السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-171-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٧٥
معاوية لم يبلغ الحلم :
وأخيرا .. فقد قال ابن دريد : «وكان معاوية يقول : إني لأذكر دعوة خبيب ، فأتطأطأ مخافة أن تصيبني ، والله ما كنت بلغت ، ولكن جاء رجل من قريش ـ سماه ـ فجمع يدي في يده ، وفيها حربة ، ثم طعنه بها الخ ..» (١).
ولكن من الواضح ، أن معاوية قد ولد قبل البعثة بخمس سنين ، وقيل : بسبع ، وقيل : بثلاث عشرة (٢).
ومعنى هذا هو : أن عمره كان حين قتل خبيب لو كان قتل في السنة الرابعة من الهجرة ، لا بعد ذلك ، كان اثنين وعشرين ، أو أربع وعشرين ، أو ثلاثين سنة ، فكيف يقول : إنه حين قتل خبيب لم يكن قد بلغ؟!
بقي أن نشير إلى الأمور الثلاثة التالية :
١ ـ الأشعار المنحولة :
وقد لاحظنا : أن ابن هشام يقول بالنسبة للأشعار المنسوبة لخبيب بن عدي ، وحسان بن ثابت : إن أهل العلم بالشعر ، أو بعضهم ، ينكر أن تكون هذه الأشعار أو تلك لخبيب أو لحسان.
بل إن ابن هشام يصرح : بأنه قد ترك ذكر أشعار أخرى تنسب لحسان ، بسبب إنكار العلماء بالشعر ، أو بعضهم نسبتها لحسان.
الأمر الذي يعطي : أنه قد كان ثمة شكوك منذ الصدر الأول تراود
__________________
(١) الإشتقاق ص ٤٤٢.
(٢) راجع : الإصابة ج ٣ ص ٤٣٣.
أذهان العلماء في هذا المجال ، وأنهم كانوا يشعرون بوجود تعمد وإصرار على نظم أشعار ونسبتها إلى خبيب تارة وإلى حسان أخرى.
وإن ذلك لمريب حقا ، وأي مريب.
٢ ـ خبيب هو الأهم :
ومن يراجع النصوص الروائية والتاريخية يتضح له : أن خبيب بن عدي هو محط الاهتمام ، والحائز على أوسمة التبجيل والإكرام ، وهو الذي ترثيه الشعراء ، وتظهر له الكرامات وتبرز له الفضائل.
بل ذكروا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال يوم قتل خبيب : خبيب قتلته قريش ، ولا ندري أذكر زيدا أم لا (١).
فهل سبب ذلك : أنه كان أفضل من زيد بن الدثنة وأعلم وأعبد؟!
أم أن سبب ذلك هو : أن العلماء يشكون في أمر زيد بن الدثنة ، ويرون أنه لم يقتل مع خبيب؟!
أم أنه قد كان ثمة من يهتم بأمر خبيب ، والتركيز عليه لقرابة له معه ، أو لهوى سياسي له يخوله الاستفادة من استشهاد خبيب لتثبيت أمر فريق ، وتقوية مركزه في مقابل الفرقاء الآخرين.
أم أنه قد كان ثمة أهداف ومرام أخرى؟!
إن التاريخ لم يفصح لنا عن شيء من ذلك ، ولسوف تبقى تلك الأسئلة وسواها تراود أذهاننا ، حتى نجد الإجابة الصريحة ، والمقنعة والمفيدة.
__________________
(١) عمدة القاري ج ١٧ ص ١٠١.
٣ ـ عاصم بن ثابت هو الأعظم أيضا :
ونلاحظ : أن شخصية عاصم بن ثابت بن الأقلح تظهر كذلك على أنها متميزة على من عداها من أولئك الذين استشهدوا في قضية الرجيع ، فهو أمير السرية عند البعض ، وهو الوحيد الذي قتل رجلا ، وجرح رجلين ، بل لقد كان عنده سبعة أسهم ، فقتل بكل سهم رجلا من عظمائهم ، وهو الذي يرفض قبول طلب الأعداء ، فيقتدي به الآخرون وهو الذي حمت رأسه الدبر ، ويحتمله السيل ، وهو الذي يقرضه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الخ ..
