السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-181-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٢
بني قريظة ذكر الرقم الأول ، وحين غض النظر عنه عدهم عشرة آلاف.
٤ ـ إن عدد جيش المشركين بجميع فئاته كان عشرة آلاف : قريش وكانوا أربعة آلاف ، ومن أجابهم من بني سليم ، وأسلم ، وأشجع ، وبني مرة ، وكنانة ، وفزارة ، وغطفان (١).
٥ ـ إنهم كانوا مع يهود بني قريظة والنضير زهاء اثني عشر ألفا (٢).
٦ ـ ولكننا نجد آخرين من المؤرخين يتحدثون عن هذا الأمر بطريقة تؤيد أحد القولين الأولين ، فقد قال ابن الوردي وغيره :
«أقبلت قريش في أحابيشها ، ومن تبعها من كنانة في عشرة آلاف ، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد» ثم ذكر انضمام بني قريظة
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠١ عن ابن إسحاق والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٤٤ و ٤٤٥ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٧٧ و ١٧٦ وعيون الأثر ج ٢ ص ٥٧ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٧ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢١٧ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٨ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٧ وسيرة مغلطاي ص ٥٦.
وراجع : الوفاء ص ٦٩٣ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٣ و ٢٣٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٢٨ وراجع : العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٢٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠١ و ٣٠٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢ و ٤ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١١ وحدائق الأنوار ج ٢ ص ٥٨٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥١٤ ومنها ج السنة ج ٤ ص ١٧٠.
(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤.
إليهم (١).
٧ ـ ثم هناك من يقول : إن عدد جيش الأحزاب كان أربعة آلاف فقط (٢).
ولا نشك في أن هذا القول ناظر إلى حشود قريش ، أو أن بعض المؤرخين رآهم يذكرون أن عدد الجمع القريشي كان هذا المقدار فتوهم أنه يقصد بيان عدد الجيش كله.
عدة جيش الشرك :
وأما بالنسبة لعدة أهل الشرك ، فقد قال المسعودي : إنه كان «معهم ثلاث
__________________
(١) تاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦١ وكشف الغمة للأربلي ج ١ ص ١٩٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٠ والمختصر في أخبار البشر ج ١ ص ١٣٥ وراجع المصادر التالية : الإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣٠ و ٢٣١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٦ و ٢٣٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٩٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٢ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٧ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٢ ومختصر التاريخ ص ٤٣ وجوامع السيرة النبوية ص ١٤٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠٧ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤١ و ٣٤٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٠ وتهذيب سيرة ابن هشام ص ١٩٠ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠١.
(٢) راجع هذا القيل في : وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠١ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٠١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٠ و ٣١١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٣٩٤ عن قتادة.
مئة فرس ، وألف وأربع مئة بعير ، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب» (١).
وذكر آخرون : أنه كان معهم ألف وخمس مئة بعير ، وثلاث مئة فرس (٢).
وذكر الديار بكري : أنهم كانوا أربعة آلاف معهم ثلاث مئة فرس وألف بعير ، وعند غيره : ألف وخمس مئة بعير (٣).
ويظهر من المقريزي : أنه كان مع المشركين بالإضافة إلى ألف وخمس مئة بعير : ثلاث مئة فرس مع قريش ، وثلاث مئة أخرى مع غطفان (٤).
وفي كلام حيي بن أخطب لكعب بن أسد : «والخيل ألف فرس وسلاح كثير» (٥).
وصرح النويري : أن غطفان وفزارة كان معهما ألف بعير (٦).
ومن الواضح : أن لا مجال لتحديد الرقم الحقيقي لذلك كله ولا لغيره. لكن مما لا شك فيه : أن هذا العرض للنصوص والأقوال يوضح مدى التفاوت فيما بين عدة وعدد المسلمين ، وأعدائهم من الأحزاب الذين
__________________
(١) التنبيه والإشراف ص ٢١٦.
