

(١٠) سورة آل عمران : ٥٢.

(١١) سورة آل عمران : ٨٣.

٢٠٩

في قصّة لوط (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١) وقوله (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) (٢) إلى قوله (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٣) وقوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) إلى قوله (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤) قلت : يا سيدي كم الملل؟

قال : أربع وهي شرائع قال المفضّل : قلت : يا سيدي المجوس لم سمّوا المجوس؟

قال عليه‌السلام : لأنّهم تمجّسوا في السريانية وادعوا على آدم وعلى شيث وهو هبة الله عليهما‌السلام ، أنّهما أطلقا لهم نكاح الامّهات والأخوات والبنات والخالات والعمّات والمحرمات من النساء وأنّهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء ولم يجعلا لصلاتهم وقتا.

وإنّما هو افتراء على الله الكذب وعلى آدم وشيث.

قال المفضّل : يا مولاي وسيّدي لم سمّي قوم موسى اليهود؟

قال عليه‌السلام : لقول الله عزوجل (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) (٥) أي اهتدينا إليك ، قال : فالنصارى؟

قال عليه‌السلام : لقول عيسى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٦) وتلا الآية إلى آخرها فسمّوا النصارى لنصرة دين الله ، قال المفضّل : فقلت : يا مولاي فلم سمّي الصابئون الصابئين؟

فقال عليه‌السلام : إنّهم صبوا (٧) إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرائع وقالوا كلّما جاءوا به باطل فجحدوا توحيد الله تعالى ونبوّة الأنبياء ورسالة المرسلين ووصيّة الأوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وهم معطلة العالم ، قال المفضّل : سبحان الله ، ما أجلّ هذا من علم! قال عليه‌السلام : نعم يا مفضل فألقه إلى شيعتنا لئلّا يشكّوا في الدين ، قال المفضّل : يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي (عج)؟

قال عليه‌السلام : لا تراه عين في وقت ظهوره إلّا رأته كلّ عين ، فمن قال لكم غير هذا فكذّبوه ، قال المفضّل : يا سيّدي يرى وقت ولادته؟

قال : بلى والله ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر ، أوّل ولادته

__________________

(١) سورة الذاريات : ٣٦.

(٢) سورة المائدة : ٥٩.

(٣) سورة البقرة : ١٣٦.

(٤) سورة البقرة : ١٣٣.

(٥) سورة الاعراف : ١٥٦.

(٦) سورة الصف : ١٤.

(٧) صبوا : خرجوا.

٢١٠

وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأوّل من ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة بشاطئ دجلة ، بناها المتكبّر الجبّار المسمّى باسم جعفر الضالّ الملقّب بالمتوكّل وهو المتأكل لعنه الله تعالى وهو مدينة تدعى بسر من رأى وهي ساء من رأى يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكّك المرتاب وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه ثمّ يغيب في آخر يوم من سنة ست وستّين ومائتين فلا تراه عين أحد حتّى يراه كل أحد وكل عين ، قال المفضّل : قلت يا سيدي فمن يخاطبه ولم يخاطب؟

قال الصادق عليه‌السلام : تخاطبه الملائكة والمؤمنون من الجن ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه ويعقد ببابه محمد بن نصير النميري في يوم غيبته بصابر ثمّ يظهر بمكّة ، والله يا مفضل كأنّي أنظر إليه دخل مكة وعليه بردة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوته ، يسوق بين يديه أعنزا عجافا حتّى يصل بها نحو البيت ليس ثمّ أحد يعرفه ويظهر وهو شاب.

قال المفضّل : يا سيدي يعود شابّا أو يظهر في شيبة؟ فقال عليه‌السلام : سبحان الله وهل يعرف ذلك يظهر كيف شاء وبأيّ صورة شاء إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجلّ ذكره ، قال المفضّل : يا سيدي فمن أين يظهر وكيف يظهر؟

قال عليه‌السلام : يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده ويلج الكعبة وحده ويجن عليه الليل وحده ، فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل إليه جبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل : يا سيدي قولك مقبول وأمرك جائز فيمسح يده على وجهه ويقول : الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ، ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول : يا معاشر نقبائي وأهل خاصّتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين ، فترد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في اذن كلّ رجل فيجيبون نحوها ولا يمضي لهم إلّا كلمحة بصر حتّى يكون كلّهم بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله عزوجل النور فيصير عمودا من السماء إلى الأرض فيستضيء به كلّ مؤمن على وجه

٢١١

الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم‌السلام ثمّ يصبحون وقوفا بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدّة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر.