وعاصم وإن كان شهيدا مغفورا له ، وله الدرجات العلى عند الله ، لكن الباحث قد تراوده بعض الشكوك في الموارد التي يرى أنها خارجة عن المألوف والمعروف ، وقد يكون سر التكرم بالأوسمة على عاصم ، هو أنه كان خال عاصم بن عمر بن الخطاب لأن أم عاصم بن عمر هي جميلة بنت ثابت ، فيكون عاصم أخاها (١).
ووهم البعض فادعى : أنه جد عاصم بن عمر (٢) والصحيح هو ما ذكرناه.
__________________
(١) إرشاد الساري ج ٦ ص ٣١٢ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٤٠ و ٢٩٢ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٦٨.
(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ١١٤ وج ٣ ص ١٨ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٩٤ و ٣١٠ وحلية الأولياء ج ١ ص ١١٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٢٤٠ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٠٣ وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله») ج ١ ص ٤٢٨ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٨٧ وعمدة القاري ج ١٧ ص ١٦٨.
الفصل الرابع :
جثة خبيب
عمرو بن أمية وجثة خبيب :
ويقولون : إن جثة خبيب قد أنزلت عن الخشبة في وقت لا حق. وتذكر قضية إنزالها على أنحاء مختلفة ، فاقتضى الأمر إيراد النص المطول الذي ذكره كثير من المحدثين والمؤرخين ، ثم نعطي رأينا فيه ، وفي سائر المنقولات في هذا المجال ، فنقول :
نص الرواية :
قال الطبري : «ولما قتل من وجهه النبي «صلى الله عليه وآله» إلى عضل والقارة من أهل الرجيع ، وبلغ خبرهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، بعث عمرو بن أمية الضمري إلى مكة ، مع رجل من الأنصار ، وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب ، فحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثني محمد بن إسحاق عن جعفر بن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه ، عن جده ـ يعني عمرو بن أمية ـ قال : قال عمرو بن أمية : بعثني رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد قتل خبيب وأصحابه ، وبعث معي رجلا من الأنصار ، فقال : إئتيا أبا سفيان بن حرب ، فاقتلاه.
قال : فخرجت أنا وصاحبي ، ومعي بعير لي ، وليس مع صاحبي بعير ، وبرجله علة ؛ فكنت أحمله على بعيري ، حتى جئنا بطن يأجج فعقلنا بعيرنا
في فناء شعب ، فأسندنا فيه.
فقلت لصاحبي : انطلق بنا إلى دار أبي سفيان ؛ فإني محاول قتله ؛ فانظر ؛ فإن كانت مجادلة ، أو خشيت شيئا ؛ فالحق ببعيرك ، فاركبه ، والحق بالمدينة ، فأت رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأخبره الخبر ، وخل عني ، فإني رجل عالم بالبلد جريء عليه ، نجيب الساق.
فلما دخلنا مكة ، ومعي مثل خافية النسر ـ يعني : خنجره ـ قد أعددته ، إن عانقني (١) إنسان قتلته به ، فقال لي صاحبي : هل لك أن نبدأ ؛ فنطوف بالبيت أسبوعا ، ونصلي ركعتين؟!
فقلت : أنا أعلم بأهل مكة منك ، إنهم إذا أظلموا رشوا أفنيتهم ، ثم جلسوا بها ، وأنا أعرف بها من الفرس الأبلق.
قال : فلم يزل بي حتى أتينا البيت ؛ فطفنا به أسبوعا ، وصلينا ركعتين ثم خرجنا ، فمررنا بمجلس من مجالسهم ، فعرفني رجل منهم ؛ فصرخ بأعلى صوته : هذا عمرو بن أمية!
