إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

أبواب السماء فرأيت شابّا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك : ومن هم؟

قال : شمعون وهذان فتعجّب الملك ، فلمّا رأى شمعون أنّ قوله قد أثّر فيه نصحه فآمن وآمن قومه ، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبرائيل فهلكوا. وفي تفسير علي بن إبراهيم ذلك باختلاف يسير (١).

الآية السادسة عشرة : قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى) إلى قوله جل ذكره : (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (٢) وعن البحار وفي تفسير البرهان أنّ جماعة من اليمن أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : نحن من بقايا الملل المتقدّمة من آل نوح وكان لنبيّنا وصي اسمه سام وأخبر في كتابه أنّ لكل نبي معجزا وله وصي يقوم مقامه فمن وصيّك؟ فأشار عليه وآله السلام بيده نحو علي عليه‌السلام ، فقالوا : يا محمّد إن سألناه أن يرينا سام بن نوح فيفعل ، فقال : نعم بإذن الله وقال : يا علي قم معهم إلى داخل المسجد واضرب برجلك الأرض عند المحراب فذهب علي عليه‌السلام وبأيديهم صحف إلى أن دخل المسجد فصلّى ركعتين ثمّ قام وضرب برجله الأرض فانشقّت الأرض وظهر لحد وتابوت فقام من التابوت شيخ يتلألأ وجهه مثل القمر ليلة البدر وينفض التراب عن رأسه وله لحية إلى سرّته وصلّى على علي وقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله سيّد المرسلين وأنّك علي وصيّ محمّد ، سيّد الوصيّين وأنا سام بن نوح فنشروا أولئك صحفهم فوجدوه كما وصفوه في الصحف ثمّ قالوا : نريد أن يقرأ من صحفه سورة فأخذ في قراءته حتّى تمّم السورة ثمّ سلم على علي عليه‌السلام ونام كما كان فانضمّت الأرض وقالوا بأسرهم : إنّ الدين عند الله الإسلام وآمنوا وأنزل الله (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) (٣).

الآية السابعة عشرة : قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤).

عن الكافي عن أبي الربيع قال : حججنا مع أبي جعفر عليه‌السلام في السنة التي كان حجّ فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب إلى أن قال : فجاء نافع حتّى اتكأ

__________________

(١) بحار الأنوار عن الثعلبي : ١٤ / ٢٦٦ ومجمع البيان : ٨ / ٢٦٥.

(٢) سورة الشورى : ٩ ـ ١٠.

(٣) بحار الأنوار : ٤١ / ٢١٢ عن مناقب آل أبي طالب : ١ / ٤٧٢ ـ ٤٧٤.

(٤) سورة الزخرف : ٤٥.

٢٦١

على الناس ثمّ أشرف على علي بن جعفر عليه‌السلام فقال : يا محمد بن علي إنّي قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلّا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي قال : فرفع أبو جعفر عليه‌السلام رأسه فقال : سل عمّا بدا لك ، فقال : أخبرني كم بين عيسى وبين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سنة؟ فقال عليه‌السلام : أخبرك بقولي أو بقولك؟ قال : أخبرني بالقولين جميعا ، قال عليه‌السلام : أمّا في قولي فخمسمائة سنة وأمّا في قولك فستمائة سنة ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) من الذي سأل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟ قال : فتلا أبو جعفر عليه‌السلام هذه الآية : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) (١) فكان من الآيات التي أراها الله تعالى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ثمّ أمر جبرائيل فأذّن شفعا وأقام شفعا وقال في أذانه حي على خير العمل ثمّ تقدّم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى بالقوم فلمّا انصرف قال لهم : على ما تشهدون؟ وما كنتم تعبدون؟

قالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّك رسول الله أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فقال نافع : صدقت يا أبا جعفر (٢).

الآية الثامنة عشرة : قوله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)(٣).

عن تفسير البرهان والمدينة جاء قوم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا محمّد إنّ عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى فأحي لنا الموتى ، فقال لهم : من تريدون؟ فقالوا : فلان وإنّه قريب عهد بالموت فدعا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأصفى إليهم شيئا لا نعرفه ثمّ قال له : انطلق معهم إلى الميّت فادعه باسمه واسم أبيه فانطلق معهم حتّى وقف على قبر الرجل ثمّ ناداه يا فلان بن فلان فقام الميّت فسألوه ثمّ اضطجع في لحده فانصرفوا وهم يقولون : إنّ هذا من أعاجيب بني عبد المطّلب ، أو نحوها فأنزل الله عزوجل (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) أي يضجون (٤).

__________________

(١) سورة الاسراء : ١.

(٢) الكافي : ٨ / ١٢١ ح ٩٣.

(٣) سورة الزخرف : ٥٧.

(٤) تفسير البرهان : ٤ / ١٥١ ح ٥.

٢٦٢

الثمرة الثانية

في الأحاديث الدالّة على أنّ الرجعة قد وقعت في الامم السالفة وأن كلّ ما وقع في الامم السابقة يقع مثله في هذه الامّة حذو النعل بالنعل والقذة (١) بالقذة.

الخبر الأوّل : في الدمعة عن الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ عيسى ابن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا وكان سأل ربّه أن يحييه له فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر فقال له : ما تريد منّي؟ فقال له : اريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ، فقال له : يا عيسى ما سكنت عنّي حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود عليّ مرارة الموت؟ فتركه فعاد إلى قبره (٢).