(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٠ و ٣١١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٢ والإمتاع ج ١ ص ٢١٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥١٣ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٧ وحبيب السير ج ١ ص ٣٥٩.
(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٠ وعيون الأثر ج ٢ ص ٥٦ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٣ ولم يذكر عدد الإبل.
(٤) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢١٨ و ٢١٩.
(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٥.
(٦) نهاية الأرب ج ١٧ ص ١٦٧.
جاؤوا من كل حدب وصوب.
معنويات جيش الشرك :
وقد كان من الواضح : أن تفوق المشركين في العدد والعدة ، ثم ما كان من تحالفهم مع بني قريظة الذين كانوا في الجهة الأخرى للمدينة ،
أضف إلى ذلك : هذا الإجماع الحاصل من مختلف القبائل العربية ،
وكذلك بسبب الإعلام المسموم الذي أعقب حرب أحد ، وصوّر لأهل الشرك أنهم قد حققوا فيها نصرا كبيرا ،
وبسبب الحقد الذي يتغلغل في نفوس الكثيرين منهم على الإسلام والمسلمين ،
نعم .. إنه بسبب ذلك كله ، وسواه مما لم نذكره ، كان جيش الشرك يعيش في بدايات حصاره للمسلمين حالة من الانتعاش الروحي ، والشعور بالقوة والتفوق ، وبإمكانية تحقيق بعض ما كانوا يصبون إليه.
ولكن الأمر لم يدم على هذا الحال طويلا فقد تبخرت الآمال وحل محلها الشعور بالخيبة ، وتلاشت حالة الانتعاش ، لتخلفها حالة التململ والشعور بالضيق.
حتى إذا جاءت ضربة علي القاصمة لجيش الشرك ، تبدل كل شيء ليواجه هذا الجيش حالة من الرعب والخوف ، وتصبح تلك الكثرة في العدد وفي العدة عبئا ثقيلا ، ومصدر متاعب لذلك الجيش بالذات. فقد أصبحت العدة من أفراس ومن وسائل نقل ـ أبعرة ـ بسبب طول المدة ، وبسبب الجدب أمرا يحسن التخلص ، أو على الأقل يحسن التخفيف منه وتحجيمه.
كما إن إجماع القبائل لم ينجح في توحيد القيادة لهم ، ولا استطاع أن يحجب الروح القبلية ، ويمنعها من الهيمنة على مسيرة التحرك ، حتى في مواقع القتال.
فكانت كثرة هذا الجيش تستبطن التمزق ، وكان تكثّر الانتماءات في الولاء والطاعة ، يحمل معه بذور الفساد والإفساد ، والخلاف والشقاق لأتفه الأسباب.
أضف إلى ما تقدم : أن الإعلام المزور والمسموم قد أوجب انتفاخا كاذبا ، وأذكى توقعات كبيرة ، يعلم قادة الأحزاب أنفسهم أنهم أعجز عن أن ينالوها ، أو أن يحققوا أدناها.
وبعد ما تقدم : فهل يمكن لجيش كهذا أن يقوم بتجربة حربية ضد المسلمين ، مع أنه لا يمكن ضمان نتائجها ، لا سيما بعد أن عرف ورأى ميدانيا أن الأمور قد أصبحت على غاية من التعقيد والخطورة ، ولم يكن قد حسب لكل هذه المستجدات أي حساب؟
وبعد كل ما تقدم : فإن علينا أن لا ننسى أن تلك القبائل كانت تفتقر إلى ترسيخ عامل الثقة فيما بينها. ولم تكن ثمة ضمانات حقيقية لوفاء بني قريظة للمشركين ، ولا العكس ، مع علمهم : أن الذي يجمع كل هذه المتفرقات هو الخوف من التفرق ، وليس شيئا غير ذلك ..
جيش أهل الإيمان :
وأما بالنسبة لجيش أهل الإيمان فإن الأمر يختلف تماما ، فهو يرى أن وجوده معرض للاستئصال والفناء ، ولا بد له من الدفاع ، ولن يجد ملجأ له
إلا بذل الجهد ، وإلا الجهاد من أجل البقاء.
