إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

بالبكاء وتقول وا أبتاه وا رسول الله! ابنتك فاطمة تكذب ويقتل جنين في بطنها ، وخروج أمير المؤمنين عليه‌السلام من داخل الدار محمرّ العين حاسرا حتّى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله قد علمت أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك فو الله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمّدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابّة تمشي على وجه الأرض ولا طائر في السماء إلّا أهلكه الله ، ثمّ قال : يا بن الخطّاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني عابر الامّة فخرج عمر وخالد بن وليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج وصاح أمير المؤمنين بفضّة يا فضّة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب فأسقطت محسنا ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فإنّه لاحق بجدّه رسول الله فيشكو إليه حمل أمير المؤمنين عليه‌السلام لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وكلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكّرهم بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله وبايعوا في أربعة مواطن في حياة رسول الله وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها فكلّ يعده بالنصر في يومه المقبل ، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه ثمّ يشكو إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام المحن العظيمة التي امتحن بها بعده وقوله : لقد كانت قصّتي مثل قصّة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله لموسى يا ابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمّت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ، فصبرت محتسبا وسلّمت راضيا وكانت الحجّة لهم في خلافي ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصيّ نبي من سائر الأوصياء من سائر الامم حتّى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكّة يظهران الحجّ والعمرة وسيرهم بها إلى البصرة وخروجي إليهم وتذكيري لهم الله وإيّاك وما جئت به يا رسول الله فلم يرجعا حتّى نصرني الله عليهما حتّى أهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين وقطعت سبعون كفّا على زمام الجمل فما لقيت في غزواتك يا رسول الله وبعدك أصعب منه أبدا لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدّبني الله بما أدّبك به يا

٢٢١

رسول الله في قوله عزوجل : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (١) وقوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) (٢) وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الامّة من بعدك في قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٣).

يا مفضّل ويقوم الحسن إلى جدّه فيقول : يا جدّاه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتّى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فوصّاني بما وصيته ، يا جدّاه وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل فأمر بالقبض عليّ وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية فمن يأبى منّا ضرب عنقه وسيّر إلى معاوية رأسه ، فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري فدخلت جامع الكوفة للصلاة ورقيت المنبر واجتمع الناس فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت : معشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار وقلّ الاصطبار فلا قرار على همزات الشياطين ، وحكم الخائنين الساعة والله صحت البراهين وفصلت الآيات وبانت المشكلات ولقد كنّا نتوقّع تمام هذه الآية وتأويلها قال الله عزوجل (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٤) فلقد مات والله جدّي رسول الله وقتل أبي وصاح الوسواس الخنّاس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة وخالفتم السنّة فيا لها من فتنة صمّاء عمياء ، لا تسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق وسيّرت رايات أهل الشقاق وتكالبت جيوش أهل المراق من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح والنور الوضاح والعلم الحجّاج والنور الذي لا يطفأ والحقّ الذي لا يخفى.

أيّها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن تكاثف الظلمة فو الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام إليّ منكم عصبة بقلوب صافية ونيّات مخلصة لا يكون فيها شوب نفاق ولا نيّة افتراق لأجاهدنّ بالسيف قدما قدما ولأضيفنّ من السيوف جوانبها ومن الرماح

__________________

(١) سورة الاحقاف : ٣٥.

(٢) سورة النحل : ١٢٧.

(٣) سورة آل عمران : ١٤٤.

(٤) سورة آل عمران : ١٤٤.

٢٢٢

أطرافها ومن الخيل سنابكها فتكلّموا رحمكم الله ، فكأنّما الجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلّا عشرين رجلا فإنّهم قاموا إليّ فقالوا : يا بن رسول الله ما نملك إلّا أنفسنا وسيوفنا فها نحن بين يديك ، لأمرك طائعون وعن رأيك صادرون فمرنا بما شئت ، فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم فقلت : لي اسوة بجدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين عبد الله سرّا وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا ، فلمّا أكمل الله له الأربعين صار في عدّة وأظهر أمر الله فلو كان معي عدّتهم جاهدت في الله حقّ جهاده ثمّ رفعت رأسي نحو السماء فقلت : اللهمّ إنّي قد دعوت وأنذرت وأمرت ونهيت وكانوا عن إجابة الداعي غافلين وعن نصرته قاعدين وعن طاعته مقصّرين ولأعدائه ناصرين اللهمّ فأنزل عليهم رجزك وبأسك وعذابك الذي لا يردّ عن القوم الظالمين ونزلت ثمّ خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة فجاءوني يقولون إنّ معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة وشنّ غاراته على المسلمين وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال فأعلمتهم أنّه لا وفاء لهم فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنّهم يستجيبون لمعاوية وينقضون عهدي وبيعتي فلم يكن إلّا ما قلت لهم وأخبرتهم ، ثمّ يقوم الحسين عليه‌السلام مخضبا بدمه هو وجميع من قتل معه فإذا رآه رسول الله بكى وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه وتصرخ فاطمة فتزلزل الأرض ومن عليها ويقف أمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين فيضمّه رسول الله إلى صدره ويقول : يا حسين فديتك ، قرّت عيناك وعيناي فيك ، وعن يمين الحسين عليه‌السلام حمزة أسد الله في أرضه وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وهن صارخات وأمّه فاطمة تقول (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١) (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٢).

