خطرة الطيف

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

خطرة الطيف

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: أحمد مختار العبّادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٣

البرد ، وشملتنا بالهواء المعتدل ، وأظلتنا برواقها المنسدل. بلد أعيان وصدور ، ومطلع نجوم وبدور ، وقلعة سامية الجلال ، مختّمة بالكواكب متوّجة بالهلال. حللناها في التبريز الحفيل ، والمشهد الجامع بين الذرة (١٤٧) والفيل ، حشر أهلها بين دان ونازح ، ومثل حاميتها من نابل ورامح ، فكان ذلك المجتمع عيدا ، وموسما سعيدا (١٤٨) ، وبتنا في ليلة للأنس جامعة ، ولداع السرور سامعة. حتى إذا الفجر تبلّج ، والصبح من باب المشرق تولّج ، سرنا وتوفيق الله قائد ، ولنا من عنايته صلة وعائد ، تتلقّى ركابنا الأفواج ، وتحيّينا الهضاب والفجاج إلى قتّوريه (١٤٩) ، (حرسها الله) (١٥٠) ، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال ، قريبة البكر من الآصال. كان المبيت بإزاء قلعتها السامية الارتفاع ، الشهيرة الامتناع ، وقد برز أهلها في العديد والعدّة ، والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدّة ، صفوفا بتلك البقعة ، خيلا ورجلا كشطرنج الرقعة ، لم يتخلّف ولد عن والد ، وركب قاضيها ابن أبي خالد (١٥١) ، وقد شهرته النزعة الحجازية ، ولبس من حسن الحجى زية (١٥٢) ، وأرمى من البياض طيلسانا وصبغ لحيته بالحناء والكتم ، ولاث عمامته واختتم ، والبداوة تسمه على الخرطوم ، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم ، فداعبته مداعبة الأديب للأديب ، وخيّرته بين خصلتي الذيب ، وقلت نظمت مقطوعتين إحداهما مدح والأخرى قدح ، فإن همت ديمتك وكرمت شيمتك فللذين أحسنوا الحسنى وإلا فالمثل الأدنى.

__________________

(١٤٧) الدره في (١)

(١٤٨) هذه العبارة زيادة عن (ب)

(١٤٩) كذا ، وترد أيضا باسم قنتوريه وهو الأصح ، واسمها حالياCantoria ، وتقع في جنوب برشانه وعلى نهر المنصورة أيضا

(١٥٠) زيادة عن (ب)

(١٥١) راجع ترجمته في (المقّري : نفح الطيب ج ٣ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٧٨)

(١٥٢) في (ا ، ب) وفي مولر كتبت الحجازيه ، غير أن المعنى يستقيم كما كتبناها في المتن على أساس كلمتين. وكما كتبها ابن الخطيب نفسه في موضع آخر. راجع (نفاضة الجراب ورقة ١٨)

٤١

فقال أنشدني لأرى على أي الأمرين أثب ، وأفرق بين ما أجتني (وما) (١٥٣) أجتنب ، فقلت :

قالوا وقد عظمت مبرّة خالد

قاري الضيوف بطارف وبتالد

ماذا أتمتّ (١٥٤) به فجئت بحجة

قطعت بكل مجادل ومجالد

إن يفترق نسب يؤلف (١٥٥) بيننا

أدب أقمناه مقام الوالد

وأما الثانية فيكفي من البارق شعاعه ، وحسبك من شر سماعه ، ويسير (١٥٦) التنبيه كاف للنبيه. فقال : لست إلى قراي بذي حاجة ، وإذا عزمت فأصالحك على دجاجة ، فقلت : ضريبة غريبة ، ومؤونة قريبة ، عجّل ولا تؤجّل ، وإن انصرم أمد النهار فأسجل. فلم يكن إلا كلا ولا ، وأعوانه من القلعة تنحدر ، والبشير منهم بقدومها يبتدر ، يزفّونها كالعروس فوق الرؤوس ، فمن قائل أمها البجابيّه ، وقائل أخوها الخصي الموجه إلى الحضرة العليّه. وأدنوا مربطها من المضرب عند صلاة لمغرب ، والحفوا في السؤال وتشطّطوا في طلب النوال فقلت يا بني اللكيعة ، ولو جئتم ببازي بماذا كنت أجازي ، فانصرفوا وما كادوا يفعلون ، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون حتى إذا سلّت لذكاتها المدى ، وبلغ من عمرها المدى ، قلت : يا قوم ، ظفرتم بقرّة العين ، وابشروا باقتراب اللقاء فقد ذبحت لكم غراب البين. وكانت البلاد الشرقيّة قد أخلفتها الغيوث وعدت عليها للعدو الليوث ، فحيتنا على الشحط ، وشكت إلى سعادة مقدّمنا معرّة القحط. فظهرت مخيلة السعد ، فأذن الله في إنجاز الوعد ، وقرّبت غريم الغمائم (١٥٧) في المقام أعوان الرعد ، فاعترف (٦٠) وسمح وانقاد لحكم القضاء بعد ما جمح. ولم يسلم (١٥٨) بكيف ولا حتى ، وقضاها

__________________

(١٥٣) ما الثانية زيادة عن (ا)

(١٥٤) في (ب) تمت وهي أصح.

(١٥٥) في (ا) يألف.

(١٥٦) في (ب) وتيسير

(١٥٧) في (ب) الغمام.

(١٥٨) في (ب) ولم يلم

٤٢

المدين (١٥٩) في دفع شتّى. هذا وإن كان إنما وإن عزم ، وأمده كاد أن ينصرم ، فمنفعته بحول الله كبرى ، وفيه مآرب أخرى. فتنفّس صدر الجو وزفر ، وقطب وجهه بعد ما سفر ، وسحّ (١٦٠) الغمام وانسكب ، وارتكب (١٦١) من أمر الهنا (١٦٢) ما ارتكب فلم تجف له قطره ، ولا خطرت بباله للصحو خطره ، فسئمنا ذلك العارض الهطال (١٦٣) ، وسهرنا الليل وقد طال ، وما راعنا والصبح قد نمّ من خلف الحجاب ، وقضيّته قد انتقلت من السلب (١٦٤) إلى الإيجاب ، والغمام لا يفتر انسكابه إلا السلطان قد ارتحل ركابه. فضربنا بالقباب وجه الصعيد ، واستقبلنا طيّة الغرض البعيد ، نهيم في ذلك الوادي ، ونكرع من أطواقنا في غدران الغوادي وقد تهدّلت الفروع ، وخضلت بالغيث تلك الزروع كأنما أخلفتها (١٦٥) الريح فترامت ، وسقتها (١٦٦) كؤوس السحب حتى سكرت ونامت ، والمذانب (١٦٧) أمثال الصلال قد تفرّعت وكأنما رعناها (١٦٨) فانسابت أمامنا وأسرعت ، ومخيلة الصحو لا تتوسم والجو تستضحكه بشأننا فلا يتبسم. ومررنا بوادي المنصورة التي نسب الوادي إليها ، وعرضت مراكب تيّاره بين يديها وأطلالها بالية. وبيوتها خاوية خالية ، ومسجدها بادي الاستكانة خاضع للبلى على سمو المكانة ، فعبرنا واعتبرنا وأبصرنا فاستبصرنا (١٦٩) وقول أبي الطيّب (١٧٠) قد تذكرنا (١٧١) :