الخبر الثاني : في البحار أنّ فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبّدين ، وكانت العبادة في أولاد ملوك بني إسرائيل أنّهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي ليس يتبيّن منه إلّا رسمه فقالوا : لو دعونا الله عزوجل وكان الساعة لينشر لنا صاحب هذا القبر فسألناه كيف وجد طعم الموت ، فدعوا الله عزوجل وكان دعاؤهم الذي دعوا الله به : أنت إلهنا يا ربّنا ليس لنا إله غيرك والبديع الدائم غير الغافل والحي الذي لا يموت ، لك في كلّ يوم شأن ، تعلم كلّ شيء بغير تعليم ، انشر لنا هذا الميّت بقدرتك ، قال : فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس واللحية ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره إلى السماء فقال لهم : ما يوقفكم على قبري؟ فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسعة وتسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت وكربه ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي ، فقالوا له : متّ يوم متّ وأنت على ما نرى ، أبيض الرأس واللحية؟ قال : لا ، ولكن لما سمعت الصيحة : اخرج ، اجتمعت تربة عظامي إلى روحي فنفثت فيه فخرجت فزعا شاخصا بصري مهطعا إلى صوت الداعي

__________________

(١) القذة : ريش السهم (غريب الحديث : ١ / ٢٦٦).

(٢) الكافي : ٣ / ٢٦٠ ح ٣٧.

٢٦٣

فابيض لذلك رأسي ولحيتي. فانظر وتصوّر إذا جاز أن يحيي الله تعالى الموتى بدعاء أولاد الملوك المتعبّدين فكيف يجوز إنكار إحياء الموتى بدعاء أولاد أشرف الأنبياء الأئمّة المعصومين والهداة الطاهرين (١).

الخبر الثالث : وعن الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل : هل كان عيسى ابن مريمعليه‌السلام أحيى أحدا بعد موته حتّى كان له أكل ورزق ومدّة وولد؟ فقال : نعم إنّه كان له صديق مؤاخ له في الله تبارك وكان عيسى يمرّ به وينزل عليه وإنّ عيسى غاب عنه حينا ثمّ مرّ به ليسلّم عليه فخرجت إليه أمّه فسألها عنه فقالت : مات يا رسول الله ، قال : أفتحبّين أن تريه؟ قالت : نعم ، فقال لها : فإذا كان غدا فآتيك حتّى أحييه لك بإذن الله تبارك وتعالى ، فلمّا كان من الغد أتاها فقال لها : انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتّى أتيا قبره فوقف عليه عيسى ثمّ دعا الله عزوجل فانفرج القبر وخرج ابنها حيّا ، فلمّا رأته أمّه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه‌السلام فقال له عيسى : أتحبّ أن تبقى مع أمّك في الدنيا؟ فقال : يا نبي الله بأكل ورزق ومدّة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدّة؟ فقال عيسى : بأكل ورزق ومدّة تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك ، قال : نعم إذا ، قال : فدفعه عيسى إلى أمّه فعاش عشرين سنة وولد له (٢).

الخبر الرابع : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : مرّ عيسى ابن مريم على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها قال : أما انّهم لم يموتوا إلّا بغتة ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا ، فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالها فنجتنبها ، فدعا عيسى ربّه فنودي من الجو أنّ نادهم فقال عيسى عليه‌السلام بالليل على شرف من الأرض فقال : يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب : لبّيك يا روح الله وكلمته ، فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال : عبادة الطاغوت وحبّ الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب فقال : كيف كان حبّكم للدنيا؟

قال : كحبّ الصبي لامّه ، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنّا بكينا وحزنا ، قال عليه‌السلام : كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟

قال : الطاعة لأهل المعاصي ، قال : كيف كان عاقبة أمركم؟ قال : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية ، فقال : وما الهاوية؟ فقال : سجّين ، قال : وما سجّين؟ قال : جبال من خمر

__________________

(١) البحار : ٦ / ١٧١ ح ٤٨.

(٢) الكافي : ٨ / ٣٣٧ ح ٥٣٢.

٢٦٤

توقد علينا يوم القيامة ، قال : فما قلتم؟ وما قيل لكم؟ قال : قلنا ردّنا إلى الدنيا فنزهد فيها ، قيل : كذبتم ، قال : ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم؟ قال : يا روح الله وكلمته إنّهم ملجمون بلجم من النار بأيدي ملائكة غلاظ شداد إنّي كنت فيهم ولم أكن منهم ، فلمّا نزل العذاب عمّني معهم فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها ، فالتفت عيسى إلى الحواريين فقال : يا أولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة (١).

الخبر الخامس : عن قصص الأنبياء للقطب الراوندي عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ داود عليه‌السلام كان يدعو أن يلهمه القضاء بين الناس بما هو عنده تعالى الحق فأوحى الله إليه : يا داود إنّ الناس لا يحتملون ذلك وإنّي سأفعل ، وارتفع إليه رجلان فاستعداه أحدهما على الآخر فأمر المستعدى عليه أن يقوم إلى المستعدي فيضرب عنقه ففعل فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك وقالت : رجل جاء يتظلّم من رجل فأمر الظالم أن يضرب عنقه فقال عليه‌السلام : ربّ أنقذني من هذه الورطة قال : فأوحى الله تعالى إليه : يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحق وأنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدي عليه فأمرت فضرب عنقه قودا بأبيه وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت شجرة كذا فائته وناده باسمه فإنّه سيجيبك فسله قال : فخرج داود وقد فرح فرحا شديدا لم يفرح مثله ، فقال لبني إسرائيل : قد فرّج الله فمشى ومشوا معه فانتهى إلى الشجرة فنادى يا فلان فقال : لبيك يا نبي الله قال : من قتلك؟

قال : فلان ، فقالت بنو إسرائيل سمعناه يقول : يا نبي الله فنحن نقول كما قال فأوحى الله تعالى إليه : يا داود إنّ العباد لا يطيقون الحكم بما هو عندي الحكم ، فسل المدّعي البيّنة (٢).