قال : فتبادرتنا أهل مكة ، وقالوا : تالله ما جاء بعمرو خير ، والذي يحلف به ما جاءنا قط إلا لشر.
وكان عمرو رجلا فاتكا ، متشيطنا في الجاهلية.
قال : فقاموا في طلبي وطلب صاحبي ، فقلت له : النجاء ، هذا والله الذي كنت أحذر ، أما الرجل فليس إليه سبيل ، فانج بنفسك.
فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في الجبل ؛ فدخلنا في غار فبتنا فيه ليلتنا ،
__________________
(١) ابن الأثير : عاقني.
وأعجزناهم ، فرجعوا ، وقد استترت دونهم بأحجار حين دخلت الغار ، وقلت لصاحبي : أمهلني حتى يسكن الطلب عنا ؛ فإنهم والله ليطلبنّا ليلتهم هذه ويومهم هذا حتى يمسوا.
قال : فو الله ، إني لفيه إذ أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التيمي ، يتخيل (١) بفرس له ، فلم يزل يدنو ويتخيل بفرسه حتى قام علينا بباب الغار ، قال : فقلت لصاحبي : هذا والله ابن مالك ، والله ، لئن رآنا ليعلمن بنا أهل مكة.
قال : فخرجت إليه ؛ فوجأته بالخنجر تحت الثدي ، فصاح صيحة أسمع أهل مكة ، فأقبلوا إليه ، ورجعت إلى مكاني ، فدخلت فيه وقلت لصاحبي : مكانك.
قال : واتّبع أهل مكة الصوت يشتدون ، فوجدوه وبه رمق ، فقالوا : ويلك ، من ضربك؟
قال : عمرو بن أمية ، ثم مات ، وما أدركوا ما يستطيع أن يخبرهم بمكاننا ؛ فقالوا : والله ، لقد علمنا : أنه لم يأت لخير ، وشغلهم صاحبهم عن طلبنا ؛ فاحتملوه.
ومكثنا في الغار يومين ، حتى سكن عنا الطلب.
ثم خرجنا إلى التنعيم ، فإذا خشبة خبيب ؛ فقال لي صاحبي : هل لك في خبيب تنزله عن خشبته؟!
فقلت : أين هو؟
قال : هو ذاك حيث ترى.
__________________
(١) يتخيل : أي يعجب بنفسه.
فقلت : نعم ؛ فأمهلني وتنح عني.
قال : وحوله حرس يحرسونه.
قال عمرو بن أمية : فقلت للأنصاري : إن خشيت شيئا ، فخذ الطريق إلى جملك ، فاركبه ، والحق برسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فأخبره الخبر.
فاشتددت إلى خشبته ، فاحتللته ، واحتملته على ظهري ؛ فو الله ، ما مشيت إلا نحو أربعين ذراعا حتى نذروا بي ، فطرحته ؛ فما أنسى وجبته حين سقط ؛ فاشتدوا في أثري ، فأخذت طريق الصفراء ؛ فأعيوا ، فرجعوا.
وانطلق صاحبي إلى بعيره ؛ فركبه ، ثم أتى النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فأخبره أمرنا.
وأقبلت أمشي ، حتى إذا أشرفت على الغليل ، غليل ضجنان (١) دخلت غارا فيه ، ومعي قوسي وأسهمي ؛ فبينا أنا فيه إذ دخل علي رجل من بني الديل بن بكر ، أعور طويل ، يسوق غنما له ، فقال : من الرجل؟
فقلت : رجل من بني بكر.
قال : وأنا من بني بكر ، ثم أحد بني الديل.
ثم اضطجع معي فيه ، فرفع عقيرته يتغنى ، ويقول :
ولست بمسلم ما دمت حيا |
|
ولست أدين دين المسلمينا |
فقلت : سوف تعلم! فلم يلبث الأعرابي أن نام ، وغط ؛ فقمت إليه فقتلته أسوأ قتلة قتلها أحد أحدا ، قمت إليه ؛ فجعلت سية قوسي في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه ، حتى أخرجتها من قفاه.