__________________

(١٥٩) في (ب) الدين

(١٦٠) في (ب) وهما

(١٦١) في (ا) (وزفر وارتكب) وهو تكرار لا مبرر له

(١٦٢) في (ا) المنا ، وقرأها مولر من ايراطنا

(١٦٣) كذا في (ا ، ب) وقرأها مولر المطل

(١٦٤) في (ب) النفي

(١٦٥) في (ا) أخافتها

(١٦٦) في (ا) وسقتنا

(١٦٧) كذا في (ب) ، ووردت في (ا) المثاقب والمتن أصح

(١٦٨) كذا في (ا) وردت في (ب) وكأنما رعناه

(١٦٩) لعل صحتها واستبصرنا

(١٧٠) ساقطة في (ا) ، وأبو الطيب هو الشاعر المتنبي.

(١٧١) قد زيادة عن (ب)

٤٣

أين الذي الهرمان من بنيانه

ما قومه ما يومه ما المصرع

تتخلف الآثار عن أصحابها

حينا ويدركها الفناء (١٧٢) فتتبع

ثم بدّلنا (١٧٣) ذلك الوادي بالعراء ، واستقبلنا أرضا شبيهة بالصحراء ملاعب للريح ، ومنابت للسدر (١٧٤) والشيح ، سحبت بها عين السحاب فضول (١٧٥) الذيل ، وطفف الغمام في الكيل ، وغار النور ، وفار التنّور ، وفاضت السماء ، والتقى الماء ، فالركائب تسبح سبح الأساطيل ، والأرجل تزهق زهوق الأباطيل ، والمبارك تعدي ، والأدلّة لا تهتدي ، واللباس قد غير الطين من شكله ، والإنسان قد رجع من الماء والحمأ (١٧٦) إلى أصله.

وخيّمنا في بيره (١٧٧) ، حرسها الله بالثغر الأقصى ومحل الرباط الذي أجر ساكنه لا يحصى. بلدة عدوّها متعقّب ، وساكنها خائف مترقّب ، مسرحة بعير ومزرعة شعير ، إذا شكرت الوابل ، انبتت حبّها سبع سنابل ، ونجادها بالهشيم قد شابت ، وزروعها قد دعا بها الفصل فما ارتابت ، ونداء وآتوا حقه يوم حصاده أجابت. أرحنا بها يوما صحا فيه الجو من سكرته ، وأفاق من عمرته ، فقيل للنفوس شأنك ودمائك (١٧٨) ويا أرض ابلعي ماءك. وتجلّت عقيلة الشمس معتذرة عن مغيبها مغتنمة غفلة رقيبها.

ورحلنا من الغد وشمل الأنواء غير مجتمع ، والجو قد أنصت كأنه يستمع ، بعد أن تمخض (١٧٩) الرأي (١٨٠) عن زبدته ، واستدعي من الأدلاء من

__________________

(١٧٢) في (ب) البلى

(١٧٣) هذه الكلمة غير واضحة في النسختين ، وكتبها مولر ثم بدا لنا ولعل صحتها كما في المتن

(١٧٤) السدر شجر النبق وجمعها سدور

(١٧٥) كذا في الأصل وقد وردت في (ب) : سحبت علينا السحاب فصول

(١٧٦) الحمأ : الطين الأسود

(١٧٧) بيره ، Vera ، بلدة حصينة مرتفعه ، تشرف على ساحل البحر الأبيض المتوسط عند الحدود الشمالية الشرقية لمملكة غرناطه ، ومن المراسلات المتبادلة بين بعض ملوك غرناطة وملوك الدول المجاورة ، تفهم أن مدينة بيره كانت تعتبر أقصى حدود المسلمين في تلك المنطقة

(١٧٨) في (ب) وذمائك ، وهي أصح.

(١٧٩) في (ب) وتمحض

(١٨٠) كذا في (ا ، ب) وقرأها مولر الرائب

٤٤

وثق بنجدته ، وكثر المستشار ، ووقع على طريق قيشر (١٨١) الاختيار ، وانتدب من الفريق ، إلى دلالة تلك الطريق ، رجل ذو احتيال ، يعرف بابن هلال ، استقبل بنا شعبا مقفلا (١٨٢) ، ومسلكا (٦١) مغفلا (١٨٣) ، وسلّما حرج (١٨٤) الدرج ، سامي المنعرج ، تزلق الذر (١٨٥) في حافاته ، وتراع القلوب لتوقع (١٨٦) آفاته ، ويتمثّل الصراط عند صفاته. أو عار لا تتخلص (١٨٧) منها الأوعال ، ولا تغنى السنابك فيها ولا النعال. قطعنا بياض اليوم في تسنّم جبالها ، والتخبط في حبالها ، نهوي (١٨٨) من شاهق إلى وهد ، ونخوض (١٨٩) كل مشقّة وجهد ، كأننا في حلم محموم ، أو أفكار مغموم (أو برشام نوم) (١٩٠).

ولما طال مرام العروج إلى جو السماء ذات البروج ، قلت يا قوم انظروا لأنفسكم فيما أصبحتم فيه ، واعلموا أن دليلكم ابن هلال عزم على اللحاق بأبيه ، ثم أخذنا في الانحدار بأسرع الابتدار نهوى من (١٩١) المرقب السامي الذرى ونهبط من الثريا إلى الثرى ، ونتمثّل في ذلك المسلك الواعر ، بقول الشاعر :

بطريق بيرة (١٩٢) أجبل وعقاب

لا يرتجي (١٩٣) فيها النجاة عقاب

فكأنما الماشي عليها مذنب

وكأنما تلك العقاب عقاب

__________________

(١٨١) في (ا) قاشز

(١٨٢) كتبها مولر مقفلّا

(١٨٣) كتبها مولر مغفّلا

(١٨٤) في (ب) في حرج

(١٨٥) في (ا) الزر

(١٨٦) ساقطه في (ب)

(١٨٧) في (ب) يتخلص

(١٨٨) في (ب) تهوى

(١٨٩) في (ب) ونحوض

(١٩٠) وردت في (ب) أو برسام بوم ، ولم ترد في (ا) ، ولعلّها صحتها كما في المتن

(١٩١) في (ب) ، إلى

(١٩٢) في (ا) قاشر.