الخبر السادس : في إكمال الدين عن أبي جعفر عليه‌السلام يذكر حديثا طويلا ويذكر فيه غيبة إدريس وما كان بينه وبين قومه إلى أن قال : فهبط إدريس من موضعه إلى قرية يطلب أكله من جوع ، فلمّا دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقّق قرصتين على مقلاة فقال لها : أيّتها المرأة أطعميني فإنّي مجهود من الجوع فقالت : يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا وحلفت أنّها ما تملك شيئا

__________________

(١) أصول الكافي : ٢ / ٣١٨ ح ١١.

(٢) بحار الأنوار : ١٤ / ٧ ح ١٢.

٢٦٥

غيره فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية ، قال لها : أطعميني ما أمسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب قالت : إنّهما قرصتان واحدة لي والاخرى لابني فإن أطعمتك قوتي متّ وإن أطعمتك قوت ابني مات وما هاهنا فضل أطعمه فقال لها : إنّ ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيا به ويجزيني النصف الآخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله ، فأكلت المرأة قرصها وكسرت القرص الآخر بين إدريس وبين ابنها ، فلمّا رأى ابنها يأكل إدريس من قرصه اضطرب حتّى مات قالت له : يا عبد الله قتلت عليّ ابني جزعا على قوته فقال لها إدريس : أنا احييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي ، ثمّ أخذ إدريس بعضدي الصبي ثمّ قال : أيّتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام بإذن الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله ، أنا إدريس النبي فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله ، فلمّا سمعت أمّه كلام إدريس وقوله : أنا إدريس ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت قالت أشهد أنّك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية : أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم (١).

الخبر السابع : عن معاوية بن قرة قال : كان أبو طلحة يحبّ ابنه حبّا شديدا فمرض فخافت أمّ سليم على أبي طلحة الجزع حين قرب موت الولد فبعثته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا خرج أبو طلحة من داره توفّي الولد فسجته أمّ سليم بثوب وعزلته في ناحية من البيت ثمّ تقدّمت إلى أهل بيتها وقالت لهم : لا تخبروا أبا طلحة بشيء ، ثمّ إنّها صنعت طعاما ثمّ تمسّحت شيئا من الطيب فجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما فعل ابني؟ فقالت له : هدأت نفسه ثمّ قال : هل لنا ما نأكل؟ فقامت وقرّبت إليه الطعام ثمّ تعرّضت له فوقع عليها ، فلمّا اطمأن قالت له : يا أبا طلحة أتغضب من وديعة كانت عندنا وديعة فقبضها الله تعالى؟ فقال أبو طلحة : فأنا أحقّ بالصبر منك ، ثمّ قام من مكانه فاغتسل وصلّى ركعتين ثمّ انطلق إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بصنيعها فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الذي جعل في أمّتي مثل صابرة بني إسرائيل ، فقيل : يا رسول الله ما كان من خبرها؟ فقال : كان في بني إسرائيل امرأة وكان لها زوج ولها منه غلامان فأمرها بطعام ليدعو عليه الناس ففعلت ، واجتمع الناس في داره فانطلق الغلامان يلعبان فوقعا في بئر كانت في الدار فكرهت أن تنغص على زوجها الضيافة فأدخلتهما البيت وسجتهما بثوب ، فلمّا فرغوا دخل زوجها

__________________

(١) كمال الدين : ١٣١ ح ١ باب ١.

٢٦٦

فقال : أين ابناي؟ قالت : هما في البيت وإنّما كانت تمسّحت بشيء من الطيب وتعرّضت للرجل حتّى وقع عليها ، ثمّ قال : أين ابناي؟

قالت : هما في البيت فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان فقالت المرأة : سبحان الله والله لقد كانا ميتين ولكن الله أحياهما ثوابا لصبري (١).

الخبر الثامن : في الدمعة عن قصص الأنبياء للقطب الراوندي عن ابن عبّاس قال : بعث الله جرجيس إلى ملك بالشام يقال له واذانه يعبد صنما فقال له : أيّها الملك اقبل نصيحتي ، لا ينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ولا يرغبوا إلّا إليه فقال له الملك : من أي أرض أنت؟ قال : من الروم قاطنين بفلسطين فأمر بحبسه ثمّ مشط جسده بأمشاط من حديد حتّى تساقط لحمه ونضح جسده بالخل ودلكه بالمسوح الخشنة ثمّ أمر بمكاوي من حديد تحمى فيكوى بها جسده ولما لم يقتل أمر بأوتاد من حديد فوقذت في رأسه فسال منها دماغه وأمر بالرصاص فاذيب وصبّ على أثر ذلك ثمّ أمر بسارية من حجارة كانت في السجن لم ينقلها إلّا ثمانية عشر رجلا فوضعت على بطنه ، فلمّا أظلم الليل وتفرّق عنه الناس رآه أهل السجن وقد جاءه ملك فقال له : يا جرجيس إنّ الله جلّت عظمته يقول اصبر وأبشر ولا تخف إنّ الله معك يخلّصك وإنّهم يقتلونك أربع مرّات في كلّ ذلك أدفع عنك الألم والأذى ، فلمّا أصبح الملك دعاه فجلده على السياط على الظهر والبطن ثمّ ردّه إلى السجن ثمّ كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكلّ ساحر فبعثوا ، والساحر استعمل كلّ ما قدر عليه من السحر فلم يعمل فيه ثمّ عمد إلى سمّ فسقاه فقال جرجيس : بسم الله الذي يضلّ عند صدقه كذب الفجرة وسحر السحرة فلم يضرّه فقال الساحر : لو أنّي سقيت بهذا أهل الأرض نزعت قواهم وشوّهت خلقهم وعميت أبصارهم ، فأنت يا جرجيس النور المضيء والسراج المنير والحق اليقين ، أشهد أنّ إلهك حقّ وما دونه باطل آمنت به وصدقت رسله وإليه أتوب بما فعلت فقتله الملك ثمّ أعاد جرجيس عليه‌السلام إلى السجن وعذّبه بألوان العذاب ثمّ قطعه أقطاعا وألقاها في جبّ ثمّ خلا الملك الملعون وأصحابه على طعام له وشراب فأمر الله تعالى جل وعلا إعصارا أنشأت سحابة سوداء وجاءت بالصواعق ورجفت الأرض وتزلزلت الجبال حتّى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله ميكائيل فقام على

__________________

(١) مسكن الفؤاد : ٦٩.