__________________
(١) الغليل : واحد الغلان وهي منابت الطلح ، وضجنان موضع بعينه.
قال : ثم أخرج مثل السبع ، وأخذت المحجة كأني نسر ، وكان النجاء حتى أخرج على بلد قد وصفه ، ثم على ركوبة ، ثم على النقيع ؛ فإذا رجلان من أهل مكة بعثتهما قريش يتحسسان من أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ؛ فعرفتهما ؛ فقلت : استأسرا.
فقالا : أنحن نستأسر لك؟!
فأرمي أحدهما بسهم ، فأقتله ، ثم قلت للآخر : استأسر ؛ فاستأسر فأوثقته ، فقدمت به على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن سليمان بن وردان ، عن أبيه ، عن عمرو بن أمية ، قال : لما قدمت المدينة ، مررت بمشيخة من الأنصار ، فقالوا : هذا والله عمرو بن أمية ؛ فسمع الصبيان قولهم ، فاشتدوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يخبرونه ؛ وقد شددت إبهام أسيري بوتر قوسي ، فنظر النبي إليه ؛ فضحك حتى بدت نواجذه ، ثم سألني فأخبرته الخبر ، فقال لي خيرا ، ودعا لي بخير (١).
__________________
(١) تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٥٤٢ ـ ٥٤٥ والقصة مع شيء من الاختلاف سيظهر إن شاء الله موجودة في : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٥ ـ ١٣٨ عن البيهقي والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ و ٧١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٦٩ ، ١٧٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ و ٤٥٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٢ ـ ٢٨٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣ و ٣٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ و ١٨٥ وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٤ ص ٢٤٩ ، وذكر البعض حديث الضمري هذا ، لكنه لم يذكر قصته مع جثة خبيب ، فراجع : طبقات ابن سعد (ط صادر) ج ٢ ص ٩٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٢٥ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٧٩ و ٣٨٠.
دور الزبير والمقداد :
ولكن بعض النصوص الأخرى تقول : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسل الزبير والمقداد في إنزال خبيب عن خشبته ؛ فوصلا إلى التنعيم ، فوجدا حوله أربعين رجلا نشاوى يحرسونه.
فأنزلاه ، فحمله الزبير على فرسه وهو رطب ، لم يتغير منه شيء فنذر به المشركون «وكانوا سبعين حسب بعض المصادر» فلما لحقوهم قذفه الزبير ، فابتلعته الأرض ، فسمي بليع الأرض ، وعند العيني قالا : «فأنزلناه فإذا هو رطب لم يتغير بعد أربعين يوما ، ويده على جرحه وهو ينبض يسيل دما كالمسك».
وزاد في بعض المصادر : «أنهما قدما على النبي محمد «صلى الله عليه وآله» وجبرئيل «عليه السلام» عنده ، فقال جبرئيل : يا محمد ، إن الملائكة تباهي بهذين من أصحابك ، فنزل فيهما : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(١)» (٢).
وأضافت بعض المصادر : أن الزبير قال للمشركين : ما جرأكم علينا يا معاشر قريش؟
__________________
(١) الآية ٢٠٦ من سورة البقرة.
(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨ و ١٨٤ و ١٨٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٧ وج ٢ ص ٣٤ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠ و ٢٢١ وشرحه بهامش نفس الصفحة ، وراجع : الإصابة ج ١ ص ٤١٩ وعمدة القاري ج ١١ ص ١٠١.
ثم رفع العمامة عن رأسه ، فقال : أنا الزبير بن العوام ، وأمي صفية بنت عبد المطلب ، وصاحبي المقداد بن الأسود ، أسدان رابضان يدافعان عن شبليهما ؛ فإن شئتم ناضلتكم ، وإن شئتم نازلتكم ، وإن شئتم انصرفتم. فانصرفوا إلى مكة (١).
