الخصائص - ج ١

أبي الفتح عثمان بن جنّي

الخصائص - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح عثمان بن جنّي


المحقق: الدكتور عبد الحميد الهنداوي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٣
ISBN: 978-2-7451-3245-1
الصفحات: ٥٤٤

ومنه قول الله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٩]. طاولت أبا على رحمه‌الله تعالى فى هذا ، وراجعته فيه عودا على بدء ، فكان أكثر ما برد منه فى اليد أنه لمّا كانت الدار الآخرة تلى الدار الدنيا لا فاصل بينهما ، إنما هى هذه فهذه ، صار ما يقع فى الآخرة كأنه واقع فى الدنيا ، فلذلك أجرى اليوم وهو الآخرة ، مجرى وقت الظلم وهو قوله : «إذ ظلمتم» ووقت الظلم إنّما كان فى الدنيا. فإن لم تفعل هذا وترتكبه بقى «إذ ظلمتم» غير متعلّق بشىء ؛ فيصير ما قاله أبو على إلى أنه كأنه أبدل «إذ ظلمتم» من اليوم ، أو كرّره عليه وهو كأنه هو.

فإن قلت : لم لا تكون «إذ» محمولة على فعل آخر ؛ حتى كأنه قال : ولن ينفعكم اليوم أنكم فى العذاب مشتركون (اذكروا) إذ ظلمتم أو نحو ذلك.

قيل : ذلك يفسد من موضعين : أحدهما اللفظ ، والآخر المعنى. أما اللفظ فلأنك تفصل بالأجنبىّ ـ وهو قوله «إذ ظلمتم» ـ بين الفعل وهو «ينفعكم» وفاعله وهو «أنكم فى العذاب مشتركون» وأنت عالم بما فى الفصل بينهما بالأجنبىّ. وإن كان الفصل بالظرف متجوّزا فيه. وأمّا المعنى فلأنك لو فعلت ذلك لأخرجت من الجملة الظرف الذى هو «إذ ظلمتم» وهذا ينقض معناها. وذلك لأنها معقودة على دخول الظرف الذى هو «إذ» فيها ، ووجوده فى أثنائها ؛ ألا ترى أن عدم انتفاعهم بمشاركة أمثالهم لهم فى العذاب إنما سببه وعلّته ظلمهم ، فإذا كان كذلك كان احتياج الجملة إليه نحوا من احتياجها إلى المفعول له ؛ نحو قولك : قصدتك رغبة فى برّك ، وأتيتك طمعا فى صلتك ؛ ألا ترى أن معناه : أنكم عدمتم سلوة التأسّى بمن شارككم فى العذاب لأجل ظلمكم فيما مضى ؛ كما قيل فى نظيره : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان : ٤٩] أى ذق بما كنت تعدّ فى أهل العز والكرم. وكما قال الله تعالى فى نقيضه : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) [الحاقة : ٢٤] ومن الأوّل قوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [البقرة : ٦١] ومثله فى الشعر كثير ، منه قول الأعشى :

على أنها إذ رأتنى أقاد

تقول بما قد أراه بصيرا (١)

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٤٥ ، ولسان العرب (عزز) ، (عمم). ـ (ما) هنا كفت الباء عن الجرّ وأحدثت معها معنى التقليل. فـ (بما) تساوى ربما. انظر المغنى فى مبحث الباء المفردة. وابن جنى هنا لا يرى ، هذا ويرى أنها هنا بمعنى البدل. أى الضعف المشاهد الآن وسوء البصر بدل ما قد مضى من القوة وصحة البصر.

٥٢١

ومنه قولهم حكاية عن الشيخ : بما لا أخشّى بالذئب ؛ أى هذا الضعف بتلك القوّة.

ومنه أبيات العجّاج [أنشدناها سنة إحدى وأربعين](١) :

إمّا ترينى أصل القعّادا

وأتّقى أن أنهض الإرعادا

من أن تبدّلت بآدى آدا

لم يك ينآد فأمسى انآدا (٢)

وقصبا حنّى حتّى كادا

يعود بعد أعظم أعوادا (٣)

فقد أكون مرّة روّادا

أطّلع النجاد فالنجادا

وآخر من جاء به على كثرته شاعرنا [فقال] :

وكم دون الثويّة من حزين

يقول له قدومى ذا بذاكا (٤)

فكشفه وحرّره. ويدلّ على الانتفاع بالتأسّى فى المصيبة قولها :

ولو لا كثرة الباكين حولى

على إخوانهم لقتلت نفسى

وما يبكون مثل أخى ولكن

أعزّى النفس عنه بالتأسىّ (٥)

ومنه قول أبى دواد :

ويصيخ أحيانا كما اس

تمع المضلّ لصوت ناشد (٦)

__________________

(١) الرجز للعجاج فى ملحق ديوانه ٢ / ٢٨٢.

(٢) الآد : القوة كالأيد. وانئاد : انثنى واعوج.

(٣) القصب : كل عظم ذى مخ.

(٤) البيتان من الوافر ، وهما بلا نسبة فى المخصص ١٦ / ٢٢.

(٥) الشعر من مرثيتها لأخيها صخر ، وانظر الديوان ٤٩. (نجار).

(٦) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لأبى دؤاد الإيادى فى ديوانه ص ٣٠٧ ، ولسان العرب (صيخ) ، (نشد) ، وجمهرة اللغة ص ٦٥٢ ، وتهذيب اللغة ٧ / ٤٧٩ ، ١١ / ٣٢٣ ، ٣٢٤ ، والمعانى الكبير ص ٧٥٣ ، وتاج العروس (صيخ) ، (نشد) ، (سمع) ، وبلا نسبة فى المخصص ١٣ / ١٥١.

٥٢٢

وهو كثير جدّا.

ولسنا نريد هاهنا الجوار الصناعىّ ؛ نحو قولهم فى الوقف : هذا بكر ، ومررت ببكر ، وقولهم : صيّم وقيّم (١) ، وقول جرير :

* لحبّ المؤقدان إلىّ مؤسى (٢) *

وقولهم : هذا مصباح ، ومقلات ، ومطعان ، وقوله :

إذا اجتمعوا علىّ وأشقذونى

فصرت كأننى فرأ متار (٣)

وما جرى مجرى ذلك. وإنما اعتزامنا هنا الجوار المعنوىّ لا اللفظىّ الصناعىّ.