قال : فبكى الصادق عليه‌السلام حتّى اخضلت لحيته بالدموع ثمّ قال : لا قرّت عين لا تبكي عند هذا الذكر قال : فبكى المفضّل بكاء طويلا ثمّ قال : يا مولاي ما في الدموع يا مولاي؟ فقال : ما لا يحصى إذا كان من حقّ ، ثمّ قال المفضّل ما تقول في قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٠٣.

(٢) سورة آل عمران : ٣٠.

٢٢٣

بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (١).

قال : يا مفضل والموءودة والله محسن لأنّه منّا لا غير فمن قال غير هذا فكذّبوه.

قال المفضّل : يا مولاي ثمّ ما ذا؟

قال الصادق عليه‌السلام : تقوم فاطمة بنت رسول الله فتقول : اللهمّ أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني وضربني وجزعني بكل أولادي ، فتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش وسكّان الهواء ومن في الدنيا ومن تحت أطباق الثرى صائحين صارخين إلى الله تعالى فلا يبقى أحد ممّن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلّا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل الله فإنّه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢) قال المفضّل : يا مولاي إنّ من شيعتكم من لا يقول برجعتكم ، فقال عليه‌السلام : أما سمعوا قول جدّنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن سائر الأئمّة نقول : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) (٣) ، قال الصادق عليه‌السلام : العذاب الأدنى عذاب الرجعة والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤).

قال المفضّل : يا مولاي نحن نعلم انّكم اختيار الله في قوله (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) (٥) وقوله (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٦) وقوله (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٧).

قال الصادق عليه‌السلام : يا مفضل فأين نحن في هذه الآية؟

قال المفضّل : فو الله (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٨) وقوله (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (٩) وقوله عن إبراهيم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (١٠) وقد علمنا أنّ رسول الله وأمير المؤمنين ما عبدا صنما

__________________

(١) سورة التكوير : ٨ ـ ٩.

(٢) سورة آل عمران : ١٦٩.

(٣) سورة السجدة : ٢١.

(٤) سورة إبراهيم : ٤٨.

(٥) سورة الانعام : ٨٣.

(٦) سورة الانعام : ١٢٤.

(٧) سورة آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

(٨) سورة آل عمران : ٦٨.

(٩) سورة الحج : ٧٨.

(١٠) سورة إبراهيم : ٣٥.

٢٢٤

ولا وثنا ولا أشركا بالله طرفة عين وقوله (إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم قال : يا مفضل وما علمك بأنّ الظالم لا ينال عهد الإمامة؟

قال المفضّل : يا مولاي لا تمتحنّي بما لا طاقة لي به ولا تختبرني ولا تبتلني ، فمن علمكم علمت ومن فضلكم على الله أخذت ، قال الصادق عليه‌السلام : صدقت يا مفضّل ولو لا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا ، فأين يا مفضل الآيات من القرآن في أنّ الكافر ظالم؟ قال : نعم يا مولاي قوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) (والكافرون هم الفاسقون) ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماما قال الصادق عليه‌السلام : أحسنت يا مفضل ، فمن أين قلت برجعتنا ، ومقصرة شيعتنا تقول معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا وأن يجعله للمهدي؟ وويحهم ، متى سلبنا الملك حتّى يرد علينا؟

قال المفضّل : لا والله ما سلبتموه ولا تسلبونه لأنّه ملك النبوّة والرسالة والوصيّة والإمامة ، قال الصادق عليه‌السلام : يا مفضّل لو تدبّر القرآن شيعتنا لما شكّوا في فضلنا ، أما سمعوا قوله عزوجل : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٣) والله يا مفضّل إنّ تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها فينا وإنّ فرعون وهامان تيم وعدي.

قال المفضّل : يا مولاي فالمتعة؟ قال : المتعة حلال طلق والشاهد بها قول اللهعزوجل:(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٤) أي مشهودا والقول المعروف هو المشتهر بالولي والشهود وانّما احتيج إلى الولي والشهود في النكاح ليثبت النسل ويصحّ النسب ويستحق الميراث وقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٥) وجعل الطلاق في النساء المزوّجات غير جائز إلّا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والأموال

__________________

(١) سورة البقرة : ١٢٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٥٤.

(٣) سورة القصص : ٥ ـ ٦.

(٤) سورة البقرة : ٢٣٥.

(٥) سورة النساء : ٤.

٢٢٥

والأملاك (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (١) وبيّن الطلاق عزّ ذكره فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) (٢) ولو كانت المطلّقة بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل لما قال الله تعالى : (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) إلى قوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٣) وقوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (٤) هو نكر يقع بين الزوج وزوجته فيطلق التطليقة الاولى بشهادة ذوي عدل ، وحدّ وقت التطليق هو آخر القرء والقرء هو الحيض والطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة والحمرة وإلى التطليقة الثانية والثالثة ما يحدث الله بينهما عطفا أو زوال ما كرهاه ، وقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٥) هذا بقوله في أنّ للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك ثمّ بيّن تبارك وتعالى فقال : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (٦) وفي الثالثة فإن طلّق الثالثة وبانت فهو قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٧) ثمّ يكون كسائر الخطّاب لها ، والمتعة التي أحلّها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله عزوجل : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٨) والفرق بين المزوّجة والمتعة أنّ للزوجة صداقا وللمتعة أجرا فتمتّع سائر

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٢.

(٢) سورة الطلاق : ١.

(٣) سورة الطلاق : ٢.

(٤) سورة الطلاق : ١.

(٥) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٦) سورة البقرة : ٢٢٩.

(٧) سورة البقرة : ٢٣٠.

(٨) سورة النساء : ٢٤.