ونحن نشك في هذه الرواية وسابقتها ، وشكنا هذا يستند إلى الأمور التالية :
تناقض الروايات :
إن بينها وبين سائر الروايات والنصوص وكذلك سائر الروايات فيما بينها تناقضات ظاهرة ، ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى الموارد التالية :
ألف : بالنسبة لتاريخ بعث عمرو بن أمية نجد : أن هذه الرواية تقول : إنه «صلى الله عليه وآله» قد أرسل عمروا وصاحبه لقتل أبي سفيان فور وصول نبأ قتل عضل والقارة أصحاب الرجيع ، أو بعد مقتل خبيب وأصحابه (٢) في السنة الرابعة (٣) بعد أربعين يوما من قتله (٤).
لكن البعض ذكر : بعث عمرو بن أمية في السنة السادسة ، بعد سرية
__________________
(١) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.
(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ عن الإكتفاء والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤.
(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ وراجع : التنبيه والإشراف ص ٢١٣.
(٤) شرح بهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠.
كرز بن جابر ، وقبل الحديبية ، وعطفها عليها بكلمة «ثم» (١).
وصرح البلاذري بقوله : «سرية عمرو بن أمية الضمري إلى مكة ، في صفر سنة ثمان ، أو شهر ربيع الأول ، وجهه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لقتل أبي سفيان ، فوجده قد نذر به ، فانصرف» (٢).
ولم يذكر حديثه مع جثة خبيب.
ب : وبالنسبة للأنصاري ، الذي كان مع عمرو بن أمية ، سماه البعض سلمة بن أسلم بن حريش (٣).
وسماه بعض آخر : جبار بن صخر (٤).
وفي بعض المصادر : خيار بن صخر (٥) ، ويبدو أنه تصحيف.
ج : بعض المصادر يذكر : أنه لم يكن مع صاحبه بعير كما في الرواية
__________________
(١) راجع : سيرة مغلطاي ص ٦٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ و ٤٥٩ عنه وعن المواهب اللدنية.
(٢) أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٧٩ و ٣٨٠ (قسم حياة النبي «صلى الله عليه وآله»).
(٣) طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ٢ ص ٩٣ و ٩٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ وراجع : المواهب اللدنية ج ١ ص ١٢٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ وسيرة مغلطاي ص ٦٢ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣ والتنبيه والإشراف ص ٢١٣.
(٤) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٢ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٨ كلاهما عنه ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ وسيرة مغلطاي ص ٦٢.
(٥) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٢٥.
المتقدمة وبعضها يقول : فحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج (١).
د : والذي رأى عمرو بن أمية : هل هو معاوية بن أبي سفيان (٢) أو غيره كما قيل (٣).
ه : وتقول الرواية المتقدمة : فدخلنا على غار فبتنا فيه ليلتنا ، وأعجزناهم ، فرجعوا وقد استترت دونهم بأحجار حين دخلت الغار.
وثمة نص آخر يقول : فدخلت في غار ، فتغيبت عنهم حتى أصبحت ، وباتوا يطلبوننا في الجبل وعمى الله عليهم طريق المدينة أن يهتدوا له (٤).
وفي نص آخر : فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل يئسوا منا ، فرجعنا فبتنا في كهف في الجبل (٥).
و : والرواية المتقدمة تقول : إن مجيء عثمان بن مالك كان بمجرد دخول الضمري إلى الغار ، واستتاره بالأحجار.
ونص آخر يقول : فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك إلخ .. (٦).
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٧ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٢٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣.
(٣) راجع : السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣.
(٤) البداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٧.
(٥) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣.
(٦) السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠.
ز : والذي جاء يتخيل بفرسه ، هل هو عثمان بن مالك بن عبيد الله كما ذكرته الرواية المتقدمة؟
أو هو عبيد الله بن مالك (١) أو عبد الله بن مالك (٢).
ح : وهل ضربه بالخنجر تحت الثدي ، كما في الرواية المتقدمة ، أم أنه ضربه على يده؟ (٣).