كما أن هذا الجيش ينطلق في حركته وفي جهاده من قاعدة إيمانية تجمع بين متفرقاته ، وتؤلف بين مختلفاته.
وهو وإن كان قد تعرض ـ في بادئ الأمر ـ لهزة من نوع ما حين صار المنافقون وضعفاء الإيمان يتسللون ويتركون مواضعهم بأعذار مختلفة ، ولكن حزم القيادة ، وهيمنتها ، وحسن تدبيرها لم يفسح المجال للتأثر بالشائعات ، واستطاعت هذه القيادة ، حين فضحت أمر هؤلاء المنافقين بالوحي القرآني ، وحين ظهرت الكرامات الباهرة على يدها ، وأطلقت البشارات بالنصر الأكيد ، استطاعت أن تعيد للجو الإيماني صفاءه ونقاءه ، وتحصنه من كل ما من شأنه أن يشيع روح التخاذل ، ويزرع اليأس والخوف في نفوس المخلصين والمؤمنين ، وقطعت الطريق على أي كان ، من أن يتخذ موقفا ، أو يتصرف تصرفا من شأنه أن يعطي للعدو أية فرصة من أي نوع كانت.
الغطرسة القرشية :
وعن علي «عليهالسلام» قوله : «فقدمت قريش ، فأقامت على الخندق محاصرة لنا ، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف ، ترعد وتبرق ، ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» يدعوها إلى الله عزوجل ، ويناشدها بالقرابة والرحم ، فتأبى ، ولا يزيدها ذلك إلا عتوا» (١).
__________________
(١) الخصال ج ٢ ص ٦٨ ، باب السبعة ، والبحار ج ٢٠ ص ٢٤٤.
ونقول :
ليس غريبا على قريش هذا العتو ، وهذه الغطرسة ، ما دامت تقيس الأمور بمقاييس مادية ، وترى القوة في أنفسها ، والضعف في المسلمين ، الذين جاءت لاستئصالهم ، وإبادة خضرائهم ، ولكن هذا العتو وتلك الغطرسة سرعان ما تلاشت ، ليحل محلها الضعف والخنوع ، والخيبة القاتلة ، كما سنرى.
وليس غريبا أيضا : أن نجد النبي «صلىاللهعليهوآله» ومن موقع الشعور بالمسؤولية يعتمد الأسلوب الإنساني ، ويستثير العاطفة الناشئة عن صلات القربى ولحمة النسب ، والتي تكون لها هيمنة حقيقية على الإنسان ولا بد أن تجتاح هزاتها الجامحة كل كيانه ، وكل وجوده. ثم هو «صلىاللهعليهوآله» يقرن ذلك بالدعوة إلى الله عزوجل ، الذي هو مصدر الخير والقوة والبركات.
رسالة تهديد من أبي سفيان :
ويقال : إن أبا سفيان كتب إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» مهددا إياه بما جمعه من الأحزاب لقتاله ، ولعله قد كتب هذا الكتاب بعد وصوله إلى المدينة وحصول المواجهة ، والكتاب هو :
أما بعد .. فإنك قد قتلت أبطالنا ، وأيتمت الأطفال ، وأرملت النساء ، والآن قد اجتمعت القبائل والعشائر يطلبون قتالك ، وقلع آثارك وقد جئنا إليك نريد نصف نخل المدينة ، فإن أجبتنا إلى ذلك وإلا أبشر بخراب الديار ، وقلع الآثار.