٢٢٦

المسلمين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحجّ وغيره وأيّام أبي بكر وأربع سنين في أيّام عمر حتّى دخل على اخته عفراء فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد وأزبد وأخذ الطفل على يده وخرج حتّى أتى المسجد ورقي المنبر وقال : نادوا في الناس أنّ الصلاة جامعة وكان غير وقت صلاة فعلم الناس أنه لأمر يريده عمر فحضروا فقال : معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان من فيكم يحبّ أن يرى المحرمات عليه من النساء ولها مثل هذا الطفل قد خرج من أحشائها وهو يرضع على ثديها وهي غير متبعّلة؟

فقال بعض القوم : ما نحبّ هذا ، فقال : ألستم تعلمون أنّ اختي عفراء بنت خيثمة أمّي وأبي الخطّاب غير متبعلة؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّي دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها : أنّى لك هذا؟ فقالت : تمتّعت ، فاعلموا سائر الناس أنّ هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول الله قد رأيت تحريمها فمن أبى ضربت جنبيه بالسوط ، فلم يكن في القوم منكر قوله ولا رادّ عليه ولا قائل لا يأتي رسول بعد رسول الله أو كتاب بعد كتاب الله لا نقبل خلافك على الله وعلى رسوله وكتابه بل سلموا ورضوا. قال المفضّل : يا مولاي فما شرائط المتعة؟

قال عليه‌السلام : يا مفضّل لها سبعون شرطا من خالف فيها شرطا واحدا ظلم نفسه ، قال : قلت يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتّع ببغيّة ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدة؟ فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحلّ وإن خلت فيقول لها متّعيني نفسك على كتاب الله عزوجل وسنّة نبيّه ، نكاحا غير سفاح أجلا معلوما باجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر والاجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به ، فإن وهبت له حلّ له كالصداق الموهوب من النساء المزوّجات اللائي قال الله تعالى فيهنّ : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (١) ثمّ تقول لها ألا ترثيني ولا أرثك وعلى أنّ الماء لي أضعه منك حيث أشاء وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا فإذا قالت نعم

__________________

(١) سورة النساء : ٤.

٢٢٧

أعدت القول ثانية وعقدت النكاح فإن أحببت وأحبّت هي الاستزادة في الأجل زدتما ، وفيه ما رويناه فإن كانت تفعل فعليها على ما نزلت من الأخبار عن نفسها ولا جناح عليك ، وقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام : فلولاه ما زنى إلّا شقي ـ أو شقية ـ لأنّه كان يقول للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا ثمّ تلا (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (١) ثمّ قال : إنّ من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفّارة ، وإن من شرط المتعة أنّ ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتّع بها فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولدا كان لاحقا بأبيه.

ثمّ يقوم جدّي علي بن الحسين وأبي الباقر فيشكوان إلى جدّهما رسول الله ما فعل بهما ثمّ أقوم أنا فأشكو إلى جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما فعل المنصور بي ثمّ يقوم ابني موسى فيشكو إلى جدّه رسول الله ما فعل به الرشيد ثمّ يقوم علي بن موسى إلى جدّه رسول الله فيشكو ما فعل به المأمون ثمّ يقوم علي بن محمّد فيشكو إلى جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما فعل به المتوكّل ثمّ يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جدّه رسول الله ما فعل به المعتزّ ثمّ يقوم المهدي سمي جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه قميص رسول الله مضرّجا بدم رسول الله يوم شجّ جبينه وكسرت رباعيته والملائكة تحفّه حتّى يقف بين يدي جدّه رسول الله فيقول : يا جدّاه وصفتني ودللت عليّ ونسبتني وسمّيتني وكنيتني فجحدتني الامّة وتمرّدت وقالت : ما ولد ولا كان وأين هو؟ ومتى كان؟ وأين يكون؟ وقد مات ولم يعقب ، ولو كان صحيحا ما أخّره الله تعالى إلى هذا الوقت المعلوم فصبرت محتسبا وقد أذن الله لي فيها بإذنه يا جدّاه ، فيقول رسول الله : الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ويقول (جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (٢) وحق قول الله سبحانه وتعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣) ويقرأ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٤) ، فقال المفضّل : يا مولاي أيّ ذنب كان لرسول

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٢) سورة النصر : ١.

(٣) سورة التوبة : ٣٣.

(٤) سورة الفتح : ٣.

٢٢٨

الله؟ فقال الصادق عليه‌السلام : يا مفضّل إنّ رسول الله قال : اللهمّ حمّلني ذنوب شيعة أخي وأولادي الأوصياء ما تقدّم منها وما تأخّر إلى يوم القيامة ولا تفضحني بين النبيّين والمرسلين من شيعتنا فحمّله الله إيّاها وغفر جميعها.

قال المفضل : فبكيت بكاء طويلا وقلت : يا سيدي هذا بفضل الله علينا فيكم ، قال الصادق عليه‌السلام : يا مفضّل ما هو إلّا أنت وأمثالك ، بلى يا مفضّل لا تحدّث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلّمون على هذا الفضل ويتركون العمل فلا نغني عنهم من الله شيئا لأنّا كما قال الله تعالى فينا (لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (١).

قال المفضل : يا مولاي فقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (٢) ما كان رسول الله ظهر على الدين كلّه؟ قال : يا مفضّل لو كان رسول الله ظهر على الدين كلّه ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا صابئية ولا نصرانية ولا فرقة ولا خلاف ولا شكّ ولا شرك ولا عبدة أصنام ولا أوثان ولا اللات والعزّى ولا عبدة الشمس والقمر ولا النجوم ولا النار ولا الحجارة وإنّما قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة وهو قوله (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (٣). فقال المفضّل : أشهد أنّكم من علم الله علمتم وبسلطانه وبقدرته قدرتم وبحكمه نطقتم وبأمره تعملون ، ثمّ قال الصادق عليه‌السلام : ثمّ يعود المهدي إلى الكوفة وتمطر السماء بها جرادا من ذهب كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها (٤) ولجينها (٥) وجوهرها.