ومن ذلك قول سيبويه فى نحو قولهم : هذا الحسن الوجه : إن الجرّ فيه من وجهين ، أحدهما طريق الإضافة ، والآخر تشبيهه بالضارب الرجل ، هذا مع العلم بأن الجرّ فى الضارب الرجل إنما جاءه وجاز فيه لتشبيههم إياه بالحسن الوجه ، فعاد

__________________

(١) صيّم : القياس صوّم ، ولكن العين لمجاورتها اللام اكتسبت الإعلال ؛ فإن الواو إذا وقعت لاما تقلب ياء فى الجمع ؛ نحو جثىّ وعصىّ.

(٢) صدر بيت من الوافر ، وهو لجرير فى ديوانه ص ٢٨٨ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٢ ، ٨ / ٧٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٢٩ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٦٢ ، والمحتسب ١ / ٤٧ ، وبلا نسبة فى سر صناعة الإعراب ١ / ٧٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ص ٢٠٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٨٤ ، والمقرب ٢ / ١٦٣ ، والممتع فى التصريف ١ / ٩١ ، ٣٤٢ ، ٢ / ٥٦٥. وعجزه :

* وجعدة إذ إضاءهما الوقود*

«الموقدان» و «موسى» : أثر الجوار فى البيت إبدال الواو همزة لمجاورتها للضمة قبلها ، فكأنها مضمومة ، والهمز يجوز فى الواو المضمومة ؛ نحو أجوه فى وجوه ـ انظر المغنى ، فى القاعدة الثانية من الباب الثامن.

(٣) البيت من الوافر ، وهو لعامر بن كثير المحاربى فى التنبيه والإيضاح ٢ / ٦٩ ، ولسان العرب (شقذ) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (تأر) ، (تور) ، وجمهرة اللغة ص ١٠٣١ ، ١٠٦٧ ، ١١٠٦ ، ومقاييس اللغة ٣ / ٢٠٣ ، وتهذيب اللغة ٨ / ٣١٢ ، ١٤ / ٣٠٩ ، والمخصص ١ / ١١٦ ، ١٥ / ١٤٤ ، وديوان الأدب ٢ / ٢٩٤ ، ومجمل اللغة ٣ / ٣٣٩ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٧٨.

ويروى :

* إذا غضبوا بدلا من إذا اجتمعوا*

أشقذونى : طردونى. والفرأ : حمار الوحش. ومتار : أصله متأر ، اسم مفعول من أتأره : أفزعه وطرده ؛ فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ، وكان الواجب بعد هذا حذف الهمزة فيقال : متر ، ولكنه قدّر فى الكلمة همزة ساكنة ، وأبدلها ألفا للجوار. انظر اللسان (شقذ) ، (تأر).

٥٢٣

الأصل فاستعاد من الفرع نفس الحكم الذى كان الأصل بدأ أعطاه إياه ، حتى دلّ ذلك على تمكّن الفروع وعلوّها فى التقدير. وقد ذكرنا ذلك. ونظيره فى المعنى قول ذى الرمّة :

ورمل كأوراك العذارى قطعته

إذا ألبسته المظلمات الحنادس (١)

وإنما المعتاد فى نحو هذا تشبيه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء. وقد تقدّم ذكر هذا المعنى فى باب قبل هذا لاتّصاله به. ومنه قول الآخر :

وقرّبوا كلّ جمالىّ عضه

قريبة ندوته من محمضه (٢)

وقد ذكرنا حاله ، وشرحنا الغرض فيه فى باب متقدّم ، فلا وجه لإعادته هاهنا.

وسبب تمكّن هذه الفروع عندى أنها فى حال استعمالها على فرعيّتها تأتى مأتى الأصل الحقيقىّ لا الفرع التشبيهيّ ، وذلك قولهم : أنت الأسد ، وكفّك البحر ؛ فهذا لفظه لفظ الحقيقة ، ومعناه المجاز والاتساع ؛ ألا ترى أنه إنما يريد : أنت كالأسد ، وكفّك مثل البحر. وعليه جاء قوله :

* ليلى قضيب تحته كثيب (٣) *

وإنما يريد : نصف ليلى الأعلى كالقضيب ، وتحته ردف مثل الكثيب ، وقول طرفة :

جازت القوم إلى أرحلنا

آخر الليل بيعفور خدر (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١١٣١ ، ولسان العرب (ورك) ، (جمل) ، وتاج العروس (ورك).

(٢) الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (بيض) ، (حمض) ، (نهض) ، (سنف) ، (جمل) ، (عضه) ، (ندى) ، وتاج العروس (حمض) ، (نهض) ، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٤ / ٢٢٢ ، ١٤ / ١٨٩ ، وجمهرة اللغة ص ٥٤٧ ، والمخصص ٧ / ٥٠ ، ٦٠ ، ٩٩ ، ١١ / ١٧٦ ، وكتاب الجيم ٢ / ٣٠٤ ، وكتاب العين ١ / ٩٩ ، ٨ / ٧٦ ، وديوان الأدب ٢ / ٢٥٤. وبعده :

* أبقى السناف أثرا بأنهضه*

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (قلد) ، وتاج العروس (قلد). وبعده :

* وفى القلاد رشأ ربيب*

(٤) البيت من الرمل ، وهو لطرفة بن العبد فى ديوانه ص ٥٠ ، ولسان العرب (خدر) ، (عفر) ، ـ (رحل) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٢٦٥ ، ومقاييس اللغة ٢ / ١٦٠ ، ٤ / ٣٧٢ ، ومجمل اللغة ٢ / ١٦٣ ، وديوان الأدب ٢ / ٢٣٢ ، وكتاب العين ٢ / ٣٤٢. اليعفور : ظبى تعلوه حمرة. والخدر : الفاتر العظام البطيء عند القيام.

٥٢٤

أى بشخص أو بإنسان مثل اليعفور ، وهو واسع كثير. فلمّا كثر استعمالهم إيّاه وهو مجاز استعمال الحقيقة واستمرّ واتلأبّ ، تجاوزوا به ذاك إلى أن أصاروه كأنه هو الأصل والحقيقة ، فعادوا فاستعاروا معناه لأصله فقال :

* ورمل كأوراك العذارى ... (١) *

وهذا من باب تدريج اللغة ، وقد ذكر فيما مضى. وكان أبو علىّ رحمه‌الله إذا أوجبت القسمة عنده أمرين كلّ واحد منهما غير جائز يقول فيه : قسمة الأعشى ، يريد قوله :

* فاختر وما فيهما حظّ لمختار (٢) *

وسأله مرّة بعض أصحابه فقال له : قال الخليل فى ذراع : كذا وكذا ، فما عندك أنت فى هذا (٣)؟ فأنشده مجيبا له :

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام (٤)

ويشبه هذا ما يحكى عن الشعبىّ أنه ارتفع إليه فى رجل بخص عين رجل ، ما الواجب فى ذلك؟ فلم يزدهم على أن أنشدهم بيت الراعى :

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) عجز بيت من البسيط ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٢٩ ، ولسان العرب (عبد). وصدره :

* فقال : ثكل وغدر أنت بينهما*

(٣) أى فى تسمية المذكر بذراع ، هل يصرف أو يمنع من الصرف. ورأى الخليل صرفه. اللسان (ذرع).