٢٦٧

رأس الجب وقال : قم يا جرجيس بقوّة الله الذي خلقك فسوّاك ، فقام جرجيس حيّا سويّا وأخرجه من الجبّ وقال اصبر وأبشر فانطلق جرجيس حتّى قام بين يدي الملك وقال : بعثني الله ليحتجّ بي عليكم فقام صاحب الشرطة وقال : آمنت بإلهك الذي بعثك بعد موتك وشهدت أنّه الحق وجميع الآلهة دونه باطل واتبعه أربعة آلاف آمنوا وصدّقوا جرجيس فقتلهم الملك جميعا بالسيف ، ثمّ أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النار حتّى احمرّ فبسط عليه جرجيس وأمر بالرصاص فاذيب وصبّ في فيه ثمّ ضرب الأوتاد في عينيه ورأسه ثمّ ينزع ويفرغ بالرصاص مكانه ، فلمّا رأى أنّ ذلك لم يقتله فأوقد عليه النار حتّى مات وأمر برماده فذرّ في الرياح ، فأمر الله رياح الأرضين في الليلة فجمعت رماده في مكان فأمر ميكائيل فنادى جرجيس فقام حيّا سويّا بإذن الله فانطلق جرجيس إلى الملك وهو في أصحابه فقام رجل وقال : إنّ تحتنا أربعة عشر منبرا ، ومائدة بين أيدينا وهي من عيدان شتّى منها ما يثمر ومنها ما لا يثمر فسل ربّك أن يلبس كلّ شجرة منها لحاها وينبت فيها ورقتها وثمرها فإن فعل ذلك فإنّي أصدقك فوضع جرجيس ركبتيه على الأرض ودعا ربّه تعالى فما برح مكانه حتّى أثمر كلّ عود فيها ثمرة فأمر به الملك فمدّ بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه فنشر حتّى سقط المنشار من تحت رجليه ثمّ أمر بقدر عظيمة فألقي فيها زفت وكبريت ورصاص وألقي فيها جسد جرجيس فطبخ حتّى اختلط ذلك كلّه جميعا فأظلمت الأرض لذلك وبعث الله إسرافيل فصاح صيحة خرّ منها الناس لوجوههم ثمّ قلب إسرافيل القدر ، فقال : قم يا جرجيس بإذن الله تعالى فقام حيّا سويّا بقدرة الله تعالى وانطلق جرجيس إلى الملك ، فلمّا رآه الناس عجبوا منه فجاءته امرأة وقالت : أيّها العبد الصالح كان لنا ثور نعيش به فمات فقال لها جرجيس : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إنّ جرجيس يقول : قم بإذن الله ففعلت فقام حيّا فآمنت بالله ، فقال الملك إن تركت هذا الساحر أهلك قومي فاجتمعوا كلّهم أن يقتلوه فأمر به أن يخرج ويقتل بالسيف فقال جرجيس لما اخرج : لا تعجلوا عليّ ، اللهمّ إن أهلكت أنت عبدة الأوثان أسألك أن تجعل اسمي وذكري صبرا لمن يتقرّب إليك عند كلّ هول وبلاء ثمّ ضربوا عنقه ومات ثمّ أسرعوا إلى القرية فهلكوا كلّهم(١).

__________________

(١) قصص الأنبياء للثعلبي : ٢٤٣ والكامل لابن الأثير : ١ / ٢١٤ ، والبحار : ١٤ / ٤٤٥.

٢٦٨

الخبر التاسع : في الدمعة عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه‌السلام أنّه قال للمتوكّل:اعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا حجّ حجّة الوداع فنزل بالأبطح بعد فتح مكّة فلمّا جنّ عليه الليل أتى القبور قبور بني هاشم وقد ذكر أباه وأمّه وعمّه أبا طالب عليه‌السلام فدخله حزن عظيم عليهم ورقد فأوحى الله إليه : إنّ الجنّة محرّمة على من أشرك بي وإنّي أعطيك يا محمّد ما لم أعطه أحدا غيرك فادع أباك وأمّك وعمّك فإنّهم يجيبونك ويخرجون من قبورهم أحياء لم يمسّهم عذابي لكرامتك عليّ فادعهم إلى الإيمان بالله وإلى رسالتك وموالاة أخيك علي والأوصياء منه إلى يوم القيامة فيجيبونك ويؤمنون بك فأهب لك كلّ ما سألت وأجعلهم ملوك الجنّة كرامة لك يا محمّد ، فرجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : قم يا أبا الحسن فقد أعطاني ربّي هذه الليلة ما لم يعطه أحدا من خلقه في أبي وأمّي وأبيك عمّي ، وحدّثه بما أوحى الله إليه وخاطبه به وأخذ بيده وصار إلى قبورهم ودعاهم إلى الإيمان بالله وبرسوله وبأمير المؤمنين والأئمّة منه واحدا بعد واحد إلى يوم القيامة ، فقال لهم رسول الله : عودوا إلى الله ربّكم وإلى الجنّة فقد جعلكم الله ملوكها فعادوا إلى قبورهم صلوات الله عليهم ... الخبر ، كذا في تفسير علي بن إبراهيم باختلاف يسير (١).