قال المفضل : يا مولاي من مات من شيعتكم وعليه دين لإخوانه ولأضداده كيف يكون؟ قال الصادق عليه‌السلام : أوّل ما يبتدئ المهدي (عج) أن ينادي في جميع العالم : ألا من له عند أحد شيعتنا دين فليذكره حتّى يرد الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والأملاك فيوفيه إيّاه.

قال المفضل : يا مولاي ثمّ ما ذا يكون؟ قال : يأتي القائم بعد أن يطأ شرق الأرض وغربها الكوفة ومسجدها ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنه الله لمّا قتل الحسين بن

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢٨.

(٢) سورة التوبة : ٣٣.

(٣) سورة الانفال : ٣٩.

(٤) التبر بالكسر : الذهب.

(٥) اللجين : الفضّة.

٢٢٩

علي عليه‌السلام و [هو] مسجد ليس لله ، ملعون ملعون من بناه.

قال المفضل : يا مولاي فكم يكون مدّة ملكه؟ فقال : قال الله عزوجل : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١) والمجذوذ : المقطوع أي عطاء غير مقطوع عنهم بل هو دائم أبدا وملك لا ينهد وحكم لا ينقطع وأمر لا يبطل إلّا باختيار الله ومشيئته وإرادته التي لا يعلمها إلّا هو ثمّ القيامة وما وصفه الله عزوجل في كتابه ، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد النبي وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا كثيرا (٢).

__________________

(١) سورة هود : ١٠٥ ـ ١٠٨.

(٢) الحديث بطوله في البحار : ٥٣ أول الكتاب ، ومختصر البصائر : ١٧٩.

٢٣٠

الغصن التاسع

في ما يقع في زمانه ورجعته ورجعة سائر الأئمّة بعد ظهوره

في الإرشاد عن أبي جعفر عليه‌السلام : كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد (١).

وفيه عنه عليه‌السلام بعد ذكر المهدي قال : يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له ويدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلّي بهم الجمعة فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغري ويصلّي بهم هناك ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه‌السلام نهرا يجري إلى الغريين حتّى ينزل الماء في النجف ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كرى (٢).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ذكر عنده مسجد السهلة فقال : أما إنّه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله (٣).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا قام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء (٤).

وفيه عنه عليه‌السلام : إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها واستغنى العباد عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم انثى ، وتظهر الأرض من كنوزها حتّى يراها الناس على وجهها ويطلب الرجل منكم من يصله ماله ويأخذ

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٣٧٩ علامات القائم.

(٢) الإرشاد : ٢ / ٣٨٠.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٨٠.

(٤) الإرشاد : ٢ / ٣٨٠.

٢٣١

منه زكاة ماله فلا يجد أحدا يقبل منه ذلك واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله (١).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا أذن الله تعالى للقائم في الخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه أن يسير فيهم بسنّة رسول الله ويعمل فيهم بعمله ، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل حتّى يأتيه فينزل على الحطيم يقول : إلى أي شيء تدعو ، فيخبره القائم ، فيقول جبرئيل : أنا أوّل من يبايعك ، أبسط يدك فيمسح على يده وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيبايعونه ويقيم بمكة حتّى يتمّ أصحابه عشرة آلاف نفس ثمّ يسير منها إلى المدينة (٢).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا قام القائم (عج) من آل محمّد أقام خمس مائة من قريش فضرب أعناقهم ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم ثمّ خمسمائة اخرى حتّى يفعل ذلك ست مرّات ، قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال : نعم منهم ومن مواليهم (٣).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا قام القائم (عج) هدم المسجد الحرام حتّى يرده إلى أساسه وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه وقطع أيدي بني شيبة وعلّقها بالكعبة وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة (٤).

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام : إذا قام القائم (عج) سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون التبرية ، عليهم السلاح فيقولون : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب ويهدم قصورها ويقتل مقاتلها حتّى يرضى الله عزّ وعلا (٥).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا قام القائم جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بدء الإسلام إلى أمر جديد.

وعنه عليه‌السلام : إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيّامه الجور وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها وردّ كلّ حقّ إلى أهله ولم يبق أهل دين حتّى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله سبحانه يقول : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٣٨١.

(٢) الإرشاد : ٢ / ٣٨٢.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٨٣.

(٤) الإرشاد : ٢ / ٣٨٣.

(٥) الإرشاد : ٢ / ٣٨٤.

٢٣٢

وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (١) وحكم بين الناس بحكم داود عليه‌السلام وحكم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين ، ثمّ قال : إنّ دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا لئلّا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا عنده سيرة هؤلاء وهو قول الله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٢).

في الموائد : إذا ظهر القائم (عج) قام بين الركن والمقام وينادي بنداءات خمسة : الأول : ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم ، الثاني : ألا يا أهل العالم أنا الصمصام المنتقم ، الثالث : ألا يا أهل العالم إن جدّي الحسين قتلوه عطشان ، الرابع : ألا يا أهل العالم إنّ جدّي الحسين عليه‌السلام طرحوه عريانا ، الخامس : ألا يا أهل العالم إنّ جدّي الحسين عليه‌السلام سحقوه عدوانا.