(١٩٣) في (ا) ترتجي

٤٥

(حتى (١٩٤) إذا استوينا على صفحة الأرض ، وتذكّرنا بذلك الصراط يوم العرض ، تخلّصنا من السبيل الوبيل ، وانتقلنا الهمز إلى التسهيل ، ونزلنا والركائب قد كلّت ، والمتاعب قد حلّت ، فكانت مواقد النيران ، بوادي العبران ، بقعة جديبة المرعى ، معدن لكل عقرب تدب وحيّة تسعى غير أن الله دفع مضرّتها ، وكفى ببركة الأيالة اليوسفية معرّتها).

ولما أصبح استقبلنا الفحص الأفيح ، بساط ممدود الصرح ، يعجز عن وصفه لسان الشرح ، طاردنا قنيصه (١٩٥) على طول صحبته للأمان ، من حوادث الزمان. فأثرنا (١٩٦) كل ذلق المسامع ، ناء عن إدراك المطالع ، كثير النفار (١٩٧) ، مصطبر على سكنى القفار ، يختال في الفروة اللدنة الحواشي ، وينتسب إلى الطائر والماشي ، فغلبناه (١٩٨) (٦٢) على نفسه ، وسلّطنا عليه آفة من جنسه ، وحللنا مقادة كل طويل الباع ، رحب الذراع ، بادي النحول ، طالب بالدخول ، كأنه لفرط النحول عاشق ، أو نون أجادها ماشق ، أو هلال سرار ، أو قطعة سوار (١٩٩) ، أو خبية (٢٠٠) أسرار (٢٠١) رمينا (٢٠٢) منه (٢٠٣) بأجله على عجله ، وقطعنا به عن أمله ، فأصبح رهين هوان مطرقا بأرجوان. ووصلنا الخطا (٢٠٤) بين مجاثم (٢٠٥) الأرانب ، وأفاحيص القطا في فحص (٢٠٦)

__________________

(١٩٤) هذه الفقرة التي بين القوسين لم ترد في (ب)

(١٩٥) في (ا) قبيصه

(١٩٦) في (ب) بأثرنا

(١٩٧) في (ا) النجار

(١٩٨) في (ا) تغلبناه

(١٩٩) ساقط في (ب)

(٢٠٠) في (ب) حبيه

(٢٠١) في (ا) أسوار

(٢٠٢) في (ب) رميناه

(٢٠٣) كذا في النسختين ولعل صحتها أمنه

(٢٠٤) في (ب) الحطا

(٢٠٥) في (ب) حاتم

(٢٠٦) في (ب) في سهل

٤٦

يتلقّى الساير بترحيب واصل (٢٠٧) إلى اشكوذر (٢٠٨) حللناها والنهار (٢٠٩) غض الشبيبة ، والجو يختال من مذهب سناه في الحلي العجيبة.

واستقبلنا المريّة (٢١٠) ، عصمها الله ، في يوم سطعت أشعة سعده ، وتكفل الدهر (٢١١) بإنجاز وعده ، مثل (٢١٢) أهلها بجمعهم في صعيد سعيد (٢١٣) ، ويدعوهم عيد عهدهم به بعيد ، فلم يبق حجاب إلا رفع ، ولا عذر إلا دفع ، ولا فرد إلا شفع في يوم نادي بالجمهور إلى الموقف المشهور ، وأذن الله لشهره بالظهور على ما تقدمه من الشهور ، رمت البلدة فيه بأفلاذها وقذفت بثباتها وأفذاذها ، وبرز أهلها حتى غصّ بهم سهلها وقد أخذهم الترتيب ، ونظمهم المصف العجيب ، تقدمت مواكب (٢١٤) الأشياخ الجلة ، والفقهاء الذين هم سرج الملّة ، وخفقت أصناف البنود المطلّة ، واتسقت الجموع التي لا تؤتي بحول الله من القلّة ، وتعدّدت بمناكب البدور أشكال الأهلّة ، في جموع تسد مهبّات (٢١٥) الصبا ، وتكاثر رجل الدبا (٢١٦) ، صفوفا كصفوف الشطرنج على أعناقهم قسي الفرنج ، وقد نشروا البنود الشهيرة الألوان واستشعروا في يوم السلم شعار الحرب العوان ، يتسابقون من الاحتفال إلى غايه ، ويرجع كل منهم إلى شعار وإلى رايه ، وقد أحسنوا

__________________

(٢٠٧) ساقطة في (ب)

(٢٠٨) في (ا) اسكودار

(٢٠٩) في (ب) واليوم

(٢١٠) المرية ، Almeria مدينة ساحلية بجنوب شرق الأندلس ، بناها الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر (الثالث) وذلك في عام ٣٤٤ ه‍ (٩٥٥ ـ ٩٥٦ م انظر الروض المعطار ص ١٨٣ ـ ١٨٤).

راجع كذلك ما كتبه زيبولدSeybold في دائرة المعارف الإسلامية عن تاريخ هذه المدينة أيام المسلمين Enc.Isl.I ,P ,٧١٣)

(٢١١) في (ا) للظهر وفي (ب) للدهر ولعلّ صحتها كما في المتن

(٢١٢) في (ا) أمثال

(٢١٣) في (ا) بعيد

(٢١٤) في (ب) تقدمها مراكب

(٢١٥) في (ب) مهاب

(٢١٦) في (ا) الربا

٤٧

بالمشيخة الاقتداء ، ورفعوا بالسلام النداء.

وامتاز خدام الأساطيل المنصورة في أحسن الصورة ، بين أيديهم الطبول والأبواق تروع أصواتها وتهول. وتأنق من تجار الروم من استخلص العدل هواه ، وتساوى سره ونجواه ، في طرق من البر ابتدعوها ، وأبواب من الاحتفاء شرعوها ، فرفعوا فوق الركاب المولوي على عمد السّاج ، مظله من الديباج ، كانت على قمر العلياء غمامه ، وعلى زهر المجد كمامه ، فراقتنا بحسن المعاني ، وأذكرتنا قول أبي القاسم ابن هاني :

وعلى أمير المسلمين غمامه

نشأت تظلل وجهه (٢١٧) تظليلا

نهضت بعبء الدر ضوعف نسجه

وجرت عليه عسجدا محلولا

إلى غير ذلك من أروقة عقدوها ، وكرامة أعدوها. وطلعت في سماء البحر أهلّة الشواني ، كأنها حواجب الغواني ، حالكة الأديم ، متسربلة بالليل البهيم ، تتزاحم (٢١٨) وفودها على الشط ، كما تتدخل النونات (٢١٩) في الخط ، فياله من منظر بديع الجمال ، أخذ بعنان الكمال ، بكر الزمان ، وآية من آيات الرحمن ، حتى إذا هالة القبة استدارت ، وبالقمر السعد من وجه السلطان ، أيّده الله ، أنارت ، مثلوا فسلموا ، وطافوا بركن مقامه واستلموا ، وأجهروا بالتلبية ، ونظروا ، من وجهه (٢٢٠) الجميل إلى سعد الأخبية ، وتزاحم من النساء الأفواج ، كما تتدافع الأمواج ، فرفع الجناح ، وخفض الجناح ، ومهد لهنّ سبيل العطف ، وشملهنّ كنف الإشفاق واللطف. ولما أرحنا واسترحنا ، والعيون في تلك البلدة سرّحنا ، رأينا قيد البصر ، والمحاسن التي ترمي اللسان (٢٢١) بالحصر ، حضرة يستقبل (٢٢٢) بها الملك ، ومربع يلتقي به القطار والفلك ، رفعت راية الشرف القديم ، وحازت على نظرائها مزية