تجاوبت القبائل من نزار |
|
لنصر اللات في بيت الحرام |
وأقبلت الضراغم من قريش |
|
على خيل مسومة ضرام |
فرد عليه النبي «صلىاللهعليهوآله» بالرسالة التالية :
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصل كتاب أهل الشرك والنفاق ، والكفر والشقاق ، وفهمت مقالتكم ، فوالله ، ما لكم عندي إلا أطراف الرماح ، وشفار الصفاح. فارجعوا ويلكم عن عبادة الأصنام ، وأبشروا بضرب الحسام ، وبفلق الهام ، وخراب الديار ، وقلع الآثار ، والسلام على من اتبع الهدى» (١).
قال الشيخ محمد أبي زهرة : «ونشك في نسبة هذا الكتاب إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» لما فيه من السجع» (٢).
ولا نرى : أن السجع في الكتاب يبرر الشك فيه ، فإن خطب الزهراء ، وخطب علي «عليهماالسلام» لم تخل من ذلك ، كما يظهر لمن راجعها.
__________________
(١) خاتم النبيين ج ٢ ص ٩٢٠ و ٩٢١ عن كتاب السيرة لابن جرير الطبري
(٢) خاتم النبيين ص ٩٢١.
الفصل السادس :
غدر بني قريظة
بنو قريظة ينقضون العهد :
يقول المؤرخون : إن بني قريظة كانوا أصحاب حصون بالمدينة وموضعهم من المدينة على قدر ميلين ، وهو الموضع الذي يسمى : بئر بني المطلب ، وعددهم سبع مئة مقاتل (١).
وصاحب عقدهم وعهدهم كعب بن أسد القرظي ، وكان وادع رسول الله على قومه وعاهده.
وكان حيي بن أخطب سيد بني النضير ، يقول لقريش في مسيره معهم :
إن قومي بني قريظة معكم ، وهم أهل حلقة وافرة ، وهم سبع مئة مقاتل وخمسون مقاتلا.
فلما دنوا قال له أبو سفيان : ائت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد (٢).
فلما جاء حيي إلى بني قريظة كرهوا دخوله إلى دارهم ، فكان أول من لقيه غزال بن سموأل ، فقال له حيي : قد جئتك بما تستريح به من محمد.
__________________
(١) تفسير القمي ج ٢ ص ١٧٧ والبحار ج ٢ ص ٢١٧ عنه.
(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٥ و ٣١٦ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٤.
هذه قريش قد حلت وادي العقيق ، وغطفان بالزغابة.
قال غزال : جئتنا ـ والله ـ بذل الدهر.
قال حيي : لا تقل هذا.
ثم توجه إلى باب كعب بن أسد فدق عليه (١) ، فأغلق كعب دونه باب الحصن ، وقال : بيني وبين محمد عقد ، ولن أنقض ما بيني وبينه.
وفي نص آخر : «لم أر منه إلا وفاء وصدقا».
زاد الواقدي : «والله ، ما أخفر لنا ذمة ، ولا هتك لنا سترا ، ولقد أحسن جوارنا».
وعند البيهقي : «لم أر رجلا أصدق ولا أوفى من محمد وأصحابه ، والله ، ما أكرهنا على دين ، ولا غصبنا مالا الخ ..».
فقال حيي : افتح الباب أكلمك.
فقال كعب : ما أنا بفاعل.
فقال : والله ، إن أغلقت دوني الباب إلا على جشيشتك (٢) أن آكل معك منها.
فأحفظه حتى فتح له ، فقال : ويحك يا كعب (جئتك بعز الدهر ، وببحر طام) جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، حتى أنختهم بالمدينة ، وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها ، وقد عاهدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه. فتأبّى كعب ، وقال : جئتني بذل الدهر ، بجهام هراق ماؤه
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٥.
(٢) الجشيشة هي : البر يطحن غليظا.
وبرعد وببرق ليس فيه شيء.
زاد الواقدي قوله : «وأنا في بحر لجي لا أقدر على أن أريم داري ، ومالي معي والصبيان والنساء» فدعني ومحمدا ، وما أنا عليه ، فلم أر منه إلا وفاء وصدقا.