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام : إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلّا هدّمها وجعلها جماء ووسع الطريق الأعظم وكسر كلّ جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والميازيب ، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ولا سنّة إلّا أقامها ويفتح قسطنطينة والصين وجبال الديلم فيمكث على ذلك سبع سنين كلّ سنة عشر سنين من سنيكم هذه ثمّ يفعل الله ما يشاء قال : قلت له : جعلت فداك فكيف يطول السنون؟

قال : يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلّة الحركة فتطول الأيّام لذلك والسنون ، قلت: إنّهم يقولون إنّ الفلك إن تغيّر فسد. قال : ذلك قول الزنادقة فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك ، وقد شقّ الله تعالى القمر لنبيّه وردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون وأخبر بطول يوم القيامة وأنّه كألف سنة ممّا تعدّون (٣).

وفيه عنه عليه‌السلام : إذا قام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب فساطيط ويعلّم الناس القرآن على ما أنزل الله فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنّه يخالف فيه التأليف (٤).

وفي غيبة النعماني عن علي عليه‌السلام يقول : كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما أنزل قيل : يا أمير المؤمنين أوليس هو كما أنزل؟

قال : لا محا عنه من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم وما ترك اسم أبي لهب إلّا إزراء

__________________

(١) سورة آل عمران : ٨٣.

(٢) سورة الأعراف : ١٢٨.

(٣) الإرشاد : ٢ / ٣٨٥.

(٤) الإرشاد : ٢ / ٣٨٦.

٢٣٣

برسول الله لأنّه عمّه (١).

وفيه عن الباقر عليه‌السلام قال : أصحاب القائم (عج) ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا أولاد العجم بعضهم يحمل في السحاب نهارا يعرف باسمه واسم أبيه ونسبه وخليته ، وبعضهم نائم على فراشه فيوافيه في مكّة على غير ميعاد (٢).

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم أن لا يروه ممّا يقتل من الناس ، أما إنّه لا يبدأ إلّا بقريش فلا يأخذ منها إلّا السيف ولا يعطيها إلّا السيف حتّى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمّد لو كان من آل محمّد لرحم (٣).

وفيه عنه عليه‌السلام : يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد ، على العرب شديد ليس شأنه إلّا السيف ، لا يستنيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم (٤).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما تستعجلون بخروج القائم؟ فو الله ما لباسه إلّا الغليظ وما طعامه إلّا الجشب وما هو إلّا السيف والموت تحت ظلّ السيف (٥).

في الإرشاد عنه عليه‌السلام : إذا قام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم بين الناس بحكم داود ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم قال سبحانه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (٦) (٧).

وفيه عن مفضل عنه عليه‌السلام : يخرج مع القائم (عج) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا ، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهتدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا وحكّاما (٨).

وفي غيبة النعماني عنه عليه‌السلام يقول : ثلاث عشرة مدينة وطائفة تحارب القائم (عج) أهلها ، ويحاربونه أهل مكّة وأهل المدينة وأهل الشام وبنو أمية وأهل البصرة وأهل دميسان والأكراد والأعراب ، وضبة ، وغني ، وباهلة ، وأزد ، وأهل الري (٩).

__________________

(١) غيبة النعماني : ٣١٨ ح ٥ باب ٢١.

(٢) غيبة النعماني : ٣١٥ ح ٨ باب ٢٠.

(٣) غيبة النعماني : ٢٣٣ ح ١٨ باب ١٣.

(٤) غيبة النعماني : ٢٥٣ ح ١٣ باب ١٤.

(٥) غيبة النعماني : ٢٨٥ ح ٥ باب ١٥.

(٦) سورة الحجر : ٧٥ ـ ٧٦.

(٧) الإرشاد : ٢ / ٣٨٦.

(٨) الإرشاد : ٢ / ٣٨٦.

(٩) غيبة النعماني : ٢٩٩ وفيه : وأهل دست ميسان.

٢٣٤

وفيه عنه عليه‌السلام قال : إنّ القائم يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله لأنّ رسول الله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة وإنّ القائم (عج) يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه ، وفي رواية : ثمّ قال : والله ليدخلنّ عليهم عدله ، أما والله ليدخلنّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقر (١).

وفي الدمعة عن غيبة الطوسي عن أبي بصير في حديث له ، إلى أن قال : إذا قام القائم (عج) دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة ... إلى أن قال : ثمّ لا يلبث إلّا قليلا حتّى يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الأسكرة (٢) عشرة آلاف ، شعارهم يا عثمان ، ويدعو رجلا من الموالي فيقلّده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتّى لا يبقى منهم أحد ثمّ يتوجّه إلى كابل شاه وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره فيفتحها ثمّ يتوجّه إلى الكوفة فينزلها وتكون داره ويتهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب. وفي رواية اخرى : يفتح قسطنطينة لأنّها نسبت إلى منشئها وهو قسطنطين الملك وهو أوّل من أظهر دين النصرانية ، ولها سبعة أسوار [عرض] السور السابع منها المحيط بالستّة واحد وعشرون ذراعا وفيه مائة باب وعرض السور الأخير الذي يلي البلد عشرة أذرع ، وهي على خليج يصبّ في البحر الرومي وهي متّصلة ببلاد رومية والأندلس ، وأمّا رومية فهي أمّ بلاد الروم وكلّ من ملكها يقال له الباب وهو الحاكم على دين النصرانية بمنزلة الخليفة في المسلمين وليس في بلاد الروم مثلها ، كثيرة العجائب محكمة البناء (٣).