__________________

(٢١٧) في (ب) تاجه

(٢١٨) في (ا) تتزحم

(٢١٩) في (ا) النوقات

(٢٢٠) في (ب) من وجه الجميل

(٢٢١) ساقطة في (ب)

(٢٢٢) في (ب) يستقل

٤٨

التقديم ، ما شئت من ساحة طيبة الأديم ، رحيبة كصدر الحليم ، متناسبة الوضع بتقدير العزيز العليم ، تبرّجت تبرّج العقيلة ، ونظرت وجهها من البحر في المرآة الصقيلة.

وركب السلطان أيّده الله ثالث يوم وروده إلى مشاهدة قلعتها الشّمّاء ، المتعلّقة بعنان السماء ، فقدح سكانها زناد البارق المتألّق ، وتلعب صبيانها (٢٢٣) على جناح الطائر المحلّق ، وعلى سموّ مكانها وجلالة شأنها ، فدولابها (٢٢٤) شجى المزمار (٢٢٥) ، ومياهها في انهمار ، وخزائنها (٢٢٦) تستغرق (٢٢٧) طول (٢٢٨) الأعمار ، وعددها كفيلة لحماية الذمار ، فعوّذناها من كل خطب فادح ، وحيّينا بها بهو خيران (٢٢٩) وقصر ابن صمادح (٢٣٠) ونظرنا إلى تلك الآثار

__________________

(٢٢٣) في (ب) صبيتها

(٢٢٤) كذا في النسختين وقرأها مولر قد ولا بها

(٢٢٥) في (ب) المضمار

(٢٢٦) في (ا) وجزانيها

(٢٢٧) في (ب) نستغرق

(٢٢٨) في (ب) بطوال

(٢٢٩) خيران الصقلبي الخصي العامري ، كان في الأصل مملوكا للمنصور ابن أبي عامر دكتاتور إسبانيا أيام الخليفة هشام الثاني المؤيد ، ثم تدرّج في الرقي حتى صار رئيسا لحزب الصقالبة في أواخر أيام الخلافة الأموية بقرطبة. ثم تمكن خيران من الاستقلال بولاية المرية عام ٤٠٣ ه‍ سنة ١٠١٢ م وصار يدعى بالخليفة وبالفتى الكبير. وتنسب لخيران أعمال معمارية كثيرة ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم في المريه ، ومن أهمها بقايا القصر والقلعة المسمّاة بالقصبة. وقد مدحه الشاعر الأندلسي ابن درّاج القسطلي بالقصيدة التي مطلعها :

الخير قد أوفى بعهدك خيران

وبشراك قد آواك عزّ وسلطان

وتوفي خيران عام ٤١٩ ه‍ سنة ١٠٢٨ م

انظر (أحمد مختار العبادي : الصقالبة في إسبانيا ، لمحة عن أصلهم ونشأتهم وعلاقتهم بحركة الشعوبية. مدريد ١٩٥٣)

(٢٣٠) ملوك بني صمادح حكموا المرية في فترة ملوك الطوائف (من عام ١٠٤١ ـ ١٠٩١ م) وأهم ملوك هذه الأسرة المعتصم بالله محمد بن معين بن صمادح التجيبي (١٠٤١ ـ ١٠٩١ م) وكان رجلا محبّا للعلوم والآداب وبلاطه حافلا بالشعراء والكتّاب أمثال ابن الحداد الوادي آشي وابن شرف البرجي ، بل كان أولاده ينظمون الشعر أيضا ونذكر منهم ابنه رفيع الدولة وأبنته الأميرة أم الكرام. وعندما غزا المرابطون البر بر مملكته كان المعتصم بن صمادح على فراش الموت ، فقال عبارته المشهورة : ـ

٤٩

الكبار ، والمشاهدة (٢٣١) التي تغني عن الأخبار ، أشرقت العدو بريقه ، وسطت بفريقه ، وأخذت عليه فيها يد الله ثنايا طريقه ، وخصّ المولى أيّده الله قائدها بتشريفه (٢٣٢) وترفيعه ، وتناول بيده الكريمة من صنيعه ، في مجلس احتفى (٢٣٣) واحتفل ، وفي حلل الكمال رفل ، وأخذت مجالسها الخاصة والكبراء (٢٣٤) وأنشد الشعراء (٢٣٥) ، فكان (٢٣٦) مقاما جليلا وعلى الهمم العربيّة والشيم الملوكية دليلا.

وكان الرحيل عن تلك المدينة لا عن ملال ، ولا عن (٢٣٧) ذم (٢٣٨) خلال ، ولكن مقام بلغ أمدا (٢٣٩) ، ورحلة انتهت إلى مدى (٢٤٠).

أقمنا بها يوما ويوما وثالثا

ويوم (٢٤١) له يوم الترحل خامس

فيالها من خمسة علّقها الدهر تميمة على نحره ، وأثبتها معوذة في قرآن فخره. كانت لياليها معطّرة النواسم ، وأيامها كأيام المواسم.

وثنينا الأعنّة إلى الإياب ، وصرفنا إلى أوطاننا صدور الركاب ، فكم من قلب لرحيلنا وجب ، لما استقل ووجب ، ودمع لوداعنا عظم انسكابه ، لما رمت للبين ركابه ، وصبر أصبح من قبيل (٢٤٢) المحال عند زمّ الرحال ، وإلف أنشد بلسان النطق والحال :

__________________

إله إلا الله ، نغّص علينا كل شيء حتى الموت! (ابن بسّام : الذخيرة ج ٢ ، ق ١ ، ص ٢٣٦) انظر كذلك) Antonio Prietoy Vives : Los Reyes de Taifas Madrid ٦٢٩١

(٢٣١) في (ب) والمشاهد

(٢٣٢) في (ا) بتسريفه

(٢٣٣) في (ا) احتفا

(٢٣٤) في (ب) والكبرى وفي (ا) الكبرا ولعلّه يريد الكبراء

(٢٣٥) في (ا) وأنشدت الشعرا

(٢٣٦) في (ب) وكان

(٢٣٧) ساقطة في (ب)

(٢٣٨) في (ا) دم

(٢٣٩) في (ب) أمد

(٢٤٠) في (ب) أمد

(٢٤١) لعلّ صحّتها ويوما

(٢٤٢) في (ا) قبيح

٥٠

ومضى وخلّف في فؤادي لوعة

تركته موقوتا على أوجاعه

لم استتم سلامه لقدومه (٢٤٣)

حتى ابتدأت عناقه لوداعه

وانصرفنا (٢٤٤) وعروشها تتعلق بأذيالنا ، ومخاضات (٢٤٥) واديها تعترض صدور رجالنا (٢٤٦) ، ورياحها تدافعنا (٢٤٧) عن المسير ومعالمها تقنع من إلمامنا ولو باليسير.