فلم يزل يفتله في الذروة وفي الغارب ، حتى أعطاه عهدا من الله وميثاقا أن يكون معه ، على أنه إن رجعت تلك الجموع خائبة ولم يقتلوا محمدا : أن يرجع معه إلى حصنه ، يصيبه ما أصابه. ونقض كعب ما بينه وبين رسول الله ، وبرئ مما كان عليه له (١).
__________________
(١) راجع : تجارب الأمم ج ١ ص ١٤٩ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٥ و ٤٥٦ وتاريخ ابن الوردي ج ١ ص ١٦١ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٥ وشرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٣ و ٤٨٤ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٧ وحبيب السير ج ١ ص ٣٦٠ وجوامع السيرة النبوية ص ١٤٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣١ و ٢٣٢ وتهذيب سيرة ابن هشام ج ٣ ص ١٩٠ و ١٩١ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٦ و ٣١٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٠٠ و ٤٠١ و ٤٢٨ و ٣٢٩ وراجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٠٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٦ و ٥٢٧ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ والبحار ج ٢٠ ص ٢٠٠ و ٢٠١ و ٢٢١ و ٢٢٣ ونهاية الأرب ج ١٧ ص ١٧٠ و ١٧١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٥٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٣ وراجع : تفسير القمي ج ٢ ص ١٧٩ و ١٨١ والإكتفاء ج ٢ من ١٦٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٩٨ و ١٩٩ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٦ و ٢٣٧.
«ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد ، وجمع رؤساء قومه وهم : الزبير بن مطا (باطا) ، وشاس (نباش) بن قيس ، وعزال بن ميمون (سموأل) ، وعقبة بن زيد (وكعب بن زيد) وأعلمهم بما صنع من نقض العهد ، وشق الكتاب الذي كتبه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فلحم الأمر لما أراد الله من هلاكهم. وكان حيي بن أخطب في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش».
وعند القمي : غزال بن شمول وياسر بن قيس ، ورفاعة بن زيد ، والزبير بن باطا (١).
وقال البعض : إن الزبير بن باطا كان شيخا كبيرا ، مجربا ، قد ذهب بصره ، وقد قال لهم : إنه قرأ التوراة ، ووجد فيها : أنه يبعث نبي في آخر الزمان في مكة ، ويهاجر إلى المدينة ، وذكر لهم صفته.
فادّعى حيي بن أخطب : أن هذا النبي هو من بني إسرائيل وهذا من العرب. ولا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا لأن الله قد فضلهم على الناس جميعا ، ثم ادّعى أن محمدا «صلىاللهعليهوآله» ساحر ، ولم يزل حتى أقنعهم بنقض العهد ، فنقضوه (٢).
ويقول نص آخر : «ووعظهم عمرو بن سعدى ، وخوفهم سوء فعالهم ،
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٦ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٦ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٨٠ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٢١ و ٢٢٢ عنه. وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٦ و ٤٥٧.
(٢) راجع : تفسير القمي ج ٢ ص ١٨٠ و ٨١ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٢٢ و ٢٢٣ عنه.
وذكرهم ميثاق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وعهده ، وقال لهم : إن لم تنصروه ، فاتركوه وعدوه ، فأبوا ، وخرج إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من بني قريظة بنو سعنة : أسد ، وأسيد وثعلبة ، فكانوا معه ، وأسلموا.
وأمر كعب بن أسد حيي بن أخطب : أن يأخذ لهم من قريش ، وغطفان رهائن تكون عندهم» (١) ، «لئلا ينالهم ضيم ، إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمدا ، قالوا : وتكون الرهائن تسعين رجلا من أشرافهم : فنازلهم حيي على ذلك ، فعند ذلك نقضوا العهد ، ومزقوا الصحيفة التي فيها العقد ، إلا بني سعنة» (٢).