الخبر العاشر : عن الخرائج كان لبعض الأنصار عناق فذبحها وقال لأهله اطبخوا بعضا واشووا بعضا فلعل رسولنا يشرفنا ويحضر بيتنا الليلة ويفطر عندنا وخرج إلى المسجد وكان له ابنان صغيران وكانا يريان أنّ أباهما يذبح العناق فقال أحدهما للآخر : تعال حتّى أذبحك فأخذ السكين فذبحه ، فلمّا رأتهما الوالدة صاحت فعدا الذابح وهرب فوقع من الغرفة فمات فسترتهما وطبخت وهيّأت الطعام ، فلمّا دخل النبي دار الأنصاري نزل جبرئيل وقال:يا رسول الله استحضر ولديه فخرج أبوهما يطلبهما ، فقالت والدتهما : ليسا حاضرين ، فرجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بغيبتهما فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا بدّ من إحضارهما فخرج إلى أمّهما فأطلعته على حالهما فأخذهما إلى مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا الله فأحياهما وعاشا سنين(٢).

الخبر الحادي عشر : في الدمعة عن ميثم التمّار أن أعرابيا دخل على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال إنّي رسول إليك من ستّين ألف رجل يقال لهم العقيمة وقد حملوا معي ميتا مذ مدّة

__________________

(١) مدينة المعاجز : ٧ / ٥٣٦ والهداية الكبرى : ٦٥ وحلية الأبرار : ٢ / ٤٦٠.

(٢) الخرائج والجرائح : ٩٢٧ بتفاوت.

٢٦٩

وقد اختلفوا في سبب موته وهو بباب المسجد فإن أحييته علمنا أنّك صادق نجيب الأصل وتحققنا أنّك حجّة الله في أرضه وخليفة محمّد على خلقه إلى أن قال : فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : كم لميّتكم هذا؟

قال : واحد وأربعون يوما ، قال : وسبب موته؟ قال الأعرابي : يا علي إنّ أهله يريدون أن تحييه فيخبرهم من قتله لأنّه بات سالما وأصبح مذبوحا من أذنه إلى أذنه ويطالب بدمه خمسون رجلا يقصد بعضهم فاكشف الشكّ والريب يا أخا محمّد قال الإمام : قتله عمّه لأنّه زوّجه ابنته فخلاها وتزوّج بغيرها فقتله حنقا عليه فقال الأعرابي : لسنا نقطع بقولك فإنّا نريد أن يشهد الغلام لنفسه عند أهله من قتله لترتفع الفتنة والسيف والقتال ، فعند ذلك قام الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّى عليه وقال عليه‌السلام : يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجلّ عند الله منّي قدرا وأنا أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحييت بها ميّتا بعد سبعة أيّام ، ثمّ دنا أمير المؤمنين عليه‌السلام من الميّت وقال : إنّ بقرة بني إسرائيل ضرب بعضها على الميّت وعاش وإني لأضرب هذا الميّت ببعضي لأنّ بعضي خير من البقرة كلّها ثمّ هزّه برجله اليمنى وقال : قم بإذن الله يا مدركة بن حنظلة بن غسان بن بحير بن قهرب بن سلامة بن الطيب بن الأشعث فقد أحياك الله على يد علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال ميثم التمّار : فنهض غلام أضوأ من الشمس أضعافا ومن القمر أوصافا فقال : لبيك لبيك يا حجّة الله على الأنام المتفرّد بالفضل والإنعام فعند ذلك قال : يا غلام من قتلك؟

قال : قتلني عمّي الحارث بن غسّان ، قال له الإمام : انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك ، فقال له : يا مولاي لا حاجة بي إليهم أخاف أن يقتلوني مرّة اخرى ولا يكون عندي من يحييني ، قال : فالتفت الإمام إلى صاحبه وقال له : امض إلى أهلك فأخبرهم ، قال : يا مولاي والله لا افارقك ، بل أكون معك حتّى يأتي الله بأجلي من عنده فلعن الله من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق سترا ، ولم يزل بين يدي أمير المؤمنين عليه‌السلام حتى قتل بصفّين ، ثمّ إنّ أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة واختلفوا أقوالا فيه (١).

الخبر الثاني عشر : في الدمعة عن رجال الكشي عن أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قال : رأيت رجلا يعرف بأبي زينبة فسألني عن أحكم بن بشار المروزي وعن قصته وعن الأثر

__________________

(١) مدينة المعاجز : ١ / ٢٥١ وفيه : عمّي حريث بن رفعة بدل الحارث بن غسّان.

٢٧٠

الذي في حلقه ، وقد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخيط كأنّه أثر الذبح فقلت له : قد سألته مرارا فلم يخبرني قال : فقال كنّا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني عليه‌السلام فغاب عنّا أحكم من عند القصر ولم يرجع إلينا في تلك الليلة ، فلمّا كان في جوف الليل جاء لنا توقيع من أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أنّ صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد (١) في مزبلة كذا وكذا فاذهبوا وداووه بكذا وكذا فذهبنا ووجدناه مذبوحا مطروحا كما قال عليه‌السلام فحملناه فداويناه بما أمر به فبرئ من ذلك. قال أحمد بن علي : كانت قصّته أنّه تمتّع ببغداد في دار قوم فعلموا به وأخذوه وذبحوه ودرجوه في لبد وطرحوه في مزبلة. قال أحمد : وكان أحكم إذا ذكر عنده الرجعة فأنكرها أحد يقول : أنا أحد المكرورين (٢).

الخبر الثالث عشر : في الدمعة عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف كانت ولادة فاطمة؟

قال عليه‌السلام : نعم ، إنّ خديجة عليها‌السلام لما تزوّج بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هجرتها نسوان مكة فلم يدخلن عليها ولم يسلّمن ولا تركن امرأة تدخل عليها ، واستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمّها حذرا عليه ، فلمّا حملت بفاطمة عليها‌السلام كانت فاطمة تحدّثها في بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما فسمع خديجة تحدّث فاطمة فقال : يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني أنّها انثى وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة وأنّ الله تبارك وتعالى جعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمّة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها : أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوّجت محمّدا يتيم أبي طالب ، فقيرا لا مال له فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئا فاغتمّت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهنّ من نساء بني هاشم ففزعت منهنّ لمّا رأتهنّ فقالت إحداهنّ : لا تحزني يا خديجة إنّا رسل ربّك إليك ونحن أخواتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثوم اخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من

__________________

(١) اللبد : بساط من صوف أو غيره يجعل على ظهر الفرس.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥٠١.