(٤) البيت من الوافر ، وهو للجيم بن صعب فى شرح التصريح ٢ / ٢٢٥ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٩٦ ، والعقد الفريد ٣ / ٣٦٣ ، ولسان العرب (رقش) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٧٠ ، وله أو لوشيم بن طارق فى لسان العرب (نصت) ، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤ / ١٣١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٥٣٧ ، وشرح شذور الذهب ص ١٢٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٨ ، وشرح قطر الندى ص ١٤ ، وشرح المفصل ٤ / ٦٤ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٧٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٢٠.

٥٢٥

لها ما لها حتى إذا ما تبوّأت

بأخفافها مرعى تبوّأ مضجعا (١)

فانصرف القوم مجابين. أى ينتظر بهذه العين المبخوصة ، فإن ترامى أمرها إلى الذهاب ففيها الدية كاملة ، وإن لم تبلغ ذاك ففيها حكومة.

* * *

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للراعى النميرى فى ديوانه ص ١٦٤ ، والاشتقاق ص ٢٩٥ ، وأمالى القالى ٢ / ١٤٠ ، والمزهر ٢ / ٤٤٢ ، وأمالى المرتضى ١ / ٣٢٢ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٣١ ، وتاج العروس (شرق) ، ولسان العرب (شرق). ويروى : لها أمرها بدلا من لها مالها ، ومأوى بدلا من قرعى.

٥٢٦

باب فى خلع الأدلة (١)

من ذلك حكاية يونس قول العرب : ضرب من منا ، أى إنسان إنسانا ، أو رجل رجلا ؛ أفلا تراه كيف جرّد (من) من الاستفهام ؛ ولذلك أعربها.

ونحوه قولهم فى الخبر : مررت برجل أىّ رجل. فجرّد (أيّا) من الاستفهام أيضا. وعليه بيت الكتاب :

* والدهر أيّتما حال دهارير (٢) *

أى [والدهر] فى كلّ وقت وعلى كلّ حال ، دهارير ، أى متلوّن ومتقلّب بأهله.

وأنشدنا أبو علىّ :

وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت

إلىّ وأصحابى بأىّ وأينما (٣)

قال : فجرّد (أىّ) من الاستفهام ، ومنعها الصرف ؛ لما فيها من التعريف والتأنيث. وذلك أنه وضعها علما على الجهة التى حلّتها.

فأمّا قوله : (وأينما) فكذلك أيضا ؛ غير أن لك فى (أينما) وجهين : أحدهما أن تكون الفتحة هى التى تكون فى موضع (جرّ ما) لا ينصرف ، لأنه جعله علما للبقعة أيضا ، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث ، وجعل (ما) زائدة بعدها للتوكيد.

__________________

(١) يراد بالأدلة أعلام المعانى فى العربية. فالهمزة دليل الاستفهام ، وإن دليل الشرط ، وهكذا. ويراد بالمعانى : المعانى التى تحدث فى الكلام من خبر واستخبار ونحو ذلك. وخلع الأدلة : تجريدها من المعانى المعروفة لها والمتبادرة فيها وإرادة معان أخر لها ، أو تجريدها من بعض معانيها. ومن أمثلة ذلك فى نداء لفظ الجلالة (يا الله) خلعت ال عن التعريف وإنما قصر بها التعويض عن الفاء المحذوفة إذ أصل (الله) الإله. انظر المغنى فى مبحث اللام المفردة.

(٢) سبق تخريجه.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لحميد بن ثور فى ديوانه ص ٧ (الحاشية) ، ولسان العرب (أين) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٩ ، ولسان العرب (منن) ، (أيا). ويروى : أولجت بدلا من أدلجت.

٥٢٧

والآخر أن تكون فتحة النون من (أينما) فتحة التركيب ، ويضمّ (أين) إلى (ما) فيبنى الأوّل على الفتح ؛ كما يجب فى نحو حضرموت (وبيت بيت) فإذا (أنت فعلت ذلك قدّرت) فى ألف (ما) فتحة ما لا ينصرف فى موضع الجرّ ؛ كمررت بأحمد ، وعمر. ويدلّ على أنه قد يضمّ (ما) هذه إلى ما قبلها ما أنشدناه أبو علىّ عن أبى عثمان :

أثور ما أصيدكم أم ثورين

أم تيكم الجمّاء ذات القرنين (١)

فقوله : (أثور ما) فتحة الراء منه فتحة تركيب (ثور) مع (ما) بعده ؛ كفتحة راء حضرموت ، ولو كانت فتحة إعراب لوجب التنوين لا محالة ؛ لأنه مصروف.

وبنيت (ما) مع الاسم وهى مبقّاة على حرفيّتها ؛ كما بنيت (لا) مع النكرة فى نحو لا رجل. ولو جعلت (ما) مع (ثور) اسما ضممت إليه (ثورا) لوجب مدّها ؛ لأنها قد صارت اسما ، فقلت : أثور ماء أصيدكم. وكما أنك لو جعلت (حاميم) من قوله :

* يذكّرنى حاميم والرمح شاجر (٢) *

اسمين مضموما أحدهما إلى صاحبه لمددت (حا) فقلت : حاء ميم ؛ ليصير كحضرموت.

ومثل قوله : «أثور ما أصيدكم» فى أنه اسم ضمّ إلى حرف فى قول أبى عثمان (ما أنشدناه أبو علىّ) :

ألا هيّما ممّا لقيت ، وهيّما

وويحا لمن لم يلق منهنّ ويحما

وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت

إلىّ وأصحابى بأىّ وأينما (٣)

__________________

(١) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٤٠ ، ورصف المبانى ص ٣٣٦ ، ولسان العرب (ثور) ، (قرن) ، وتهذيب اللغة ٩ / ٩٠.