وعن الأخبار الطوال الأول : رومية الكبرى مدينة رئاسة الروم ودار ملكهم وهي في شمالي غربي القسطنطينة وهي في يد الإفرنج ويقال لملكها ألمان وبها يسكن البابا الذي تطيعه الإفرنج وهو عندهم بمنزلة الإمام وهي من عجائب الدنيا لعظم عمارتها ولكثرة خلقها وحصانتها وذلك خارج عن العادة إلى حدّ لا يصدّقه السامع (٤).

وعن عقد الدرر : إنّ عليها سورين من حجارة ، عرض الأوّل اثنان وسبعون ذراعا وعرض الثاني اثنان وأربعون ذراعا ، ومسافة ما بين السورين من الفضاء ستّون ذراعا ، ولها ألف باب

__________________

(١) غيبة النعماني : ٢٩٧ باب ١٧ ح ١.

(٢) في المصدر : الدسكرة.

(٣) غيبة الشيخ : ٤٧٥ فصل في ذكر طرف من صفاته.

(٤) عقد الدرر بتفاوت : ١٢٥ الباب التاسع.

٢٣٥

من النحاس الأصفر سوى العود والصنوبر والخشب والآبنوس المنقوش الذي لا تدرى قيمته ، ومسافة ما بين الغربي منها إلى الشرقي مائة وعشرون ميلا ، وبين السورين نهر مغطّى ببلاط من نحاس ، طول كلّ بلاطة سبعون أو أربعون ذراعا ، وهذا النهر الذي بين السورين يتصل بالنهر الكبير الذي تدخل فيه المراكب وتعلوه إلى داخل البلد فتقف على جانب البحر فتبيع وتشتري وفيها ألف ومائتا كنيسة وأربعون ألف حسام وفيها طلسمات للحيات والعقارب تمنعهم من الدخول إليها وطلسم يمنع الغريب من الدخول إليها ، وفي وسطها سوق يباع فيه الطير مقدار فرسخ ، ومن جملة ما فيها من الكنائس كنيسة بنيت على اسم بولس وبطرس من الحواريين وهما بهما في جوف من رخام مدفونان وطول هذه الكنيسة ثلاثة آلاف ذراع وعرضها ثلاثة آلاف ذراع ، وقيل : ألف ذراع وهي مبنية على قناطر من صفر ونحاس وكذلك سقوفها وحيطانها وهي من العجائب ، وفيها كنيسة اخرى على عرض بيت المقدس وطوله مرصعة باليواقيت والجواهر والزمرد ، طول مذبحها عشرون من الزمرد الأخضر وعرضه ستّة أذرع يحملها اثنا عشر تمثالا من الذهب ، طول كلّ تمثال ذراعان ونصف ولكلّ تمثال عينان من الياقوت الأحمر يضيء المكان منهما ولها ثمان وعشرون بابا من الذهب الأحمر (١). وعن ابن عبّاس أنّ الرومية مدينة كثيرة العجائب ومن عجائبها أنّ في وسطها كنيسة عظيمة وفي وسط الكنيسة عامود من الحديد الصيني وعليه تابوت من نحاس أحمر وفيه سودانية (٢) وهي زرزواه في منقارها زيتونة وفي مخلبيها زيتونتان من نحاس فإذا كان أيّام الزيتون لم يبق في الدنيا سودانية على وجه الأرض إلّا جاء وفي منقارها زيتونة وفي مخلبيها زيتونتان فتأتي به فتلقيه في التابوت فمنه يأكلون ومنه يأدمون ومنه يوقدون من السنة إلى السنة من زيته ، وفيها من العجائب ما يطول ذكره في هذا المقام ، انتهى.

وليعلم أنّ هذا المذكور نبذة يسيرة عن عجائبها وقطرة من غزير بحر غرائبها ومن أعطى التأمّل حقّه في هذه الصفات وهذه الحصون المحكمة والسمات والطلاسيم التي تمنع الغريب عن دخولها وتبعد من أراد الدنو من غير أهلها ونظر في صعوبة مالكها وقوّة ممالكها

__________________

(١) عقد الدرر : ١٢٥ ـ ١٢٦ الباب التاسع ، وبالهامش : المالك ، والممالك : ١١٣ ـ ١١٥.

(٢) في بعض النسخ : سودائية.

٢٣٦

عرف أنّ فتحها ليس إلّا بنصر إلهي ربّاني وتأييد سماوي سبحاني ، ولا يتيسّر بطول الحصار والقتال ولا بقوّة الحيل وكثرة الخيل والرجال ومع ذلك إنّ المهدي (عج) إنّما يفتحها بالتسبيح والتكبير لذي الجلال من غير قتال فيكون ذلك من المعاجز الجليلة الخارجة عن قوّة الطاقة البشرية (١).

وعن عقد الدرر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : هل سمعتم بمدينة جانب منها في البرّ وجانب منها في البحر؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : لا تقوم الساعة حتّى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق فإذا جاءوها نزلوا عليها فلم يقاتلوها بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا : لا إله إلّا الله والله أكبر فيسقط حائطها الذي في البحر ثمّ يقولون الثانية : لا إله إلّا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثمّ يقولون الثالثة : لا إله إلّا الله والله أكبر فتفتح لهم فيغنمون ، فبينا هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقالوا : إنّ الدجّال قد خرج فيتركون كلّ شيء ويرجعون(٢).

وفي غيبة النعماني عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا قام القائم (عج) في أقاليم الأرض في كل إقليم رجل يقول : عهدك في كفّك فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها. قال : ويبعث جندا إلى القسطنطينة فإذا بلغوا إلى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا ومشوا على الماء فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا : هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون (٣).