واستقبلنا وادي بجّانه (٢٤٨) وما أدراك ما هو ، النهر السيّال ، والغصن الميّاد الميّال ، والأفياء والظلال.

المسك ما فتّ في جنباته ، والسندس ما حاكته يد جناته ، نعمة واسعة ، وماجدة جامعة أزرت بالغوطتين زياتينه وأعنابه وسخرت بشعب بوان شعائبه بحيث لا تبدو (٢٤٩) للشمس آيات (٢٥٠) ولا تتأتى للحرباء حيّات (٢٥١). والريح تلوى أعطاف غصون البان على أرداف الكتان (٢٥٢) ، وتجاذب عرايش (٢٥٣) الخمائل ، فضول (٢٥٤) الغلائل ، إلى مرشانة (٢٥٥) وهي الكوكب الأعلى ، والأشهب المحلّى ، والصباح إذا تجلّى ، والعروس على المنصّة تجلى ، وبها حلّت

__________________

(٢٤٣) ورد في (ا) ، لم يستتم عناقه لقدومه ، ويبدو أن ما ورد في نسخة (ب) أحسن

(٢٤٤) في (ا) وسرنا

(٢٤٥) في (ب) ومخاضة

(٢٤٦) رحالنا

(٢٤٧) في (ب) تتدافع

(٢٤٨) بجانه ، Pechina قرية ساحلية في شمال المريه بنحو ١٠ ك. م انظر ما كتبه عنها ليفي بروفنسال في Enc.Isl.III P.٩٠١١ راجع كذلك (الروضا لمعطار ص ٣٧ ـ ٣٩).

(٢٤٩) في (ا) تبدوا

(٢٥٠) في (ب) ايّاة وهي أصح ، أي النور.

(٢٥١) في (ب) حياة ، وهي أصح.

(٢٥٢) في (ب) الكثبان

(٢٥٣) في (ب) عن أنس

(٢٥٤) في (ب) فصول

(٢٥٥) Marchena مرشانة أو مرسانه ، حصن حصين في مقاطعة المرية ، وهناك حصن آخر بهذا الاسم في مقاطعة اشبيلية جنوب شرق قرمونه. انظر (الروض المعطار ص ٢١٨ حاشية ٣)

٥١

الغيوم سموطها (٢٥٦) ، ومدّت عناكب (٢٥٧) السحاب خيوطها (٢٥٨) ، فبتنا وعيون المزن باكية ، والمنازل من توقع فراقنا (٢٥٩) شاكية (واستقبلنا (٢٦٠) الوادي نجعله دليل تلك الطريق ، ونتبعه (٢٦١) في السعة والضيق ، فكم مخاضة منه عبرنا ، وعلى مشقّتها (٢٦٢) صبرنا ، حتى قطرت الأذيال والأردان ، وشكت أذى الماء الأبدان ، وتوفرت ذو الضجر ، لملازمة الماء والحجر ، ونسينا بمعاناته ألم البعاد ، وذكرنا ببرده وإعادته مثلهم في الحديث المعاد ، اللهم غفرا فضله مديد ، ومنظرا في الحسن فريد ، وقد راق شأنه ، وتصاف على الشط سكانه ، فرأينا الحور تحت سماط الحور ، والنور فوق بساط النور.

ولما كان عمر اليوم ينتصف ، وقد بلونا من بعد المشقة ما لا نصف ، وتخلّصنا من ذاك الكمد ، شارفنا دار عبلة (٢٦٣) العلياء في السند). واستقبلنا عبلة ولورسانة (٢٦٤) ، وأنخنا الركائب (٢٦٥) بطاهر (٢٦٦) فنيانة (٢٦٧) ، بقعة حظها من النعم موفور ، وبلدة طيّبة وربّ غفور ، حللناها ومنادى (٢٦٨) العجماء يعرب ، والشمس يراودها المغرب ، وقد عظم (أثر) (٢٦٩) الهياط والمياط ،

__________________

(٢٥٦) في (ا) سمرطها

(٢٥٧) بياض في (ب)

(٢٥٨) في (ا) خيرطها

(٢٥٩) في (ا) فراقبا

(٢٦٠) هذه الفقرة الكبيرة التي بين الأقواس لم ترد في (ب)

(٢٦١) كتبت ونبتعه ولعلّ صحتها ونتبعه كما في المتن

(٢٦٢) كتبت (وعلى مسقتها) ولعلّ صحتها كما ورد في المتن

(٢٦٣) عبلةAbla ، واسمها القديم Alba وحرّفها العرب إلى عبلة ويحيط بهذا المكان حتى وادي آش جبال تعرف بالسندSened وتقع عبلة في جنوب شرق فنيانة. راجع F.Simonet : Op.cit.P.١٦ ,٠٠١)

(٢٦٤) Abrucena

(٢٦٥) في (ا) الركاب

(٢٦٦) في (ا) بظهر

(٢٦٧) فنيانةFinana وتعرف بالحصن وتقع في مقاطعة المرية على مسافة ٣٠ ك. م جنوب شرق وادي آش. انظر (الروض المعطار ص ١٧٢ حاشية ٢)

(٢٦٨) في (ب) ومنافي

(٢٦٩) ساقطة في (ا)

٥٢

وسطا (٢٧٠) الكلال بالنشاط. وبتنا والشيح وسائد مضاجعنا ، وشكوى التعب حلم هاجعنا.

واستقبلنا المنهج (٢٧١) الأمثل (٢٧٢) ، والسهل الذي يضرب به المثل ، بساط ممدود ، ومن البحور (٢٧٣) الأرضيّة (٢٧٤) معدود ، ولم يكن إلا كخطفة بارق ، أو خلسة سارق ، حتى تقلّص الظل وطوى منشوره طي السجل.

واستقبلنا مدينة وادي آش حرسها الله ، وقد راجعت الالتفات ، واستدركت ما فات ، فتجلّت المخدّرات ، وقذفت بمن (٢٧٥) اشتملت عليه الجدرات ، وتنافس أهلها في العدّة والعديد ، واتخاذ شكك (٢٧٦) الحديد ، فضاق رحب المجال ، واختلط النساء بالرجال ، والتف أرباب الحجا بربات الحجال ، فلم نفرق (٢٧٧) بين السلاح والعيون الملاح ، ولا بين حمر البنود (٢٧٨) وحمر الخدود ، وبتنا بإزائها ونعم الله كافله ، ونفوسنا في حلل السرور رافلة. حتى إذا ظلّ الليل (٢٧٩) تقلّص ، وحمام الصبح من مخالب غرابه (٢٨٠) قد (٢٨١) تخلّص ، سرنا (٢٨٢) وعناية الله ضافية ، ونعمه وافية.