(٢) صدر بيت من الطويل ، وهو للأشتر النخعىّ فى الاشتقاق ص ١٤٥ ، ولعدى بن حاتم الطائى فى حماسة البحترى ص ٣٦ ، ولشريح بن أوفى العبسىّ فى لسان العرب (حمم) ، ولعصام بن مقشعر البصرىّ فى معجم الشعراء ص ٢٧٠ ، ولسان العرب (ندم) ، والمقتضب ١ / ٢٣٨ ، ٣ / ٣٥٦. وعجز البيت :

* فهلا تلا حاميم قبل التقدّم*

(٣) البيتان من الطويل ، وهما لحميد بن ثور فى ديوانه ص ٧ (الحاشية) ، ولسان العرب (ويح) ، ـ

٥٢٨

فالكلام فى (ويحما) هو الكلام فى (أثور ما).

فأمّا قول الآخر :

وهل لى أمّ غيرها إن هجوتها

أبى الله إلا أن أكون لها ابنما (١)

فليس من هذا الضرب فى شيء ؛ وإنما هى ميم زيدت آخر ابن ، وجرت قبلها حركة الإتباع ، فصارت هذا ابنم ، ورأيت ابنما ، ومررت بابنم. فجريان حركات الإعراب على الميم يدلّ على أنها ليست (ما). وإنما الميم فى آخره كالميم فى آخر ضرزم (٢) ، ودقعم ، ودردم.

وأخبرنا أبو علىّ أن أبا عثمان ذهب فى قول الله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] إلى أنه جعل (مثل) و (ما) اسما واحدا ، فبنى الأوّل على الفتح ، وهما جميعا عنده فى موضع رفع ، لكونهما صفة لـ (حقّ).

فإن قلت : فما موضع (أنّكم تنطقون)؟ قيل : هو جرّ بإضافة (مثل ما) إليه.

فإن قلت : ألا تعلم أن (ما) على بنائها ؛ لأنها على حرفين ، الثانى منهما حرف لين ، فكيف تجوز إضافة المبنىّ؟ قيل ليس المضاف (ما) وحدها ؛ إنما المضاف الاسم المضموم إليه (ما) فلم تعد (ما) هذه أن تكون كتاء التأنيث فى نحو هذه جارية زيد ، أو كالألف والنون فى سرجان عمرو ، أو كياءي الإضافة فى بصرىّ القوم ، أو كألفي التأنيث فى صحراء زمّ ، أو كالألف والتاء فى :

* فى غائلات الحائر المتوّه (٣) *

__________________

(ثور) ، (هيا) ، (أين) ، (منن) ، (أيا) ، وتاج العروس (ويح) ، وبلا نسبة فى كتاب العين ٣ / ٣١٩ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٩. ويروى البيت الأول منهما : لم يدر بدلا من لم يلق.

(١) البيت من الطويل ، وهو للمتلمس فى ديوانه ص ٣٠ ، والأصمعيات ص ٣٤٥ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٥٨ ، ٥٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٦٨ ، والمقتضب ٢ / ٩٣ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ١١٥ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٨١٦ ، وشرح المفصل ٩ / ١٣٣ ، والمنصف ١ / ٥٨. ويروى : ذكرتها بدلا من هجوتها.

(٢) يقال ناقة ضرزم : مسنة.

(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (مثل).

٥٢٩

فهذا وجه.

وإن شئت قلت : و (ما) فى إضافة المبنىّ! ألا ترى إلى إضافة (كم) فى الخبر ؛ نحو كم عبد ملكت ، وهى مبنية ، وإلى إضافة أىّ من قول الله سبحانه (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [مريم : ٦٩] وهى مبنيّة عند سيبويه.

وأيضا فلو ذهب ذاهب واعتقد معتقد أن الإضافة كان يجب أن تكون داعية إلى البناء ؛ من حيث كان المضاف من المضاف إليه بمنزلة صدر الكلمة من عجزها ، وبعض الكلمة صوت ، والأصوات إلى الضعف والبناء ، لكان قولا!.

ومما خلعت عنه دلالة الاستفهام قول الشاعر ـ أنشدناه سنة إحدى وأربعين ـ :

أنّى جزوا عامرا سيئا بفعلهم

أم كيف يجزوننى السوأى من الحسن

أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن (١)

فأم فى أصل الوضع للاستفهام ؛ كما أنّ (كيف) كذلك. ومحال (اجتماع حرفين) لمعنى واحد ؛ فلا بدّ أن يكون أحدهما قد خلعت عنه دلالة الاستفهام.

وينبغى أن يكون ذلك الحرف (أم) دون (كيف) ؛ حتى كأنه قال : بل كيف ينفع ، فجعلها بمنزلة (بل) فى الترك (والتحوّل).

ولا يجوز أن تكون (كيف) هى المخلوعة عنها دلالة الاستفهام ؛ لأنها لو خلعت

__________________

(١) البيتان من البسيط ، وهما لأفنون بن صريم التغلبى فى شرح اختيارات المفضل ص ١١٦٤ ، وتاج العروس (سوأ) ، والبيان والتبيين ١ / ٩ ، والخزانة ١١ / ١٤٧ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (سوأ) ، وخزانة الأدب ١١ / ١٣٩ ، ١٤٢ ، والدرر ٦ / ١١١ ، وشرح شواهد المغنى ١ / ١٤٤ ، ١٤٥ ، ولسان العرب (علق) ، (رأم) ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٢٧ ، ٦ / ٢١٢ ، ٧ / ٥٢ ، ٣٢٢ ، والاشتقاق ص ٢٥٩ ، ٥٣٥ ، وجمهرة اللغة ص ٣٢٢ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٨٨ ، ٢٩٣ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٤١٨ ، وشرح المفصل ٤ / ١٨ ، والمحتسب ١ / ٢٣٥ ، ومغنى اللبيب ١ / ٤٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٣. العلوق من الإبل : التى لا ترأم ولدها ، ولا تدرّ عليه. رئمان : عطف ومحبة.

٥٣٠

عنها لوجب إعرابها ؛ لأنها إنما بنيت لتضمّنها معنى حرف الاستفهام ، فإذا زال ذلك عنها وجب إعرابها ؛ كما أنه لمّا خلعت دلالة الاستفهام عن (من) أعربت فى قولهم : ضرب من منا. وكذلك قولك : مررت برجل أىّ رجل ، لمّا خلعت عنها دلالة الاستفهام (جرت وصفا). وهذا واضح جلىّ.