قال المفضل : يا مولاي وسيّدي فاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين بن علي يظهرون معهم؟ قال : يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن علي عليه‌السلام في اثني عشر ألفا مؤمنين من شيعة علي وعليه عمامة سوداء.

قال المفضّل : يا سيدي فبغير سنّة القائم بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه؟

فقال عليه‌السلام : يا مفضّل كلّ بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة ، لعن الله المبايع لها والمبايع له ، بل يا مفضّل يسند القائم ظهره إلى الحرم ويمدّ يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول : هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثمّ يتلو هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (١) الآية ، فيكون أوّل من يقبّل يده جبرئيل ثمّ يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجنّ ثمّ النقباء ويصبح الناس بمكة فيقولون : من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟ وما هذا الخلق الذي معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض : هذا الرجل هو صاحب العنيزات ، فقال بعضهم : انظروا هل تعرفون أحدا ممّن معه؟ فيقولون : لا نعرف أحدا منهم إلّا أربعة من أهل مكّة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدّونهم بأسمائهم ، ويكون هذا أوّل طلوع الشمس في ذلك اليوم فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين : يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمّيه باسم جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين ، بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلّوا ، فأوّل من يقبّل يده الملائكة ثمّ الجنّ ثمّ النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقى ذو اذن من الخلائق إلّا سمع ذلك النداء وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبحر والبر يحدّث بعضهم بعضا ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم ، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها : يا معشر الخلائق قد ظهر ربّكم بوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن

__________________

(١) سورة الفتح : ١٠.

٢١٢

عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه ، فيرد عليهم الملائكة والجنّ والنقباء قوله ، ويكذّبونه ويقولون له سمعنا وعصينا ولا يبقى ذو شكّ ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلّا دخل بالنداء الأخير وسيّدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة ويقول : يا معشر الخلائق ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث ، فها أنا ذا آدم وشيث ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام ، فها أنا ذا نوح وسام ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل ، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع ، فها أنا ذا موسى ويوشع ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام فها أنا ذا محمّد وأمير المؤمنين ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين عليه‌السلام فها أنا ذا الحسن والحسين ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمّة من ولد الحسين عليه‌السلام فها أنا ذا الأئمّة ، أجيبوا إلى مسألتي فإنّي أنبئك بما نبئتم به وما لم تنبّئوا به ، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع منّي ثمّ يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث ويقول : أمّة آدم وشيث هبة الله : هذه والله هي الصحف حقّا ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان سقط منها وبدل وحرّف ، ثمّ يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور : هذه والله صحف نوح وإبراهيم حقّا وما اسقط منها وما بدّل وحرّف منها هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنّها أضعاف ما قرأنا منها ثمّ يتلو القرآن فيقول المسلمون : هذا والله القرآن حقّا الذي أنزل الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اسقط منه وحرّف وبدّل ، ثمّ تظهر الدابّة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر ثمّ يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول : يا سيدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأبشّرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء فيقول له القائم : بيّن قصّتك وقصّة أخيك فيقول الرجل : كنت وأخي في جيش السفياني وخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جمّاء وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وكسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرجنا منها وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله ، فلمّا صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح بنا صائح يا بيداء أبيدي القوم الظالمين فانفجرت الأرض وبلعت كلّ الجيش فو الله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة ممّا سواه

٢١٣

غيري وغير أخي فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى فقال لأخي : ويلك امض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرّفه أنّ الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي : يا بشير الحق بالمهدي بمكّة وبشّره بهلاك الظالمين وتب على يده فإنّه يقبل توبتك فيمرّ القائم يده على وجهه فيردّه سويا كما كان ويبايعه ويكون معه.

قال المفضّل : يا سيّدي وتظهر الملائكة والجنّ للناس؟

قال : إي والله يا مفضل ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته بأهله ، قلت : يا سيدي ويسيرون معه؟ قال : إي والله يا مفضّل ولينزلنّ أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه حينئذ ستّة وأربعون ألفا من الملائكة وستّة آلاف من الجنّ ، وفي رواية اخرى ومثلها من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يديه.