لا بد من التثبت :
«وبلغ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ذلك فغمه غما شديدا ، وفزع أصحابه» (٣) ، ويقال : إن الذي أبلغ النبي ذلك هو عمر بن الخطاب ، فاشتد الأمر على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وشق عليه ذلك (٤) ، فقال : حسبنا الله ، ونعم الوكيل.
فبعث سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، وخوات بن جبير ، وعبد الله بن رواحة.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٣ وراجع ص ١٣ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٠١.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٣.
(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨١ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٢٣ عنه.
(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٦.
وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٧.
وبعض النصوص : «لم تذكر الأخيرين وذكرت بدلهما أسيد بن حضير» (١) يستخبرون الأمر ، فوجدوهم مكاشفين بالغدر ، والنيل من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فشاتمهم سعد بن معاذ وكانوا أحلافه ، وانصرفوا.
وكان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد أمرهم إن وجدوا الغدر حقا أن يخبروه تعريضا ، لئلا يفتوا في أعضاد الناس ، فلما جاؤوا إليه قالوا : يا رسول الله ، عضل والقارة. يريدون غدرهم بأصحاب الرجيع» (٢).
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٦ وراجع : إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٧ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ وتفسير القمي ج ٢ ص ١٨١ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٢٣ عنه ، وفيهما : «فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لسعد بن معاذ ، وأسيد بن حصين ، وكانا من الأوس. وكانت بنو قريظة حلفاء للأوس» ، والظاهر : أن كلمة «حصين» هي تصحيف : حضير. وذلك كثير.
(٢) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٢٩ و ٣٠ وراجع المصادر التالية : بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٥ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١١٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٧ وجوامع السيرة النبوية ص ١٤٩ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٩٩ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ٥٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٦ و ٣١٧ وإمتاع الاسماع ج ١ ص ٢٢٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ وتهذيب سيرة ابن هشام ص ١٩١ و ١٩٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٢٩ و ٤٣٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٣ و ١٠٤ وتفسير القمي ج ٢٠ ص ١٨١ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٢٣ و ٢٠١ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٨ و ٤٥٩.
وقال ابن إسحاق وآخرون : «إن الذي شاتمهم هو سعد بن عبادة. وكان رجلا فيه حدة ، فقال ابن معاذ : دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة» (١).
والذي شاتم ابن عبادة هو نباش بن قيس (٢).
وقال أسيد بن حضير لكعب : «أتسب سيدك يا عدو الله؟! ما أنت له بكفؤ يا بن اليهودية ، ولتولينّ قريش إن شاء الله منهزمين ، وتتركك في عقر دارك ، فنسير إليك ، فننزلك من جحرك هذا على حكمنا» (٣).
وقال موسى بن عقبة : «فدخلوا معهم حصنهم ، فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف ، فقالوا : الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم؟ (يريدون بني النضير). ونالوا من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ : إنا والله ما جئنا لهذا ، ولما بيننا أكبر من المشاتمة.
ثم ناداهم سعد فقال : إنكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة ،
__________________
(١) راجع : شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٦٥ عن البغوي ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٥٩ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٦ و ٣١٧ عن الشيخين وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠١ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٨.
ونقل في البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٤ عن ابن إسحاق عكس ذلك.
(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٢٢٧ عن ابن عقبة ، والواقدي ، وابن عائذ ، وابن سعد.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٧ و ٥٢٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٨.
وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير ، أو أمرّ منه.
فقالوا : أكلت ... (١) أبيك.
فقال : غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن».
إلى أن قال : «فأمرهم بكتمان خبرهم» (٢).
وعند القمي : أنه لما رجع سعد بن معاذ وأسيد إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» وأخبراه بنقض قريظة ، قال «صلىاللهعليهوآله» : «لعناء ، نحن أمرناهم بذلك» ، وذلك أنه كان على عهد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عيون لقريش يتجسسون خبره (٣).
وفي نص آخر : أنهم لما قالوا للنبي «صلىاللهعليهوآله» : عضل والقارة ، قال «صلىاللهعليهوآله» : «الله أكبر ، أبشروا يا معشر المسلمين» (٤).