ومن ذلك كاف المخاطب للمذكّر والمؤنث ـ نحو رأيتك ، وكلّمتك ـ هى تفيد شيئين : الاسمية والخطاب ، ثم قد خلع عنها دلالة الاسم فى قولهم : ذلك ، وأولئك ، وهاك ، وهاءك ، وأبصرك زيدا ، وأنت تريد : أبصر زيدا ، وليسك أخاك فى معنى ليس أخاك.

وكذلك قولهم : أرأيتك زيدا ما صنع؟ وحكى أبو زيد : بلاك والله ، وكلاك والله ، أى بلى وكلا. فالكاف فى جميع ذلك حرف خطاب مخلوعة عنه دلالة الاسمية ؛ وعليه قول سيبويه. ومن زعم أن الكاف فى (ذلك) اسم انبغى له أن يقول : ذلك نفسك. وهذا كله مشروح فى أماكنه. فلا موضع إذا لهذه الكاف من الإعراب. وكذلك هى إذا وصلت بالميم والألف والواو ؛ نحو ذلكما ، وذلكمو.

فعلى هذا يكون قول الله سبحانه : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) [الأعراف : ٢٢] (كما) من (أنهكما) منصوبة الموضع ، و (كما) من (تلكما) لا موضع لها ، لأنها حرف خطاب.

فإن قيل : فإذا كانت حرفا لا اسما فيكف جاز أن تكون الألف المنفصلة التى قبلها تأسيسا (١) فى نحو قوله :

 ...

على صدفىّ كالحنيّة بارك

ولا غرو إلا جارتى وسؤالها

أليس لنا أهل سئلت كذلك (٢)

__________________

(١) التأسيس : هو ألف بينها وبين الروىّ حرف واحد متحرك يسمى الدّخيل ، نحو (بارك) «فالألف» هى «التأسيس» و «الراء» هى «الدخيل» و «الكاف» هى «الروىّ». (الخزانة اللغوية).

(٢) عجز البيت الأول والبيت الثانى من الطويل ، وهما لطرفة بن العبد فى ديوانه ص ٧٢ ، ولسان العرب (صدف) ، (غرا) ، وتاج العروس (صدف) ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٤ ، والأصمعيات ص ١٤٩ ، والشعر والشعراء ص ١٩٩ ، والمعانى الكبير ص ٨٣٢. وصدر البيت الأول منهما :

* تردّ على الريح ثوبى قاعدا*

ويروى : لدى بدلا من علىّ. ويروى البيت الثانى : ألا هل بدلا من أليس.

٥٣١

وقول خفاف بن ندبة :

وقفت له علوى وقد خام صحبتى

لأبنى مجدا أو لأثأر هالكا

أقول له والرمح يأطر متنه

تأمّل خفافا إننى أنا ذلكا (١)

ألا ترى أن الألف فى (هالكا) و (بارك) تأسيس لا محالة ، وقد جمعهما مع الألف فى (ذلكا) [و (ذلك)] وهى منفصلة ، وليس الروىّ ـ وهو الكاف ـ اسما مضمرا (كياء قوله) (بدا ليا) ، ولا من جملة اسم مضمر كميم (كما هما). وهذا يدلّ على أن الكاف فى (ذلك) اسم مضمر لا حرف.

قيل : هذا كلام لا يدخل على المذهب فى كونها حرفا ، وقد قامت الدلالة على ذلك من عدّة أوجه.

ولكن بقى علينا الآن أن نرى وجه علّة جواز كون الألف فى (ذلك) تأسيسا ، مع أن الكاف ليست باسم مضمر.

وعلّة ذلك أنها وإن تجرّدت فى هذا الموضع من معنى الاسمية فإنها فى أكثر أحوالها اسم ؛ نحو رأيتك ، وكلّمتك ، ونظرت إليك ، واشتريت لك ثوبا ، وعجبت منك ، ونحو ذلك. فلمّا جاءت هاهنا على لفظ تلك التى هى اسم ـ وهو أقل الموضعين ـ حملت على الحكم فى أكثر الأحوال ، لا سيّما وهى هنا وإن جرّدت من معنى الاسمية فإن ما كان فيها من معنى الخطاب باق عليها ، وغير مختزل عنها. وإذا جاز حمل همزة علباء على همزة حمراء ، للزيادة ، وإن عريت من التأنيث الذى دعا إلى قلبها فى صحراوات وصحراوىّ ، كان حمل كاف (ذلك) على كاف رأيتك جائزا أيضا ، وإن لم يكن أقوى لم يكن أضعف.

وقد اتّصل بما نحن عليه موضع طريف. ونذكره لاستمرار مثله.

وذلك أن أصغر الناس قدرا قد يخاطب أكبر الملوك محلا بالكاف من غير

__________________

(١) البيتان من الطويل ، وهما لخفاف بن ندبة فى ديوانه ص ٦٤ ، ولسان العرب (جلا) ، (علا) ، وتاج العروس (جلا). علوى : اسم فرسه. خام أى جبن. يأطر متنه : أى يثنيه ويعطفه ، وذلك كسره بالطعن.

٥٣٢

احتشام منه ، ولا إنكار عليه. وذلك نحو قول التابع الصغير للسيّد الخطير : قد خاطبت ذلك الرجل ، واشتريت تينك الفرسين ، ونظرت إلى ذينك الغلامين ، فيخاطب الصاحب الأكبر بالكاف ، وليس الكلام شعرا فتحتمل له جرأة الخطاب فيه ، كقوله : لقينا بك الأسد ، وسألنا منك البحر ، وأنت السيّد القادر ، ونحو ذلك.

وعلّة جواز ذلك عندى أنه إنما لم تخاطب الملوك بأسمائها إعظاما لها ؛ إذ كان الاسم دليل المعنى ، وجاريا فى أكثر الاستعمال مجراه ؛ حتّى دعا ذاك قوما إلى أن زعموا (١) أن الاسم هو المسمّى. فلمّا أرادوا إعظام الملوك وإكبارهم تجافوا وتجانفوا عن ابتذال أسمائهم التى هى شواهدهم ، وأدلّة عليهم ، إلى الكناية بلفظ الغيبة ، فقالوا : إن رأى الملك أدام الله علوّه ، ونسأله حرس الله ملكه ، ونحو ذلك ، وتحاموا (إن رأيت) ، و (نحن نسألك) ؛ لما ذكرنا. فهذا هذا. فلمّا خلعت عن هذه الكاف دلالة الاسمية وجرّدت للخطاب ألبتّة جاز استعمالها ؛ لأنها ليست باسم فيكون فى اللفظ به ابتذال له. فلمّا خلصت هذه الكاف خطابا البتّة ، وعريت من معنى الاسمية ، استعملت فى خطاب الملوك لذلك.