وفيه عن بشر بن غالب الأسدي قال : قال لي الحسين بن علي عليه‌السلام : يا بشر ما بقاء قريش إذا قدّم القائم المهدي (عج) منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم ثمّ قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا ثمّ خمسمائة فضرب أعناقهم قال : فقلت : أصلحك الله أيبلغون ذلك؟ فقال الحسين بن علي عليه‌السلام : إنّ موالي القوم منهم ، قال : فقال لي بشر بن غالب أخو بشير بن غالب أشهد أنّ الحسين بن علي عليه‌السلام عدّ على أخي ست عدّات(٤)(٥).

__________________

(١) مجمع النورين : ٣١٩ ، وعقد الدرر : ١٢٧ ، والبحار : ٥٧ / ٢٣٩ بتفاوت.

(٢) كنز العمّال : ١٤ / ٣٠٥ ح ٣٨٧٧٥ والمستدرك للحاكم : ٤ / ٤٧٦.

(٣) غيبة النعماني : ٣١٩ ح ٨ باب ٢١ وفيه : ما يشاءون.

(٤) وقال ست عددات على اختلاف الروايات.

(٥) غيبة النعماني : ٢٣٥ ح ٢٣ باب ١٣.

٢٣٧

وفي إثبات الهداة للحرّ العاملي عن غيبة الطوسي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كانت عصا موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثمّ صارت إلى موسى بن عمران ، وإنّها عندنا ، وإنّ عهدي بها آنفا وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها وانها لتنطق إذا استنطقت ، اعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع بها موسى بن عمران عليه‌السلام (١).

وعن عقد الدرر عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام في قصّة المهدي (عج) وفتوحاته ورجوعه إلى دمشق قال : ثمّ يأمر المهدي بإنشاء مراكب فيبنى أربعمائة سفينة في ساحل عكا ، ويخرج الروم في مائة صليب تحت كلّ صليب عشرة آلاف فيقيمون على طرسوس فيفتحونها بأسنّة الرماح ويوافيهم المهدي (عج) فيقتل من الروم حتّى يتغيّر ماء الفرات بالدم وينهزم من في الروم فيلحقوا انطاكية وينزل المهدي (عج) على قبّة العبّاس فيبعث ملك الروم يطلب الهدنة من المهدي ويطلب المهدي (عج) منه الجزية فيجيبه إلى ذلك غير أنّه لا يخرج من بلد الروم ، فلا يبقى في بلد الروم أسير إلّا خرج ، ويقيم المهدي (عج) بأنطاكية سنتة تلك ثمّ يسير بعد ذلك ومن تبعه من المسلمين لا يمرّون على حصن من بلد الروم إلّا قالوا عليه لا إله إلّا الله فتتساقط حيطانها ويقتل مقاتلته حتّى ينزل على القسطنطينة فيكبرون عليها تكبيرات فينشف خليجها ويسقط سورها فيقتلون فيها ثلاثمائة ألف مقاتل ويستخرج منها ثلاثة كنوز ذهب وكنز فضّة وكنز أبكار فيفتضّون ما بدا لهم بدار البلاط سبعون ألف بكر ويقتسمون الأموال بالغرابيل فبينا هم كذلك إذا سمعوا الصائح : ألا إنّ الدجّال قد خلفكم في أهليكم فيكشف الخبر فإذا هو باطل ويسير المهدي (عج) إلى رومية ويكون قد أمر أربعمائة مركب من عكا فيقيّض الله تعالى لهم الريح ، فما يكون إلّا يومين وليلتين ويحيطوا على بابها ويعلقون رجالهم على شجرة على بابها ممّا يلي غربيها ، فإذا رآهم أهل الرومية أحضروا إليهم راهبا كبيرا عنده علم من كتبهم فيقولون انظر ما يريد فإذا أشرف على المهدي (عج) فيقول : إنّ صفتك التي هي عندي وأنت صاحب رومية فيسأله الراهب عن أشياء فيجيبه عنها فيقول له المهدي (عج) ارجع فيقول : لا أرجع ، أنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله فيكبّر المسلمون ثلاث تكبيرات فتكون كالرمانة على نشر فيدخلونها فيقتلون بها خمسمائة ألف مقاتل ويقتسمون الأموال حتّى يكون الناس في الفيء شيئا واحدا لكلّ أبناء

__________________

(١) إثبات الهداة : ٣ / ٥٤٠ ح ٥٠٨ والكافي : ١ / ٢٣١ ح ١ باب ما عندهم من آيات الأنبياء.

٢٣٨

منهم مائة ألف دينار ومائتا رأس ما بين جارية وغلام (١).

وعن الكتاب المزبور عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يكون بين الروم وبين المسلمين هدنة وصلح يقاتلون معهم عدوّا لهم فيقاسمونهم غنائمهم. ثمّ إنّ الروم يغزون مع المسلمين فارسين فيقتلون مقاتليهم ويسبون ذراريهم فيقول الروم : قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك فيقولون : قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم فيقولون لا نقاسمكم ذراري المسلمين أبدا فيقولون : غدرتم ثمّ ترجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينة فيقولون ، العرب غدرت بنا ونحن أكثرهم عدّة وأشدّ منهم قوّة فأمرنا نقاتلهم ، وقد كان لهم الغلبة في طول الدهر علينا ، فيأتون صاحب رومية فيخبرونه بذلك فيتوجّهون بثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفا في البحر فيقولون إذا أرسيتم بسواحل الشام فأحرقوا المراكب لتقاتلوا على أنفسكم فيفعلون ذلك ويأخذون أرض الشام برّها وبحرها ما خلا مدينة دمشق والمفتق ويخربون بيت المقدس.