فنزلنا بوادي فردس (٢٨٣) ، منازلنا المعتادة ، وقلنا رجع الحديث إلى قتادة ، وبها تلاحقت وفود التهاني ، وسفرت وجوه الأماني. نزلنا منه بالمروج

__________________

(٢٧٠) في (ا) وسط

(٢٧١) في (ب) النهج

(٢٧٢) في (ب) الأشل

(٢٧٣) في (ب) البحار

(٢٧٤) في (ا) الأريض

(٢٧٥) في (ب) من

(٢٧٦) في (ا) سكك

(٢٧٧) في (ا) يفرق

(٢٧٨) في (ب) ومن حمر الحدود

(٢٧٩) في (ا) اليوم

(٢٨٠) في (ا) غروبه

(٢٨١) زيادة عن (ب)

(٢٨٢) في (ا) وسرنا

(٢٨٣) Rio Fardes ، في (ب) فرذش

٥٣

فتفتحت بها أزهار القباب البيض في بساطها (٢٨٤) العريض ، وخطرت ببالي مقطوعة في مخاطبة المولى أنجح الله عمله ويسّر من فضله أمله ، أثبتّها على حكم الاستعجال. وأوصفت (٢٨٥) على بيوتها خيل (٢٨٦) الارتجال :

إذا سرت سار النور حيث تعوج

كأنك بدر والبلاد بروج

لك الله من بدر على أفق العلا

يلوح وبحر بالنوال يموج

تفقدت أحوال الثغور بنية

لها نحو أبواب القبول (٢٨٧) عروج

وسكنتها بالقرب منك ولم تزل

تهيم هوى من قبله وتهيج

مررت على وعد من الغيث بينها

فمنظرها بعد العبوس بهيج

فكم قلعة قد كلّل النور تاجها

ورف عليها (٢٨٨) للنبات نسيج

ولا نجد إلا روضة وحديقة

ولا غور إلا جدول وخليج

أيوسف دم للدين تحمى ذماره

إذا كان للخطب الأبيّ ولوج

بفتية صدق إن دجا ليل حادث

فهم سرج آفاقهن سروج

بقيت قرير العين ما ذرّ شارق (٢٨٩)

وما طاف بالبيت العتيق حجيج

وبتنا نتعلّق بأنفاس (٢٩٠) الحضرة العاطرة ، ونستظلّ بسمائها الماطرة ، ونعلن بالاستبشار (٢٩١) ، ونحن إلى الأهل حنين العشار :

وأبرح (٢٩٢) ما يكون الشوق يوما

إذا دنت الديار من الديار

فلمّا تبسّم زنجي الليل عن ثغر الفجر ، وشبّ وليد الصبح (٢٩٣) عن عقد الحجر ، ولحظتنا ذكاء بطرفها الأرمد ، وقد بقي (٢٩٤) الليل فيه بقيّة

__________________

(٢٨٤) في (ب) بساطه

(٢٨٥) في (ب) وأوجفت ، لعلها أوضعت أي أسرعت فالوضع نوع من المشي السريع.

(٢٨٦) في (ا) نجيل

(٢٨٧) في (ب) لها أسباب السماء عروج

(٢٨٨) في (ا) دوف عليه

(٢٨٩) في (ا) : بقيت فريد العين مادر شارق

(٢٩٠) في (ب) بأنوار

(٢٩١) في (ب) الاستبشار

(٢٩٢) في (ب) وأقرب.

(٢٩٣) في (ب) الصباح

(٢٩٤) في (ب) ترك

٥٤

الإثمد ، استقبلنا الحضرة حرسها الله (٢٩٥) فأنست النفوس بعد اغترابها ، واكتحلت العيون بإثمد ترابها ، واجتلينا من فحصها الكريم الساحة ، الرحب المساحة ، ما يبهر العين جمالا ، ويقيّد الطرف يمينا وشمالا ، أم البلاد والقواعد ، وملجأ الأقارب والأباعد ، تعدّت مقعد الوقار ، ونظرت إلى الأرض بعين الاحتفار ، ومدّت إليه البلاد أكفّ الافتقار ، نصبت من الجبل منصّة قعدت عليها ، وقامت وصائف القرى في ذلك البساط بين يديها ، فمن ذا يدانيها أو يداريها أو يناهضها في الفخار ويجاريها ، وهي غاب الأسود ، والأفق الذي نشأت فيه سحاب الجود ، وطلعت به من الأمراء السعداء نجوم السعود (٢٩٦) ، سيّدة الأمصار ، أو دار الملوك من أبناء الأنصار ، ومصرع الطواغيت والكفّار (والغمد الذي استودع سيوف الله دامية الشفار) (٢٩٧) ولله درّ بعض شيوخنا وقد عبّر عنها ببيانه ، واعتذر عن بردها في أوانه حيث يقول :

رعى الله من غرناطة متبوأ

يسر كئيبا أو يجير طريدا (٢٩٨)

تبرّم منها صاحبي عند ما رأى

مسالكها بالبرد عدن جليدا

هي الثغر صان الله من أهلّت به

وما خير ثغر لا يكون برودا

__________________

(٢٩٥) يقصد مدينة غرناطة ويقال لها أيضا أغرناطة وتسمّى اليوم Granada انظر ما كتبه عنها زيبولدSeybold في دائرة المعارف الإسلاميةEnc IsI II P.٦٨١ ـ ٧٨١ راجع كذلك (رحلة ابن بطوطة لهذه المدينة ج ٢ ، ص ١٨٧ ، وما كتبه ليفي بروفنسال عن هذه الرحلة فيLevi Provencal : Le voyage d\'Ibn Battuta dans le royaume de Granada) ١٦٣١ (, Simonet : انظر أيضا Pag. ٨١٢, en : Melanges Wiliam Marcais) Paris ١٦٩١ (انظر كذلك الموسوعة المعروفةDescripci ? n del reino de Granada ,p.٧٢ ـ ٨٦ (انظر كذلك الموسوعة المعروفة) Miguel lafuente Alcantara : Historia de Granada, ٤ tomos (راجع كذلك ما كتبه ابن فضل الله العمري (ت ١٣٥٠ م) عن المغرب والأندلس في كتابه (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) وقد نشر هذا الجزء العالم التونسي حسن حسني عبد الوهاب في مجلة البدر بتونس

(٢٩٦) في (ب) من الأمراء السعود انجم السعود

(٢٩٧) في (ا) والجفن الذي استودع جفان الله دامية الشعار

(٢٩٨) هذا البيت محرف في (ا).