قال المفضّل : فما يصنع أهل مكّة؟ قال : يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلا من أهل بيته ويخرج يريد المدينة.

قال المفضّل : يا سيدي فما يصنع بالبيت؟

قال : ينقضه فلا يدع منه إلّا القواعد التي هي أوّل بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه‌السلام والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل فيها وإنّ الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي ثمّ يبنيه كما يشاء الله وليعفين آثار الظالمين بمكّة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم وليهدمنّ مسجد الكوفة وليبنينه على البنيان الأوّل وليهدمنّ القصر العتيق ، ملعون ملعون ملعون من بناه.

قال المفضّل : يا سيدي يقيم بمكّة؟

قال : لا يا مفضل ، بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رءوسهم يبكون ويتضرّعون ويقولون : يا مهدي آل محمّد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذّرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجنّ والنقباء يقول لهم ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلّا من آمن فلولا أنّ رحمة ربّكم وسعت كلّ شيء وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله وبيني فيرجعون إليهم فو الله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف واحد.

٢١٤

قال المفضّل : قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟

قال : دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلواته الدكوات البيض من الغريّين.

قال المفضّل : يا مولاي كلّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟

قال عليه‌السلام : إي والله لا يبقى مؤمن إلّا كان بها أو حواليها وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم ، إي والله ليودنّ أكثر الناس انّه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب ، والسبع خطة من خطط همدان وليصيّرنّ الكوفة أربعة وخمسين ميلا وليجاورن قصورها قصور كربلاء وليصيّرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكوننّ لها شأن من الشأن وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربّه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرّة ، ثمّ تنفّس أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : يا مفضل إنّ بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى الله إليها أن اسكتي كعبة البيت الحرام ولا تفتخري على كربلاء فإنّها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وإنّها الربوة التي أويت إليها مريم والمسيح وإنّها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه‌السلام وفيها غسلت مريم عيسى واغتسلت من ولادتها وإنّها خير بقعة عرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلى ظهور قائمنا.

قال المفضّل : يا سيدي ثمّ يسير المهدي إلى أين؟ قال : إلى مدينة جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين.

قال المفضّل : يا سيدي ما هو ذاك؟

قال عليه‌السلام : يرد إلى قبر جدّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول : يا معاشر الخلائق هذا قبر جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فيقولون : نعم يا مهدي آل محمّد ، فيقول : ومن معه في القبر؟ فيقولون : صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر ، فيقول ـ وهو أعلم بهما والخلائق كلهم جميعا يسمعون ـ من أبو بكر وعمر؟ وكيف دفنا من بين الخلق مع جدّي رسول الله وعسى المدفون غيرهما ، فيقول الناس : يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما إنّهما دفنا معه لأنّهما خليفتا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوا زوجتيه ، فيقول للخلق : بعد ثلاث أخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضّين طريّين لم يتغيّر خلقهما ولم يشحب لونهما فيقول : هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون : نعرفهما بالصفة وليس

٢١٥

ضجيعا جدّك غيرهما فيقول : هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشكّ فيهما؟ فيقولون : لا ، فيؤخّر اخراجهما ثلاثة أيّام ثمّ ينتشر الخبر فى الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ويقول للنقباء : ابحثوا عنهما فيبحثون بأيديهم حتّى يصلوا إليهما فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من أهل ولايتهما : هذا والله الشرف حقّا ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ويخبر من أخفى نفسه ممّن في نفسه مقياس حبّة من محبّتهما وولايتهما ويحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي : كلّ من أحب صاحبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضجيعيه فلينفرد جانبا فتجزأ الخلق جزءين : أحدهما موال والآخر متبرّئ منهما فيعرض المهدي على أوليائهما البراءة منهما فيقولون : يا مهدي آل رسول الله نحن لم نتبرّأ منهما ولسنا نعلم أنّ لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي بدا لنا من فضلهما ، لا نتبرّأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما بل والله منك وممّن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل ، فيأمر المهدي (عج) ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ثمّ يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع ثمّ يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتّى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم عليه‌السلام وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجبّ وحبس يونس في بطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وعذاب جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليه‌السلام لإحراقهم بها وضرب يد الصدّيقة الكبرى فاطمة عليه‌السلام بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسنا وسمّ الحسن وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمّه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإراقة دماء آل محمّد وكل دم سفك وكل فرج نكح حراما وكل خبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغمّ مذ عهد آدم إلى وقت قيام قائمنا ، كلّ ذلك يعدّده عليهما ويلزمهما إيّاه ويعترفان به.