٢٧١

النساء فجلست واحدة عن يمينها واخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة عليه‌السلام طاهرة مطهّرة (١).

الخبر الرابع عشر : وفيه عن قصص الراوندي عن ابن عبّاس في حديث طويل إلى أن قال : ثمّ إنّ إلياس نزل واستخفى عند أمّ يونس بن متى ستّة أشهر ويونس مولود ثمّ عاد إلى مكانه فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى مات ابنها حين فطمته فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس ورقت الجبال حتّى وجدت إلياس فقالت : إنّي فجعت بموت ابني وألهمني الله عزوجل الاستشفاع بك إليه ليحيي لي ابني فإنّي تركته بحاله ولم أدفنه وأخفيت مكانه فقال لها : ومتى مات ابنك؟

قالت : اليوم سبعة أيّام ، فانطلق إلياس وصار سبعة أيام اخرى حتّى انتهى إلى منزلها فرفع يديه بالدعاء واجتهد حتّى أحيى الله تعالى جلّت عظمته بقدرته يونس ، فلمّا عاش انصرف الياس ، ولما صار ابن أربعين سنة أرسله الله تعالى إلى قومه كما قال (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) الحديث (٢) (٣).

الخبر الخامس عشر : عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : ثمّ ركبت فمضينا حتّى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرائيل إلى جنبي فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إليّ واقيمت الصلاة ولا أشكّ إلّا وجبرئيل يستقدمنا ، فلمّا استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدمني وأممتهم ولا فخر ، وفيه دلالة على أنّ إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء جميعا رجعوا إلى الدنيا وأحياهم الله تعالى في ليلة الإسراء ليصلّوا مع رسول الله (٤).

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٧٧ وأمالي الصدوق : ٦٩١.

(٢) سورة الصافات : ١٤٧.

(٣) مجمع البيان : ٨ / ٤٥٧.

(٤) تفسير القمي : ٢ / ٣ مطلع سورة بني إسرائيل.

٢٧٢

الفرع الثاني

في الآيات القرآنية المشعرة بالرجعة عموما

الآية الاولى : قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (١).

عن المنتخب : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) قال : الأنبياء رسول الله وإبراهيم وإسماعيل وذريّته والملوك الأئمّة قيل له : وأي ملك أعطيتم؟ فقال: ملك الجنّة وملك الكرّة (٢).

الآية الثانية : قوله تعالى : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٣).

عن الكافي : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ونحن المتّقون والأرض كلّها لنا من أحيى أرضنا من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها فإن تركها أو خراجها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل حتّى يظهر القائم (عج) من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ومنعها إلّا ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم (٤).

الآية الثالثة : قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (٥) الآية.

عن الكافي : عن أحمد بن حمّاد عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٠.

(٢) مختصر البصائر : ٢٨ والبرهان : ١ / ٢٥٥ ح ٢.

(٣) سورة الأعراف : ١٢٨.

(٤) الكافي : ١ / ٤٠٧ ح ١.

(٥) سورة الرعد : ٣١.

٢٧٣

فداك أخبرني عن النبي ورث النبيّين كلّهم؟

قال : نعم ، قلت : من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟ قال : ما بعث الله نبيّا إلّا ومحمّد أعلم منه ، قال : قلت : إنّ عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله تعالى؟ قال : صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله يقدر على هذه المنازل إلى أن قال : وإنّ الله يقول في كتابه (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (١) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى ... الحديث (٢).

الآية الرابعة : قوله تعالى : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣).

عن كتاب منتخب البصائر وتفسير البرهان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ إبليس قال : أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه وقال : إنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشيائه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقلت : وإنّها لكرّات؟

قال : نعم إنّها لكرّات وكرّات ، ما من إمام في قرن إلّا ويكرّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن من الكافر فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء قريبا من كوفتكم فيقتتلون قتالا لم يقتل مثله منذ خلق الله عزوجل العالمين. ورواية اخرى في المحجّة في ذيل هذه الآية في الغصن الذي فيه الآيات المؤوّلة بقيام القائمعليه‌السلام (٤).

الآية الخامسة : قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) إلى قوله تعالى : (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (٥) عن المقتضب وتفسير البرهان عن سلمان قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما فلمّا نظر إليّ قال : يا سلمان إنّ الله عزوجل لم يبعث نبيّا ولا رسولا إلّا جعل له اثني عشر نقيبا ، قال : قلت

__________________

(١) سورة الرعد : ٣١.

(٢) الكافي : ١ / ٢٢٦ ح ٧.

(٣) سورة الحجر : ٣٦ ـ ٣٨.

(٤) مختصر الدرجات : ٢٧ ومدينة المعاجز : ٣ / ١٠١.

(٥) سورة الإسراء : ٦.