إلا أن يكون الراوي أو الكاتب قد صحف الكلام هنا ، فبدل أن يكتب ضربه على ثديه ، كتب : ضرب على يده.
ط : والرواية المتقدمة مفادها : أنه بمجرد أن رأى جثة خبيب اشتد نحوها ، واحتله وحمله على ظهره ، فما مشى إلا نحو أربعين ذراعا حتى نذروا به.
وفي نص آخر : أنه بعد أن حمل خبيبا ومشى به استيقظوا (٤) الأمر الذي يدل على أنهم كانوا نائمين حينئذ.
لكن رواية أخرى تفيد : أنهم خرجوا ليلا يريدون المدينة ، فمروا بالذين يحرسون جثة خبيب ، فقال أحدهم : ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، فلما حاذى عمرو الخشبة شد عليها ؛ فاحتملها ، وخرج بها
__________________
(١) طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٩٤ وج ٤ ص ٢٤٩ وراجع السيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩.
(٢) المواهب اللدنية ج ١ ص ١٢٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٣ عن ابن هشام.
(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤.
(٤) البداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٧.
شدا وخرجوا وراءه (١).
ي : الرواية المتقدمة تقول : إنه شد على الخشبة ، فاحتمل خبيبا عنها ، ثم احتمله على ظهره ، ومشى به.
والنص الآخر يقول : إنه اقتلع الخشبة نفسها بما عليها (٢).
ك : والرواية المتقدمة تقول : إنه بمجرد أن نذروا به رمى الجثة ، على بعد نحو أربعين ذراعا ، فاشتدوا في أثره.
والنص الآخر يقول : إنه بقي يعدو والخشبة معه ، وهم خلفه ، حتى أتى جرفا بمهبط سيل يأجج ، فرمى بالخشبة بالجرف (٣).
ل : وفي الرواية المتقدمة : أنه مشى نحو أربعين ذراعا ، فنذروا به.
وفي نص آخر : ما مشيت إلا عشرين ذراعا (٤).
وفي نص ثالث : أنه حين حله عن الخشبة وقع إلى الأرض ، فانتبذ غير بعيد ، ثم التفت فلم يره ، كأنما ابتلعته الأرض (٥).
م : تقول رواية : إنه بقي حاملا الخشبة التي عليها خبيب ، حتى رمى بها
__________________
(١) راجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٣ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٤.
(٢) راجع : المصادر المتقدمة بالإضافة إلى البداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٧.
(٣) راجع : المصادر المتقدمة باستثناء البداية والنهاية والسيرة النبوية لإبن كثير.
(٤) السيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ١٣٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠.
(٥) تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ عن الصفوة والإصابة ج ١ ص ٤١٩.
بمهبط مسيل يأجج بالجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه (١).
ورواية تقول : إنه حين أهبط عن الخشبة لم ير له رمة ولا جسدا (٢).
وفصلت رواية ثالثة ، فقالت : إنه حين ألقاه عن الخشبة سمع وجبة خلفه ، فالتفت فلم ير شيئا ، كأنما ابتلعته الأرض ، زاد بعضهم قوله : فلم تر لخبيب رمة حتى الساعة (٣).
ولكن نصا آخر يقول : عن عمرو بن أمية : فطرحت الخشبة : فما أنسى وجبتها ، يعني صوتها ، ثم أهلت التراب عليه برجلي (٤).
هذا كله ، عدا عن دعوى ابتلاع الأرض له في حديث إنزال الزبير والمقداد له ، وأنه سمي بليع الأرض (٥).
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٩.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٧١ و ٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٨ و ١٣١.
(٣) الإستيعاب بهامش الإصابة ج ١ ص ٤٣٢ والاغاني ج ٤ ص ٢٣٠ وراجع المصادر التالية : الإصابة ج ١ ص ٥٢٤ و ٤١٩ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٠٥ وتاريخ الإسلام (قسم المغازي) ج ١ ص ١٩١ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ عن الصفوة وصفة الصفوة ج ١ ص ٦٢٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.