أقول : (١) والعلّة والسبب في إلزام ما تأخّر عنهما من الآثام عليهما ظاهر ؛ لأنّهما بمنع أمير المؤمنين عليه‌السلام عن حقّه ودفعه عن مقامه صارا سببين لاختفاء سائر الأئمّة ومظلوميتهم

__________________

(١) والكلام للمجلسي ضمن سياق شرح ألفاظ الحديث.

٢١٦

وتسلّط أئمّة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم وصار ذلك سببا لكفر من كفر وضلال من ضلّ وفسق من فسق ؛ لأنّ الإمام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع جميع ذلك ، وعدم تمكّن أمير المؤمنين من بعض تلك الامور في أيّام خلافته كان لما أتياه من الظلم والجور ، وأمّا ما تقدّم عليهما فلأنّهما راضيان بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحقّ عن مقامهم وما يترتّب على ذلك من الفساد ، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم وكلّ من رضي بفعل فهو كمن أتاه كما دلّت عليه الآيات الكثيرة حيث نسب الله تعالى فعل آباء اليهود إليهم وذمّهم عليها لرضاهم بها ولا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك الامور عن الأشقياء كما أنّ أرواح الطيبين من أهل الرسالة كانت مؤيّدة للأنبياء والرسل ، معينة لهم في الخيرات ، شقيقة لهم في دفع الكربات).

ثمّ يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ثمّ يصلبهما على الشجرة ويأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثمّ يأمر ريحا فتنسفهما في اليمّ نسفا.

قال المفضّل : يا سيدي ذلك آخر عذابهما؟

قال عليه‌السلام : هيهات يا مفضل والله ليردنّ وليحضرن السيّد الأكبر أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة وكل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا وليقتص منهما لجميعهم حتّى أنّهما ليقتلان في كلّ يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى ما شاء ربّهما ، ثمّ يسير المهدي إلى الكوفة والنجف وينزل وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستّة وأربعون ألفا من الملائكة وستّة آلاف من الجن والنقباء ثلاث مائة وثلاثة عشر نقيبا.

قال المفضّل : يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟

قال عليه‌السلام : في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يحلب الجريرة ومن الرايات التي تسير إليها من كلّ قريب أو بعيد ، والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الامم المتمرّدة من أوّل الدهر إلى آخره ولينزلنّ بها من العذاب ما لا عين رأت ولا اذن سمعت بمثله ، ولا يكون طوفان أهلها إلّا بالسيف فالويل لمن اتخذ بها سكنا فإنّ المقيم بها يبقى بشقائه والخارج منها برحمة الله ، والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتّى يقال إنّها هي الدنيا وإنّ دورها وقصورها هي الجنّة وإنّ بناتها هي الحور العين وإنّ ولدانها هم الولدان وليظننّ أنّ الله لم يقسّم رزق

٢١٧

العباد إلّا بها وليظهرنّ فيها من الافتراء على الله وعلى رسوله والحكم بغير كتابه ومن شهادات الزور وشرب الخمور و [إتيان] الفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا إلّا دونه ، ثمّ ليخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتّى ليمرّ عليها المار فيقول : هاهنا كانت الزوراء ، ثمّ يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيب كنوز الله بالطالقان كنوز وأي كنوز ليست من فضّة ولا من ذهب ، بل هي رجال كزبر الحديد على البراذين الشهب بأيديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتّى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها له معقلا فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي ويقولون يا ابن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول : اخرجوا بنا إليه حتّى ننظر من هو وما يريد ، وهو والله بعلم أنّه المهدي وإنّه ليعرفه ولم يرد بذلك الأمر إلّا ليعرف أصحابه من هو فيخرج الحسني فيقول : إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه اليربوع وناقته الغضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبته البراق ومصحف أمير المؤمنين فيخرج له ذلك ، ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ولم يرد بذلك إلّا أن يرى أصحابه فضل المهدي حتّى يبايعوه ، فيقول الحسني : الله أكبر مدّ يدك يا ابن رسول الله حتّى نبايعك فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلّا أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية فإنّهم يقولون ما هذا إلّا سحر عظيم فيختلط العسكران فيقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيّام فلا يزدادون إلّا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثمّ يقول لأصحابه : لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها وغيّروها وحرّفوها ولم يعملوا بما فيها.