٢٧٤

يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا سلمان فهل علمت من نقبائي الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته وخلق من نوري نور علي عليه‌السلام فدعاه إلى طاعته فأطاعه وخلق من نوري ونور علي فاطمة عليها‌السلام فدعاها فأطاعته وخلق منّي ومن علي وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه فسمّانا الله عزوجل بخمسة أسماء من أسمائه ، فالله المحمود وأنا محمّد والله العلي وهذا علي والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الإحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين ، ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين عليه‌السلام تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق الله عزوجل سماء مبنية أو أرضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا وكنّا بعلمه أنوارا نسبّحه ونسمع له ونطيع ، فقال سلمان : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ما لمن عرف هؤلاء؟ فقال : يا سلمان من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم فوالى وليّهم وتبرّأ من عدوّهم فهو والله منّا ، يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن ، قال قلت : يا رسول الله فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يا سلمان ، قلت : يا رسول الله فأنّى لي بهم قد عرفت إلى الحسين؟ قال : ثمّ سيّد العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ثمّ ابنه محمّد بن علي باقر علم الأوّلين من النبيّين والمرسلين ثمّ جعفر بن محمد لسان الله الصادق ثمّ موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله ثمّ علي بن موسى الرضا لأمر الله ثمّ محمّد بن علي المختار من خلق الله ثمّ علي بن محمّد الهادي إلى الله ثمّ الحسن بن علي الصامت الأمين على سرّ الله ثمّ فلان سماه باسمه ابن الحسن المهدي (عج) الناطق القائم بحق الله ، قال سلمان : فبكيت ثمّ قلت : يا رسول الله فأنّى لسلمان بإدراكهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا سلمان إنّك مدركهم وأمثالك ومن تولّاهم بحقيقة المعرفة فشكرت الله كثيرا ، ثمّ قلت : يا رسول الله إنّي مؤجل إلى عهدهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا سلمان اقرأ (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ

٢٧٥

وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (١) قال سلمان : فاشتدّ بكائي وشوقي وقلت : يا رسول الله بعهد منك؟ فقال : إي والذي أرسل محمّدا إنّه لبعهد منّي وبعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة أئمّة وكلّ من هو منّا ومظلوم فينا إي والله يا سلمان ثمّ ليحضرن إبليس وجنوده وكلّ من محض الإيمان محضا ومحض الكفر محضا حتّى يؤخذ بالقصاص والأوتار (٢) ولا يظلم ربّك أحدا ونحن (٣) تأويل هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٤) قال سلمان رضي‌الله‌عنه : فقمت من بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما يبالي سلمان متى لقي الموت أو لقيه الموت (٥).

الآية السادسة : قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٦) عن القمّي عن عمّار بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) قال : نحن والله أولو النهى ، فقلت : جعلت فداك وما معنى اولي النهى؟ قال : ما أخبر الله به رسوله ممّا يكون بعده من ادعاء أبي فلان الخلافة والقيام بها والآخر من بعده والثالث من بعدهما وبني امية فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ذلك كما أخبر الله به نبيّه ، وكما أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام ، وكما انتهى إلينا من علي فيما يكون من بعده من الملك في بني امية وغيرهم ، فهذه الآية التي ذكرها الله تعالى في الكتاب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) الذي انتهى إلينا علم هذا كلّه فصبرنا لأمر الله فنحن قوّام الله على خلقه وخزّانه على دينه نخزنه ونستره ونكتتم به من عدوّنا كما اكتتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أذن الله له في الهجرة وجاهد المشركين فنحن على منهاج رسول الله حتّى يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف وندعو الناس إليه فنضربهم عليه عودا كما ضربهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدءا (٧).

الآية السابعة : قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) (٨) عن تأويل الآيات عن أبي جعفر عليه‌السلام : الصالحون

__________________

(١) سورة الاسراء : ٥ ـ ٦.

(٢) في بعض نسخ المصدر زيادة : والأثوار.

(٣) في المصدر : ويحقق.

(٤) سورة القصص : ٥ ـ ٦.

(٥) دلائل الإمامة : ٢٣٤ ط. الأعلمي.

(٦) سورة طه : ٥٤.

(٧) تفسير القمّي : ٢ / ٦١.

(٨) سورة الأنبياء : ١٠٥ ـ ١٠٦.

٢٧٦

هم آل محمّد ، العابدون هم شيعتنا (١).

وعن البحار والعوالم أخبر الله تعالى نبيّه في كتابه ما يصيب أهل بيته بعده من القتل والغصب والبلاء ثمّ يردهم إلى الدنيا ويقتلون أعداءهم ويملكهم الأرض وهو قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٢) وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٣) الآية (٤).

الآية الثامنة : قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (٥).

عن كامل الزيارة في الباب الثامن عشر عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) الآية قال : في القائم وأصحابه (٦).

واذن ماض ، ومعلوم أنّ مضارعا متحقّقا وقوعه بمنزلة الماضي.

الآية التاسعة : قوله تعالى (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) (٧) عن تفسير القمّي عن أبي جعفر عليه‌السلام الآية لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخر الأئمّة والمهدي (عج) وأصحابه يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهاء الحقّ ، لا يرى أثر الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (٨).

الآية العاشرة : قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (٩) دلّت الآية بمنطوقها على وعد الله باستخلاف من اتصف بهذه الصفات وليس هو إلّا الأئمّة عليهم‌السلام وحيث إنّهم صلوات الله عليهم لم يحصل

__________________

(١) تأويل الآيات : ١ / ٣٣٢.

(٢) سورة الأنبياء : ١٠٥.

(٣) سورة النور : ٥٥.

(٤) البحار : ٥٣ / ١١٧ عن علل الشرائع لمحمد بن علي بن إبراهيم.

(٥) سورة الحجّ : ٣٩.

(٦) في كامل الزيارات المطبوع : ١٣٥ أنها في علي والحسن والحسين ، وفي غيبة النعماني : ٢٤١ ، انّها في القائم وأصحابه.

(٧) سورة الحج : ٤١.

(٨) تفسير القمّي : ١ / ١٠٨.

(٩) سورة النور : ٥٥.

٢٧٧

لهم التمكين التام فيما مضى بالبداهة لغلبة الظالمين والمنافقين فدار الأمر بين أن يخلف وعده أو ينجزه ، لا سبيل إلى الأوّل لاستلزامه الكفر فتعيّن الثاني ، ولمّا لم يحصل فيما مضى تعيّن أن يكون إنجاز هذا الوعد بالرجعة فثبت المطلوب منها وتكون نصّا في الرجعة وبه صرّح غير واحد.