(٤) البداية والنهاية ج ٤ ص ٧٠ وراجع ص ٦٦ عن موسى بن عقبة والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٣٧ و ١٣١ وزاد المعاد ج ٢ ص ١٠٩.
(٥) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨ وراجع ص ١٨٤ و ١٨٥ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٧ وراجع ج ٢ ص ٣٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٤٥٨ وبهجة المحافل ج ١ ص ٢٢٠ و ٢٢١ وشرحه بهامش نفس الصفحة وراجع : الإصابة ج ١ ص ٤١٩.
ن : والرواية المتقدمة تنص على : أن عمرو بن أمية هو الذي أنزل جثة خبيب عن الخشبة.
بينما نجد نصوصا أخرى نسبت ذلك إلى الزبير والمقداد (١).
وبعض الروايات نسبت قضية إنزاله إلى خباب بن الأرت (٢).
س : ونجد في بعض النصوص : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يرسل عمرو بن أمية ، بل أسر في بئر معونة فقدموا به مكة ، فهو دفن خبيبا (٣).
طريق جمع فاشل :
وقد حاول البعض رفع هذا التنافي الأخير : بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسل الضمري أولا ، ثم أرسل الزبير والمقداد ؛ فحين أنزله عن الخشبة كانا حاضرين ، فأخذه الزبير ، فلما لحقوهم قذفه الزبير ، فابتلعته الأرض (٤) فصح نسبة ذلك إلى كل منهم.
ولكن هذا المتبرع بالجمع قد نسي : النصوص التي يقول بعضها : إن عمرو بن أمية قد حمله حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة ، فكأنما ابتلعته الأرض.
__________________
(١) راجع المصادر المتقدمة.
(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ٣٧٢ عن الطبراني عن عمرو بن أمية الضمري.
(٣) مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٢٧ عن الطبراني.
(٤) السيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٥٧ وراجع ج ٢ ص ٣٤ وأشار إلى هذا التنافي أيضا ، وإلى أنه لا بد من الجمع في السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٤ و ١٨٥. ولربما يلاحظ بعض الاختلاف في وجه الجمع الذي ذكره دحلان في الموضعين فليراجع.
والنصوص التي تقول : إنه بمجرد أن وقع إلى الأرض ابتعلته الأرض.
والنصوص التي تقول : إن الأرض ابتلعته بعد عشرين ذراعا ، أو أربعين.
والنصوص التي تقول : إن عمرو بن أمية قد دفنه ، وأنه أهال عليه التراب برجله ، إلى آخر ما تقدم مما لا مجال لإعادته.
هذا كله ، عدا عن أن ابن أبي شيبة يقول : إنهما حين حلاه من الخشبة التقمته الأرض (١) ، فالذي حله إذا اثنان وليس رجلا واحدا.
عودة للتناقضات :
ع : وقد تقدم : أن عمرو بن أمية قد شد على الخشبة فاحتلها وذهب بها.
لكن نصا آخر يقول : إنه احتمله بخدعة ليلا ، فذهب به فدفنه (٢).
ف : تقدم أن الرسول قد أرسل عمرو بن أمية لأجل قتل أبي سفيان.
لكن نصا آخر يقول : إنه قد بعثه عينا على قريش ، فجاء إلى خشبة خبيب فحله عنها (٣).
وصرحت بعض المصادر : أنه «صلى الله عليه وآله» قد بعثه إلى خبيب لينزله عن الخشبة (٤).
هذا كله ، بالنسبة لطائفة من الموارد ، التي تظهر فيها التناقضات في ما
__________________
(١) الروض الأنف ج ٤ ص ٢٥٤ عن ابن أبي شيبة.
(٢) زاد المعاد ج ٢ ص ١٠٩.
(٣) الإصابة ج ١ ص ٤١٩.
(٤) راجع المصادر التي تقدمت تحت الفقرة (م) الواردة لقوله : فلم تر لخبيب رمة حتى الساعة.