قال المفضل : يا مولاي ثمّ ما ذا يصنع المهدي عليه‌السلام؟

قال عليه‌السلام : يثوّر سرايا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ثمّ يظهر الحسين عليه‌السلام في اثني عشر ألف صدّيق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرّة زهراء بيضاء ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وينصب له القبّة بالنجف ويقام أركانها : ركن بالنجف وركن بهجر وركن بصفا وركن بأرض طيبة لكأنّي أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضوأ من الشمس والقمر،

٢١٨

فعندها تبلى السرائر وتذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت إلى آخر الآية ، ثمّ يخرج السيّد الأكبر محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدّقه واستشهد معه ويحضر مكذّبوه والشاكّون فيه والرادّون عليه والقائلون فيه إنّه ساحر وكاهن ومجنون وناطق عن الهوى ومن حاربه وقاتله حتّى يقتص منهم بالحق ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت يحقّ تأويل هذه الآية (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (١).

قال المفضّل : يا سيّدي ومن فرعون ومن هامان؟

قال عليه‌السلام : أبو بكر وعمر.

قال المفضّل : يا سيّدي ورسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما يكونان معه؟ فقال : لا بدّ أن يطئا الأرض ، إي والله حتّى ما وراء الخاف (٢) ، إي والله وما في الظلمات وما في قعر البحار حتّى لا يبقى موضع قدم إلّا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى ، ثمّ لكأنّي أنظر يا مفضّل إلينا معاشر الأئمّة بين يدي رسول الله نشكو إليه ما نزل بنا من الأمّة بعده وما نالنا من التكذيب والردّ علينا وسبّنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لامورهم من دون الامّة ترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم وقتلهم إيّانا بالسمّ والحبس فيبكي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : يا بني ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدّكم قبلكم ثمّ تبتدئ فاطمة وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار وخطابها له في أمر فدك وما ردّ عليها من قوله : إنّ الأنبياء لا يورّثون ، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى وقصّة داود وسليمان وقول عمر : هاتي صحيفتك التي ذكرت أنّ أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إيّاها منها ونشره لها على رءوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار وسائر العرب وتفله فيها وتمزيقه إيّاها وبكائها ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها واستغاثتها بالله وبأبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتمثّلها بقول رقية بنت أصفى :

__________________

(١) سورة القصص : ٥ ـ ٦.

(٢) قال المجلسي : الخاف : الجبل المطيف بالدنيا ، ولا يبعد أن يكون تصحيف القاف.

٢١٩

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم

لما نأيت وحالت دونك الحجب

لكلّ قوم لهم قرب ومنزلة

عند الإله على الأدنين مقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا

أملوا اناس ففازوا بالذي طلبوا

وتقصّ عليه قصّة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذ وعمر بن الخطّاب وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمّ أزواجه وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده وطارفه (١) وقضى عن رسول الله ، وقول عمر : أخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلّا قتلناك وقول فضّة جارية فاطمة عليه‌السلام : إنّ أمير المؤمنين مشغول والحقّ له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه ، وجمعهم الجزل (٢) والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم وفضّة ، وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متمّ نوره ، وانتهاره لها وقوله : كفى يا فاطمة فليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاضرا ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما علي إلّا كأحد من المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا ، فقالت عليها‌السلام وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك وارتداد أمّته علينا ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة ، وأخذت النار في خشب الباب وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتّى كان كالدملج (٣) الأسود ، وركل الباب برجله حتّى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر وإسقاطها إيّاه وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدّها حتّى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر

__________________

(١) التليد : العبد الذي ولد عنده ، والطارف نقيضه (لسان العرب : ٣ / ١٩٣).

(٢) الجزل : ما عظم من الحطب ويبس.

(٣) الدملج : المعضد من الحلي (كتاب العين : ٦ / ٢٠٦).

٢٢٠