قال : فقال ابن مسعود : وكم تسع دمشق من المسلمين؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تتسعنّ على من يأتيها من المسلمين كما تسع الرحم على الولد ، قال : قلت : وما المفتق يا نبي الله؟ قال : جبل من أرض الشام من حمص على نهر يقال له الأرنط فيكون ذراري المسلمين في أعلى المفتق والمسلمون على نهر الأرنط والمشركون خلف نهر الأرنط يقاتلونهم مساء وصباحا فإذا نظر ذلك صاحب القسطنطينة وجّه في البر إلى قنسرين ثلاثمائة ألف حتّى يجيئهم مادة اليمن سبعون ألفا ألف الله بين قلوبهم بالإيمان فيهزمونهم من جند إلى جند حتّى يأتوا قنسرين ويجيئهم مادة الموالي ، فقلت : يا رسول الله من هم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عتقاؤكم وهم منكم ، قوم من فارس فيقولون : يا معاشر العرب لا نكون مع أحد من الفريقين ، وتجتمع كلمتهم فيقاتل نزار يوما واليمن يوما والموالي يوما فيخرجون الروم إلى العمق فيقاتلونهم فيرفع الله نصره على العسكرين وينزل حصره عليهما حتّى يقتل من المسلمين الثلث ويفرّ الثلث ويبقى الثلث ، فأمّا الذين يقتلون من المسلمين فشهيدهم كعشرة من شهداء بدر ويشفع الواحد من الشهداء بسبعين ملاحم وشهيد الملاحم يشفع في سبعمائة ، وأمّا الثلث الذي يفرّون فإنّهم يتفرّقون ثلاثة أثلاث ثلث يلحق الروم ويقولون : لو

__________________

(١) عقد الدرر : ١٣٥ في فتوحاته وسيرته ـ الفصل الأوّل.

٢٣٩

كان لله بهذا الدين حاجة لنصرهم وهم مسلمة العرب ، وثلث يقولون ، منازل آبائنا وأجدادنا حيث لا ينالنا الروم أبدا مروا بنا إلى البدو ، وهم الأعراب ، وثلث يقولون : اسم كلّ شيء كاسم الثوم فسيروا بنا إلى العراق واليمن والحجاز حيث لا نخاف الروم ، وأمّا الثلث الباقي فيمشون بعضهم إلى بعض فيقولون : الله الله دعوا عنكم العصبية ولتجتمع كلمتكم وقاتلوا عدوّكم فإنّكم تنصرونا ما تعصبتم ، فيجتمعون جميعا ويبايعون على أنّهم يقاتلون حتّى يلحقوا بإخوانهم الذين قتلوا ، فإذا أبصر الروم إلى من تحرّك إليهم ومن قتل ورأوا قلّة المسلمين بين الصفّين يقوم رجل معه جند في أعلاه صليب فينادي غلب الصليب ، فيقول رجل معه جند فينادي : بل غلب أنصار الله وأولياؤه ، فيغضب الله على الذين كفروا من قولهم ، غلب الصليب فيقول ، يا جبرئيل أغث عبادي فينزل جبرئيل في مائة ألف من الملائكة ويقول : يا ميكائيل أغث عبادي فينزل ميكائيل في مائة ألف من الملائكة ويقول : يا إسرافيل أغث عبادي فينحدر إسرافيل في ثلاثمائة ألف من الملائكة وينزل الله نصره على المؤمنين وينزل بأسه على الكافرين فيقتلون وينهزمون ويسير المسلمون في أرض الروم حتّى يأتوا عمورية وعلى سورها خلق كثير يقولون : ما رأينا شيئا أكثر من الروم ، قتلنا وهزمنا وما أكثرهم في هذه المدينة ، فيقولون : آمنونا على أن نؤدّي لكم الجزية فيأخذون الأمان لهم ولجميع الروم على أداء الجزية ويجتمع إليهم أطرافهم فيقولون : يا معاشر العرب إنّ الدجّال قد خلفكم في دياركم والخبر باطل فمن كان فيهم منكم فلا تقبلوا شيئا ممّا معه فإنّهم قوام لكم والخبر باطل ويثب الروم على من بقي في بلادهم من العرب فيقتلونهم حتّى لا يبقى بأرض الروم لا عربي ولا عربية ولا ولد عربي إلّا قتل فيبلغ ذلك الخبر المسلمين فيرجعون غضب الله تعالى فيقتلون مقاتليهم ويسبون الذراري ويجمعون الأموال ولا ينزلون على مدينة ولا حصن فوق ثلاثة أيّام إلّا يفتح لهم وينزلون على الخليج فيصبح أهل القسطنطينة يقولون للصليب : مدّ لنا ببحرنا والمسيح ناصرنا ، فيصبحون والخليج يابس فيضرب فيه الأخبية ويحتسر البحر عن القسطنطينة ويحيط المسلمون بمدينة الكفر ليلة الجمعة بالتسبيح والتهليل والتحميد ولا يرى فيهم نائم ولا جالس فإذا طلع الفجر كبّر المسلمون تكبيرة واحدة فيسقط ما بين البحرين ، فيقول الروم : إنّما كنّا نقاتل العرب والآن نقاتل ربّنا وقد هدم لهم مدينتنا فيمكنون ويكيلون الذهب بالأترسة ويقتسمون الذراري ويتمتّعون بما في

٢٤٠