٥٥

وصلناها والجو مصقول كالفرند ، والسماء كأنها لصفائها مرآة (٢٩٩) الهند ، أخرج الحلى من الإحقاق ، وعقد أزرار الحلل على الأعناق ، وأطلع أقمار الحسن على الآفاق ، وأثبت فخر الحضرة بالإجماع والاحقاق ، على دمشق الشام وبغداد (٣٠٠) العراق.

حتى إذ بلغنا قصور الملك وانتهينا إلى واسطة السلك ، وقفنا مهنئين ومسلّمين ، وقلنا أدخلوها بسلام آمنين. وألقت عصاها واستقرّ (٣٠١) بها النوى (٣٠٢) كما قرّ عينا بالإياب المسافر. (هنا انتهى التقييد والحمد لله على ما سناه من صنع جميل ، وأولاه من بلوغ تأميل. وذلك يوم الأحد الثامن لصفر عام ثمانية وأربعين وسبعمائة ، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

تمت خطرة الطيف ، والحمد لله وصلّى الله على مولانا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما طيبا) (٣٠٣).

__________________

(٢٩٩) في (ا) مرءات

(٣٠٠) في (ب) بغداد

(٣٠١) في (ب) واستقرت

(٣٠٢) ساقطة في (ا)

(٣٠٣) الفقرة الختامية التي بين القوسين لم ترد في (ب)

٥٦

الرسالة الثانية

مفاخرات مالقة وسلا

ومن ذلك ما صدر عنّي في مفاخرات مالقة (٣٠٤) وسلا (٣٠٥) بما نصّه :

سألتني عرفك الله عوارف السعد المقيم ، وحملني وإياك على الصراط المستقيم ، المفاضلة بين مدينتي مالقه وسلا ، صان الله من بهما من النّسم ، وحباهما (٣٠٦) من فضله بأوامر القسم بعد أن رضيت بحكمي قاضيا ، وبفصلي الخطة سيفا ماضيا ، لاختصاصي بسكنى البلدين ، وتركي فيهما الأثر للعين.

على أن التفضيل إنما يقع بين ما تشابه وتقارب ، أو تشاكل وتناسب ، وإلا فمتى يقع التفضيل؟ بين الناس والنسناس ، والملك والخنّاس ، وقرد الجبال وظبي الكناس؟

مالقة أرفع قدرا ، وأشهر ذكرا ، وأجلّ شأنا ، وأعزّ مكانا ، وأكرم ناسا ، وأبعد التماسا ، من أن تفاخر أو تطاول ، أو تعارض أو تصاول ، أو تراجع

__________________

(٣٠٤) مالقةMlaga اسم لمدينة وولاية على ساحل البحر الأبيض المتوسط جنوب شرق إسبانيا.

وفي أيام ابن الخطيب كانت مالقة تعتبر العاصمة الثانية بعد مدينة غرناطة في مملكة بني الأحمر.

(٣٠٥) سلاSale مدينة رومانية قديمة على ساحل المحيط الأطلنطي بأقصى المغرب ويفصلها عن مدينة رباط جنوبا نهر أبو الرقراق (بور جراج) وقد سبق أن أشرنا إلى أن ابن الخطيب أقام في هذه المدينة عند ما نفي مع سلطانه محمد الخامس عام ١٣٦٠ م وظلّ بها حتى عام ١٣٦٢ حينما عاد ثانيه إلى غرناطة مع سلطانه المذكور بفضل مساعدة ملك قشتاله وسلطان بني مرين

(٣٠٦) في الأصل وحباها وصحّتها كما في المتن

٥٧

أو تغاول ، ولكنّي سأنتهي إلى غرضك ، وأبيّن رفع مفترضك وأباين بين جوهرك وعرضك.

فنقول الأمور التي تتفاضل بها البلدان ، وتتفاخر منها به الأخوان ، وتعرفه حتى الولائد والولدان ، هي : المنعة والصنعة والبقعة والشّنعة (٣٠٧) والمساكن والحضارة والعمارة والإمارة والنضارة.

فأما المنعة ، فلمالقة ، حرسها الله ، فضل الارتفاع ومزية الامتناع أما قصبتها (٣٠٨) ، فاقتعدت الجبل كرسيّا ، ورفعها الله مكانا عليّا ، بعد أن ضوعفت أسوارها وأقوارها (٣٠٩) ، وسما بسنام الجبل المبارك منارها ، وقربت أبراجها ، وصوعدت أدراجها ، وحصنت أبوابها ، وعزّز جنابها ، ودار ببلدها السور والجسور ، والخندق المحفور. فقلهراته (٣١٠) مدائن بذاتها ، وأبوابها المغشاة بالصفائح (٣١١) شاهد بمهارة بناتها ، وهمم أمرائها وولاتها كأنها لبست الصباح سربالا (٣١٢) ، أو غاصت في نهر الفلق بهاء وجمالا ، أمنت من جهة البحر التقيّة ، ودار بها من جهة البرّ الحفير والسّلوقية (٣١٣) ، لا تجد العين بها عورة تتقى ، ولا ثلما منه يرتقى ، إلى الربضين (٣١٤) اللذين كل واحد منهما

__________________

(٣٠٧) الشنعة : الشهرة والسمعة. انظر Dozy : Supplement aux dictionnaires Arabes I, p. ١٩٧ ـ ٢٩٧ () Paris ٧٢٩١ ((

(٣٠٨) راجع وصف هذه القصبة فيGuillen Robls : Malaga Musulmana Cap II. Parte ٢) Malaga ٠٨٨١ (

(٣٠٩) أقوار ومفردها قور بمعنى نطاق وسياج انظر (Dozy : Suppl.,II ,P ٧١٤ a)

(٣١٠) قلهرات جمع قلهره Galahorra بمعنى قلعة أو برج القلعة انظر (Dozy : Suppl II P ١٠٤

(٣١١) الصفائح معناها هنا النقوش والزخارف التي تحلّى بها الأبواب. (صفائح الرتاج) انظر (Dozy : Suppl.,I ,P.٤٣٨)

(٣١٢) السربال : القميص. انظرDozy : Dictionnair detaille des noms des Vetements chez les arabes, p ٢٠٢. (Amesterdam ٥٤٨١ (

(٣١٣) السلوقيه أو السلوقية نوع من الخنادق أو الأبراج الأمامية التي في خارج الأسوار راجع (Dozy.Suppl.,I.P ٦٧٦)

(٣١٤) سمي أحد هذين الربضين باسم فنتنالةFontanella ، وسمي الآخر باسم التيانين أو التيانيين نسبة إلى تجارة التين التي اشتهرت بها مالقه. راجع (Levi Provencal : La Peninsule (Iberique D apres Ar ـ Rawd AL ـ Mi tar, p. ٣١٢ note ٦ وقد سمّى دوزي هذا الربض باسم التبانين نسبة إلى تجار التبن ، والقراءة الأولى أصح. راجع (الإدريسي نشر دوزي ودي خويه ، ص ٢٠٤ ، ٢٢٠).

٥٨

مدينة حافلة ، وعقيلة في حلى المحاسن رافلة.