وعن مناقب الطاهرين للشيخ الجليل الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الطبري المازندراني بعد ذكر الآية أنّ من دور آدم إلى يومنا هذا لم يمكن أصلا أنّ جميع العالم يعبدون الله تعالى وليس يشركون به فعلم من هنا أنّ هذه الحال منتظرة بدليل أنّه تعالى ذكر ذلك بلفظ الاستقبال بالسين وفيه تراخ واستقبال أيضا وليس للمخالف أن يقول المراد به الخلفاء الثلاثة لأنّ في زمانهم كانت الدنيا مملوءة من الشرك وقليل من الإسلام ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر نقلا عن كتبهم : لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (١).

وعن الكافي عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال : هم الأئمّة عليهم‌السلام (٢).

الآية الحادية عشرة : قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٣) عن تأويل الآيات عن ابن عبّاس : هذه نزلت فينا وفي بني اميّة تكون لنا عليهم دولة تذلّ أعناقهم لنا بعد صعوبة ، وهوان بعد عزّ (٤).

الآية الثانية عشرة : قوله تعالى : (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) (٥) عن القمي : الآيات أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا ، انتهى(٦).

الآية الثالثة عشرة : قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ

__________________

(١) مناقب أمير المؤمنين : ٢ / ١٧٣.

(٢) الكافي : ١ / ١٩٣ ح ٣.

(٣) سورة الشعراء : ٤.

(٤) تأويل الآيات : ١ / ٣٨٦ ، وبحار الأنوار : ٥٣ / ١٠٩.

(٥) سورة النمل : ٩٣.

(٦) مختصر البصائر : ٤٤ وتفسير القمّي : ١ / ٤٧٩.

٢٧٨

أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (١).

عن مجمع البيان قد صحّت الرواية عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام أنّه قال : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس (٢) على ولدها ، وتلا عقيب ذلك : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) الآية. وروى العياشي بالإسناد عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر عليه‌السلام إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : هذا والله من الذين قال الله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) الآية ، انتهى (٣). وفي حديث مفضل ابن عمر المذكور سابقا عن الصادق عليه‌السلام : ثمّ يظهر السيّد الأكبر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنصاره والمهاجرين إليه ومن آمن به وصدّقه واستشهد معه ويحضر مكذّبوه والشاكّون فيه والمكفّرون له والقائلون فيه : إنّه ساحر وكاهن ومجنون ومعلّم وشاعر وناطق عن الهوى ، ومن حاربه وقاتله حتّى يقتصّ منهم بالحقّ ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول الله إلى وقت ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٤).

قال المفضّل : قلت : يا سيدي من هامان وفرعون؟

قال عليه‌السلام : الأوّل والثاني ينبشان ويحييان إلى أن قال : لكأنّي أنظر يا مفضّل إلى معاشر الأئمّة ونحن بين يدي جدّنا رسول الله نشكو إليه ما نزل بنا من الامّة بعده وما نالنا من التكذيب والردّ علينا وسبّنا ولعننا وتخويفنا بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لامورهم إيّانا من دون الامّة بترحّلنا من حرمه إلى دار ملكهم وقتلهم إيّانا بالسمّ والحبس والكيد العظيم فيبكي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدّكم قبلكم ولو علمت طواغيتهم وولاتهم أنّ الحق والهدى والإيمان والوصية في غيركم لطلبوه.

وعن البرهان عن الباقر والصادق عليه‌السلام : إنّ فرعون وهامان هنا هما شخصان من جبابرة

__________________

(١) سورة القصص : ٥ ـ ٦.

(٢) الضروس : الناقة السيئة الخلق تعضّ حالبها.

(٣) مجمع البيان : ٤ / ٢٣٩ ونهج البلاغة : ٤ / ٤٧ (محمد عبده).

(٤) البحار : ٥٣ / ١٧.

٢٧٩

قريش يحييهما الله تعالى عند قيام القائم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر الزمان فينتقم منهما بما أسلفا (١).

الآية الرابعة عشرة : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) (٢) عن القمّي عن علي بن الحسين : في هذه الآية يرجع إليكم نبيّكم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة عليهم‌السلام (٣).

الآية الخامسة عشرة : قوله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤) في حديث المفضّل سئل الصادق عليه‌السلام عن هذه الآية : يا مولاي فما العذاب الأدنى وما العذاب الأكبر؟

قال الصادق عليه‌السلام : العذاب الأدنى عذاب الرجعة والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة الذي تبدّل الأرض غير الأرض وبرزوا لله الواحد القهّار (٥).

الآية السادسة عشرة : قوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٦) عن القمّي عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت قول الله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) قال : ذلك والله في الرجعة أما علمت أنّ أنبياء الله كثير لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، والأئمّة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في الرجعة (٧). وكذا في منتخب البصائر مثله (٨).

الآية السابعة عشرة : قوله تعالى : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (٩). عن القمي : يريكم آياته يعني أمير المؤمنين والأئمّة في الرجعة فإذا رأوهم قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين أي جهدنا بما أشركناهم فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنّة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (١٠).

__________________

(١) تفسير البرهان : ٣ / ٢٢٠ ح ١ ، والمحجّة : ١٦٨.

(٢) سورة القصص : ٨٥.

(٣) تفسير القمي : ٢ / ١٤٧.

(٤) سورة السجدة : ٢١.

(٥) بحار الأنوار : ٥٣ / ٢٩.

(٦) سورة غافر : ٥١.

(٧) تفسير القمي : ٢ / ٢٥٨.

(٨) مختصر بصائر الدرجات : ٤٥.

(٩) سورة غافر : ٨١.

(١٠) تفسير القمي : ٢ / ٢٥٦ بلفظ : يعني الأئمّة.

٢٨٠