أو قال : «أبشروا بنصر الله وعونه» (٥).
__________________
(١) كلمة يستقبح التصريح بها.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٠٣.
(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ١٨١ والبحار ج ٢٠ ص ٢٢٣ عنه.
(٤) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٨٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٧ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٣٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٤ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٤٢ وبحار الأنوار ج ٢٠ ص ٢٠١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٦ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٨ والإكتفاء للكلاعي ج ٢ ص ١٦٤ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣٧.
(٥) إمتاع الأسماع ج ١ ص ٢٢٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٨ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٩.
زاد البعض قوله : «إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق ، وآخذ المفتاح وليهلكن كسرى وقيصر ، ولتنفقن أموالهم في سبيل الله. يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب ، ثم تقنع الخ ..» (١).
ويقول الحلبي إنه قال : «نصرة الله وعونه ، وتقنع بثوبه واضطجع ، ومكث طويلا ، فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه «صلىاللهعليهوآله» اضطجع ، ثم رفع رأسه وقال : أبشروا بفتح الله ونصره» (٢).
ثم إنه قد بقيت لنا مع النص المتقدم وقفات.
ونحن نلخصها في المطالب التالية :
النزعة العنصرية لدى اليهود :
أول ما يستوقفنا هنا : الطريقة التي أحبط بها حيي مقالة الزبير بن باطا حول نبي تحدثت عنه التوراة ، يبعث في مكة ، ويهاجر إلى المدينة.
فإنه ضرب على الوتر الحساس لدى اليهود ، حين طرح لهم مقولة : أن هذا النبي لا بد أن يكون إسرائيليا ، مستندا إلى مقولة ترتكز على النزعة العنصرية لدى اليهود ، حيث قال لهم : لا يكون بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل الخ ..
وقد أشرنا إلى هذا الموضوع بصورة أوسع في كتابنا : «سلمان الفارسي
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٨.
(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣١٧ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٥٢٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٤ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٤٥٩ دلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٤٠٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٩٩ و ٢٠٠.
في مواجهة التحدي».
وفاء اليهود :
وقد اتضح أيضا : أن اليهودي حين يلتزم بعهده ، فإنه لا ينطلق في ذلك من شهامة ، ولا كرامة ولا نبل ، ولا لأجل أنه يلتزم بشرف الكلمة .. وإنما لأنه يرى أن نقضه له سوف يلحق به ضررا من نوع ما ؛ فإذا اطمأن إلى عدم وجود ضرر في ذلك فإنه يبادر إليه ، دونما وازع أو رادع.
وقد رأينا : أن كعب بن أسد ينقض العهد حين تخيل أنه سيحقق ما يتمناه من استئصال محمد «صلىاللهعليهوآله» ومن معه ، واقتنع بأن القوة التي حشدتها الأحزاب كافية في تحقيق هذه الأمنية ، وأن المستقبل الرغيد والسعيد سيكون بانتظاره ، وأصبح على الأبواب.
طريقة حيي للتأثير على كعب بن أسد :
ويلفت نظرنا هنا : الطريقة التي أثار فيها حيي بن أخطب حفيظة كعب بن أسد حتى فتح له ، حيث اتهمه بأنه لا يفتح له خوفا من أن يأكل من طعامه ؛ ففتح له حينئذ الباب ، الذي كان باب الخزي والخسران ، والذل الأبدي ، والبوار في الدنيا والآخرة.
ولكن كعبا هذا : رغم اعترافه بأنه لم ير من النبي «صلىاللهعليهوآله» إلا الوفاء والصدق ، وغير ذلك فإنه ينقض العهد معه ، حبا للدنيا ، وطمعا بها فكان له الدمار والهلاك.
وحسبك بهذا دلالة على تفاهة تفكير هؤلاء الناس ، وسفاهة عقولهم ، وتناقضهم السافر في مواقفهم.