فإن قيل : فهلّا جاز على هذا أن يقال للملك ومن يلحق به فى غير الشعر (أنت) لأن التاء هنا أيضا للخطاب ، مخلوعة عنها دلالة الاسمية؟ قيل : التاء فى (أنت) وإن كانت حرف خطاب لا اسما ، فإن معها نفسها الاسم ، وهو (أن) من (أنت) فالاسم على كل حال حاضر ، وإن لم تكن الكاف وليس كذا قولنا (ذلك) ؛ لأنه ليس للمخاطب بالكاف هنا اسم غير الكاف ؛ كما كان له مع التاء فى (أنت) اسم للمخاطب نفسه ، وهو (أن). فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.

ونحو من ذلك ما رآه أبو الحسن فى أن الهاء والياء فى (إيّاه) و (إيّاى) حرفان ، أحدهما للغيبة ، وهو الهاء ، والآخر للحضور ، وهو الياء. وذلك أنه كان يرى أن

__________________

(١) فى اللسان (سما): «وسئل أبو العباس عن الاسم أهو المسمى أو غير المسمى؟ فقال : قال أبو عبيدة الاسم هو المسمى ، وقال سيبويه : الاسم غير المسمى. وهى مسألة كلامية فيها اختلاف. وانظر الإنصاف المنسوب للباقلانى ٥٣ ، وتفسير البيضاوى فى سورة الفاتحة.

٥٣٣

الكاف فى (إيّاك) حرف للخطاب ، فإذا أدخلت عليه الهاء والياء فى (إيّاه) و (إيّاى) قال : هما أيضا حرفان للغيبة والحضور ، مخلوعة عنهما دلالة الاسمية فى رأيته ، وغلامى ، وصاحبى. وهذا مذهب هول. وهو ـ وإن كان كذلك ـ جار على القوّة ، ومقتاس بالصحّة.

واعلم أن نظير الكاف فى رأيتك إذا خلعت عنها دلالة الاسميّة واستقرّت للخطاب ـ على ما أرينا ـ التاء فى قمت ، وقعدت ، ونحو ذلك ، هى هنا تفيد الاسميّة والخطاب ، ثم تخلع عنها دلالة الاسمية ، وتخلص للخطاب البتّة فى أنت وأنت. فالاسم (أن) وحده ، والتاء (من بعد) للخطاب.

وللتاء موضع آخر تخلص فيه للاسميّة ألبتة ، وليس (ذلك للكاف). وذلك الموضع قولهم : أرأيتك زيدا ما صنع. فالتاء اسم مجرّد من الخطاب ، والكاف حرف للخطاب مجرّد من الاسمية. هذا هو المذهب. ولذلك لزمت التاء الإفراد والفتح فى الأحوال كلّها ؛ نحو قولك للمرأة : أرأيتك زيدا ما شأنه؟ وللاثنين ، (وللاثنتين) أرأيتكما زيدا أين جلس؟ ولجماعة المذكّر والمؤنّث : أرأيتكم زيدا ما خبره؟ وأ رأيتكنّ عمرا ما حديثه؟ فالتغيير للخطاب لاحق للكاف ، والتاء ـ (لأنه) لا خطاب فيها ـ على صورة واحدة ، لأنها مخلصة اسما.

فإن قيل : هذا ينقض عليك أصلا مقرّرا. وذلك أنك إنما تعتلّ لبناء الأسماء المضمرة بأن تقول : إنّ شبه الحرف (غلب عليها ، ومعنى الاسم بعد عنها) وذلك نحو قولك : (ذلك) وأولئك ، فتجد الكاف مخلصة للخطاب ، عارية من معنى الاسم. وكذلك التاء فى أنت وأنت عارية من معنى الاسم ، مجرّدة لمعنى الحرف.

وأنت مع هذا تقول : إن التاء فى أرأيتك زيدا [أين هو ، ونحو ذلك قد أخلصتها اسما ، وخلعت عنها دلالة الخطاب. فإذا كانت قد تخلص فى موضع اسما ؛ كما خلصت فى آخر حرفا تعادل أمراها ، ولم يكن لك عذر فى الاحتجاج بإحدى حاليها.

(قيل : إن) الكاف فى (ذلك) جرّدت من معنى الاسمية ، ولم تقرن باسم المخاطب بها. والتاء فى أرأيتك زيدا] ما صنع لم تجرّد من معنى الحرفية إلا مقترنة

٥٣٤

بما كان مرّة اسما ، ثم جرّد من معنى الاسمية ، وأخلص للخطاب والحرفيّة ، وهو الكاف فى (أرأيتك زيدا ما صنع) ونحوه. فأنت وإن خلعت عن تاء (أرأيتك زيدا ما خبره) معنى الحرفية فقد قرنت بها ما جرّدته من معنى الاسمية ، وهو الكاف بعدها ، فاعتدل الأمران باقتران الاسم ألبتّة بالحرف ألبتّة. وليس كذلك (ذلك) ؛ لأنك إنما معك الكاف المجرّدة لمعنى الخطاب ، لا اسم معها للمخاطب بالكاف ، فاعرف ذلك. وكذلك أيضا فى (أنت) قد جرّدت الاسم ، وهو (أن) من معنى الحرفية ، وأخلصت التاء ألبتّة بعده للخطاب ، كما أخلصت الكاف بعد التاء فى (أرأيتك عمرا ما شأنه) حرفا للخطاب.

فإن قلت : فـ (أن) من (أنت) لم تستعمل قطّ حرفا ، ولا خلعت دلالة الاسمية عنها ، فهذا يقوّى حكم الأسماء المضمرة ، كما أضعفها ما قدّمت أنت من حالها فى تجرّدها من معنى الاسمية وما غلب عليها من حكم الحرفيّة.

قيل : لسنا ندّعى أن كلّ اسم مضمر لا بدّ من أن يخلع عنه حكم الاسمية ويخلص للخطاب والحرفيّة ، فيلزمنا ما رمت إلزامنا إيّاه ، وإنما قلنا : إن معنى الحرفية قد أخلص له بعضها ، فضعف لذلك حكم جميعها ، وذلك أن الخلع العارض فيها إنما لحق متّصلها دون منفصلها ـ وذلك لضعف المتّصل ـ فاجترئ عليه لضعفه ، فخلع معنى الاسمية منه. وأمّا المنفصل فجار بانفصاله مجرى الأسماء الظاهرة القويّة المعربة. وهذا واضح.