وسلا على ما علمت ، سور حقير ، وقور إلى التنجيد والتشييد فقير ، آطام خامله ، وللرم آمله ، وقصبتها بالبلد متّصلة ، ومن دعوى الحصانة منتصلة ، سورها مفرد ، لا سلوقية تقيه ، وبابها مقصد لا ساتر يحميه ، والماء بها معدوم ، وليس له جب معلوم ، ولا بئر بالعذوبة مرسوم ، وفي عهد قريب استباحها الروم في اليوم الشامس ، ولم ترد يد لامس ، من غير منجنيق نصب ، ولا تاج ملك عليها عصب ، قلّة سلاح وعدم فلاح ، وخمول سور ، واختلال أمور (٣١٥).

ومنذ سقطت دعوى المنعة ، فلنرجع إلى قسم الصنعة فنقول :

مالقة ، حرسها الله ، طراز (٣١٦) الديباج المذهّب ، ومعدن صنائع الجلد المنتخب ، ومذهب الفخار ، المجلوب

منها إلى الأقطار ، ومقصر (٣١٧) المتاع المشدود (٣١٨) ، ومضرب الدست المضروب ، وصنعاء (٣١٩) صنائع الثياب ومحج التجار إلى الإياب ، لأفعام العياب ، بشهادة الحس والجن والإنس ، ولا ينكر طلوع الشمس.

وأي صناعة في سلا يقصد إليها أو يعول عليها أو يطرف بها قطر بعيد ، أو يتجمل بها في عيد.

ومنذ سقطت مزية الصنعة ، فلنرجع إلى مزية البقعة فنقول :

__________________

(٣١٥) من المعروف أن الإسبان هاجموا مدينة سلا على غره أيام الملك الفونسو العالم (El sabio) وذلك في ٢ شوال عام ٦٥٨ ه‍ (١٢٦٠ م) وقد طردهم منها السلطان المريني أبو يوسف يعقوب بعد احتلال دام أربعة وعشرين يوما. وانظر (ابن أبي زرع : روض القرطاس (نشر طورنبرج) ص ٢٠١ ، ٢٧٨) انظر كذلك (السلاوي : الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى ج ٢ ، ص ١١).

(٣١٦) عن نظام الطراز ، راجع مقال جروهمان في دائرة المعارف الإسلامية :(Enc.Islam Iv P.٥٢٨ ـ ٤٣٨)

(٣١٧) مقصر : لعلّ معناها هنا ، آلة لغزل الأقمشة القطنية (الموسلين) ، راجع : Dozy : Suppl.,II) P.٨٥٣)

(٣١٨) المتاع المشدود أي كل ما يشد به مثل العمائم والأحزمة. راجع :(Dozy : suppl.I ,P ٧٣٧)

(٣١٩) صنعاء عاصمة اليمن كانت مشهورة بمنسوجاتها ، والمعنى هنا مجازي.

٥٩

خصّ الله مالقة بما افترق في سواها ، ونشر بها المحاسن التي طواها ، إذ جمعت بين رمث الرمال وخصب الجبال ، وقامرة (٣٢٠) الفلاحة المخصوصة بالاعتدال ، والبحر العديم الصداع ، الميسّرة مراسية للحط والإقلاع ، والصيد العميم الانتفاع ، جبالها لوز وتين ، وسهلها قصور وبساتين ، وبحرها حيتان مرتزقة في كل حين ، ومزارعها المغلّة عند اشتداد السنين ، وكفى بفحص قامرة (٣٢١) صادع بالبرهان المبين ، وواديها الكبير عذب فرات ، وأدراج مثمرات ، وميدان ارتكاض ، بين بحر ورياض.

وسلا بلد الرمال ، ومراعي الجمال ، بطيحة لا تنجب السنابل ، وإن عرفت المطر الوابل ، جرد الخارج ، وبحرها مكفوف بالعتب والمدارج وواديها ملح المذاق ، مستمد من الأجاج الزعاق ، قاطع بالرقاق من الآفاق ، إلى بعد الإنفاق ، وتوقع الإغراق. وشابلها (٣٢٢) مقصور على فصل ، وكم لشوكة من شبا نصل ، عدمت الفاكهة ، والمتنزّهات النابهة.

وإذا بان فضل البقعة ، فلنلم بذكر الشنعة ، وهو ممّا لا يحتمل فيه النزاع ، ولا تغطّى الأبصار وتطمس الأسماع. إذ مالقة دار الملك في الروم ، ومثوى المصاعب والقروم ، تشهد بذلك كتب الفتح المعلوم ، وذات ملك في الإسلام عديد الجيوش خانق الأعلام ، غني بالشهرة عن الأعلام ، سكنها ملوك الأدارسة (٣٢٣) الكرام ، والصناهجة الأعلام ، ثم بنو نصر أنصار الإسلام (٣٢٤) وجيشها اليوم مشهور الإقدام ، متعدّد المئين على مرّ الأيام

__________________

(٣٢٠) القامرة : مخازن المحصولات الزراعية ، والمقصود هنا التربة الخصبة المنتجة. انظر (Simonet : Glosario de Voces Ibericas p ٩٧)

(٣٢١) فحص قامرة : Gamara لا يزال موجودا حتى اليوم في ولاية مالقة بالقرب من بلدة انتقيره Antequera انظر (Simont : Glosario de Voces Ibericas p ٠٨)

(٣٢٢) شابل : نوع من الأسماك النهرية ومعروف في الإسبانية باسم Sabalo انظر (Dozy : Suppl.,I ,P ٤٢٧)

(٣٢٣) يقصد الحموديين أو بني حمود وهم من سلالة الأدارسة ، وقد أسسوا إمارة مستقلة في مالقة من عام ١٠١٨ إلى ١٠٥٧ م. وانتهت هذه الدولة عند ما استولى بنو زيري ملوك غرناطة على مالقة سنة ١٠٥٧. انظر (Enc.Islam.II.P ٩٦٢)

(٣٢٤) هم بنو زيري حكّام غرناطة أيام ملوك الطوائف في القرن الحادي عشر الميلادي. وهم من أصل بربري يرجع إلى قبيلة صنهاجة. انظر (Enc.Islam IV P.٨٥١) انظر كذلك (مذكرات الأمير عبد الله الصنهاجي (من مجموعة ذخائر العرب) تحقيق ليفي بروفنسال ١٩٥٦. ويعرفون كذلك ببني الأحمر وهم ملوك غرناطة آخر مملكة إسلامية في إسبانيا (١٢٣٢ ـ ١٤٩٢ م) وينسبون إلى سعد بن عبادة زعيم الأنصار وقبيلة الخزرج إذ ان جدهم الأكبر ـ كما يقولون ـ هو محمد بن يوسف بن نصر بن أحمد .. ابن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري الملقب بالأحمر (أبو الحسن النّباهي نزهة البصائر والأبصار).

٦٠