فإن قلت : فى الأسماء الظاهرة كثير من المبنيّة نحو هذا ، وهذى ، [وتاك] وذلك ، والذى ، والتى ، وما ، ومن ، وكم ، وإذ ، ونحو ذلك ، فهلا لمّا وجد البناء فى كثير من المظهرة سرى فى جميعها ؛ كما أنه لمّا غلب شبه الحرف فى بعض المضمرة أجرى عليها جميعها ، على ما قدّمته؟

قيل : إن الأسماء المظهرة من حيث كانت هى الأول القدائم القويّة ، احتمل ذلك فيها ؛ لسبقها وقوّتها ؛ والأسماء المضمرة ثوان لها ، وأخلاف منها ، (ومعوّضة) عنها ، فلم تقوقوّة ما هى تابعة له ، ومعتاضة منه ، فأعلّها ما لا يعلّه ، ووصل إليها ما يقصر دونه.

٥٣٥

وأيضا فإن المضمر المتصل وإن كان أضعف من الضمير المنفصل ، فإنه أكثر وأسير فى الاستعمال منه ؛ ألا تراك تقول : إذا قدرت على المتصل لم تأت بالمنفصل. فهذا يدلّك على أن المتصل أخفّ عليهم ، وآثر فى أنفسهم. فلمّا كان كذلك وهو مع ذلك أضعف من المنفصل ، وسرى فيه لضعفه حكم ، لزم المنفصل أعنى البناء ؛ لأنه مضمر مثله ، ولا حق فى سعة الاستعمال به.

فإن قيل : وما الذى رغّبهم فى المتّصل حتى شاع استعماله ، وصار متى قدر عليه لم يؤت بالمنفصل مكانه؟

قيل : علّة ذلك أن الأسماء المضمرة إنما رغب فيها ، وفزع إليها ؛ طلبا للخفّة بها بعد زوال الشكّ بمكانها. وذلك أنك لو قلت : زيد ضرب زيدا فجئت بعائده مظهرا مثله فى ذلك إلباس واستثقال. أما الإلباس فلأنك إذا قلت زيد ضربت زيدا لم تأمن أن يظن أن زيدا الثانى غير الأوّل ، وأن عائد الأوّل متوقّع مترقّب. فإذا قلت : «زيد ضربته» علم بالمضمر أن الضرب إنما وقع بزيد المذكور لا محالة ، وزال تعلّق القلب لأجله وسببه. وإنما كان كذلك لأن المظهر يرتجل ، فلو قلت : زيد ضربت زيدا لجاز أن يتوقع تمام الكلام ، وأن يظن أن الثانى غير الأوّل ؛ كما تقول : زيد ضربت عمرا ، فيتوقّع أن تقول : فى داره ، أو معه ، أو لأجله. فإذا قلت : «زيد ضربته» قطعت بالضمير سبب الإشكال ؛ من حيث كان المظهر يرتجل ، والمضمر تابع غير مرتجل فى أكثر اللغة.

فهذا وجه كراهية الإشكال.

وأمّا وجه الاستخفاف فلأنك إذا قلت : العبيثران (١) شممته ، فجعلت موضع التسعة (٢) واحدا ، كان أمثل من أن تعيد التسعة كلها ، فتقول : العبيثران شممت العبيثران. نعم ، وينضاف إلى الطول قبح التكرار المملول. وكذلك ما تحته من العدد الثمانيّ والسباعىّ فما تحتهما ، هو على كل حال أكثر من الواحد.

فلمّا كان الأمر الباعث عليه ، والسبب المقتاد إليه ، إنما هو طلب الخفّة به ، كان

__________________

(١) العبيثران : هو نبت طيب الريح ، من نبات البادية. وتفتح الثاء فيه وتضم.

(٢) أى أحرف «العبيثران».

٥٣٦

المتصل منه آثر فى نفوسهم ، وأقرب رحما عندهم ؛ حتى إنهم متى قدروا عليه لم يأتوا بالمنفصل مكانه.

فلذلك لمّا غلب شبه الحرفية على المتصل بما ذكرناه : من خلع دلالة الاسمية عنه فى ذلك ، وأولئك ، وأنت ، وأنت ، وقاما أخواك ، وقاموا إخوتك :

و* ... يعصرن السليط أقاربه (١) *

و* قلن الجوارى ما ذهبت مذهبا (٢) *

حملوا المنفصل عليه فى البناء ؛ إذ كان ضميرا مثله ، وقد يستعمل فى بعض الأماكن فى موضعه ؛ نحو قوله :

* إليك حتى بلغت إياكا (٣) *

أى بلغتك ، وقول أبى بجيلة ، ـ وهو بيت الكتاب ـ :

كأنّا يوم قرّى إنّ

ما نقتل إيّانا (٤)

__________________

(١) جزء من البيت وهو من الطويل ، للفرزدق فى ديوانه ١ / ٤٦ ، والاشتقاق ص ٢٤٢ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٦٣ ، ٥ / ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، ٢٣٩ ، ٧ / ٣٤٦ ، والدرر ٢ / ٢٨٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٩١ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٦ ، ٦٢٦ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٩ ، ٧ / ٧ ، والكتاب ٢ / ٤٠ ، ولسان العرب (سلط) ، (دوف) ، وبلا نسبة فى الجنى الدانى ص ١٥٠ ، والخزانة ٧ / ٤٤٦ ، ١١ / ٣٧٣ ، ورصف المبانى ص ١٩ ، ٣٣٢ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٤٦ ، ولسان العرب (خطأ) ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠. وتتمة البيت :

ولكن ديافيّ أبوه وأمّه

بحوران يعصران السليط أقاربه

السليط : الزيت.

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (عيب) ، (كعثب) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٣٠٥ ، وتاج العروس (عيب) ، (كعثب). ويروى : قال بدلا من قلن. وبعده :

* وعبننى ولم أكن معيّبا*

(٣) الرجز لحميد الأرقط فى تخليص الشواهد ص ٩٢ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٨٠ ، ٢٨١ ، وشرح المفصل ٣ / ١٠١ ، ١٠٣ ، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٦٩ ، والإنصاف ص ٦٩٩ ، وتخليص الشواهد ص ٨٥ ، ورصف المبانى ص ١٣٨ ، والكتاب ٢ / ٣٦٢ ، واللمع فى العربية ص ١٨٩.

(٤) البيت من الهزج ، وهو لذى الإصبع العدوانى فى ديوانه ص ٧٨ ـ ٧٩ ، وتاج العروس (قرر) ، (حسن) ، (أيا) ، ولسان العرب (حسن) ، (أيا) ، وبلا نسبة فى المخصص ١٥ / ٨٨.

٥٣٧

وبيت أميّة :

بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت

إيّاهم الأرض فى دهر الدهارير (١)

وكذلك قد يستعمل المتّصل موضع المنفصل ؛ نحو قوله :

فما نبالى إذا ما كنت جارتنا

ألا يجاورنا إلّاك ديّار (٢)

فإن قلت : زعمت أن المتصل آثر فى نفوسهم من المنفصل ، وقد ترى إلى كثرة استعمال المنفصل موضع المتصل ، وقلّة استعمال المتصل موضع المنفصل ، فهلّا دلّك ذلك على خلاف مذهبك؟

قيل : لمّا كانوا متى قدروا على المتّصل لم يأتوا مكانه بالمنفصل ، غلب حكم المتصل ، فلمّا كان كذلك عوّضوا منه أن جاءوا فى بعض المواضع بالمنفصل فى موضع المتصل ؛ كما قلبوا الياء إلى الواو فى نحو الشروى ، والفتوى ؛ لكثرة دخول الياء على الواو فى اللغة.

ومن ذلك قولنا : «ألا قد كان كذا ،» وقول الله سبحانه : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) [هود : ٥] ، فـ (ألا) هذه فيها هنا شيئان : التنبيه ، وافتتاح الكلام ، فإذا جاءت معها (يا) خلصت افتتاحا (لا غير) ، وصار التنبيه الذى كان فيها لـ (يا)

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للفرزدق فى ديوانه ١ / ٢١٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٨٨ ، ٢٩٠ ، والدرر ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٠٤ ، والمقاصد النحويّة ١ / ٢٧٤ ، ولأميّة أو للفرزدق فى تخليص الشواهد ص ٨٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، والإنصاف ٢ / ٦٩٨ ، وأوضح المسالك ١ / ٩٢ ، وتذكرة النحاة ص ٤٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٦ ، ٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٢. ويروى : بالباعث الوارث بدلا من : بالوارث الباعث.

(٢) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ، وأمالى ابن الحاجب ص ٣٨٥ ، وأوضح المسالك ١ / ٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ١٠٠ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٣٢٥ ، والدرر ١ / ١٧٦ ، وشرح الأشمونى ١ / ٤٨ ، وشرح شواهد المغنى ص ٨٤٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٢ ، وشرح المفصّل ٣ / ١٠١ ، ومغنى اللبيب ص ٢ / ٤٤١ ، والمقاصد النحويّة ١ / ٢٥٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٧. ويروى :

وما علينا إذا ما كنت جارتنا

أن لا يجاورنا إيّاك ديّار

٥٣٨

دونها. وذلك نحو قول الله عزّ اسمه : «ألا يا اسجدوا لله» (١) [النمل : ٢٥] ، وقول الشاعر :

ألا يا سنا برق على قلل الحمى

لهنّك من برق علىّ كريم (٢)

ومن ذلك واو العطف ؛ فيها معنيان : العطف ، ومعنى الجمع. فإذا وضعت موضع (مع) خلصت للاجتماع ، وخلعت عنها دلالة العطف ؛ نحو قولهم : استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة.

ومن ذلك فاء العطف ؛ فيها معنيان : العطف ، والإتباع. فإذا استعملت فى جواب الشرط خلعت عنها دلالة العطف ، وخلصت للإتباع. وذلك قولك : إن تقم فأنا أقوم ، ونحو ذلك.

ومن ذلك همزة الخطاب فى (هاء يا رجل) ، و (هاء يا امرأة) ؛ كقولك : (هاك) و (هاك) فإذا ألحقتها الكاف جرّدتها من الخطاب ؛ لأنه يصير بعدها فى الكاف ، وتفتح هى أبدا. وهو قولك : هاءك ، وهاءك ، وهاءكما ، وهاءكم.

ومن ذلك (يا) فى النداء ؛ تكون تنبيها ، ونداء ، فى نحو يا زيد ، ويا عبد الله.

وقد تجرّدها من النداء للتنبيه ألبتّة ؛ نحو قول الله تعالى : «ألا يا اسجدوا» [النمل : ٢٥] [كأنه قال : ألا ها اسجدوا].

وكذلك قول العجّاج :

__________________

(١) والاستشهاد بالآية على تخفيف ألا. وهى قراءة الكسائى وأبى جعفر وابن عباس وآخرين. وقراءة العامة : ألّا يسجدوا ، بتشديد (ألّا).

(٢) البيت من الطويل ، وهو لمحمد بن سلمة فى لسان العرب (لهن) ، (قذى) ، ولرجل من بنى نمير فى خزانة الأدب ١٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، ٣٥١ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ١٤٤ ، وأمالى الزجاجى ص ٢٥٠ ، والجنى الدانى ص ١٢٩ ، وجواهر الأدب ص ٨٣ ، ٣٣٣ ، والدرر ٢ / ١٩١ ، وديوان المعانى ٢ / ١٩٢ ، ورصف المبانى ص ٤٤ ، ١٢١ ، ٢٣٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٧١ ، ٢ / ٥٥٢ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٦٠٢ ، وشرح المفصل ٨ / ٦٣ ، ٩ / ٢٥ ، ١٠ / ٤٢ ، ولسان العرب (أنن) ، ومجالس ثعلب ١ / ١١٣ ، ٢ / ٤١٣ ، ومغنى اللبيب ١ / ٢٣١ ، والمقرب ١ / ١٠٧ ، والممتع فى التصريف ١ / ٣٩٨ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤١.

٥٣٩

* يا دار سلمى يا اسلمى ثم اسلمى (١) *

إنما هو كقولك : ها اسلمى. وهو كقولهم : (هلمّ) فى التنبيه على الأمر.

وأما قول أبى العباس : إنه أراد : ألا يا هؤلاء اسجدوا فمردود عندنا. وقد كرّر ذلك أبو علىّ فى غير موضع ، فغنينا عن إعادته.

* * *

تم بفضل الله تعالى الجزء الأول ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثانى

 وأوله : باب فى تعليق الأعلام على المعانى دون الأعيان

* * *

__________________

(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ١ / ٤٤٢ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٤٥ ، والإنصاف ١ / ١٠٢ ، وجمهرة اللغة ص ٢٠٤ ، ٦٤٩ ، ولسان العرب (سمسم) ، وتاج العروس (سمم) ، ولرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٨٣ ، ولسان العرب (علم). وبعده :

* بسمسم وعن يمين سمسم*

٥٤٠