للسعادة ، وحيث أنه كان يحبُّ الحقيقة ، ويعشق الكمالَ والحقّ ، لذلك كان من الطبيعيّ أن يدافع عن الحق والحقيقة ، وينصرهما بكل وجوده ، وبكل قواه.
وهذا المعنى هو المستفاد من قصائد « أبي طالب » وأشعاره ، فهو يصرح بأن « محمّداً » رسولٌ كموسى وعيسى إذ يقول :
لِيَعلَم خِيارُ النّاسِ أَنَّ مُحمَّداً |
| نبيّاً كَمُوسى وَالمَسيحِ بنِ مَريَمِ |
أَتانا بِهَدي مِثلَ ما أتيا بهِ |
| فَكُلٌّ بِأمرِ اللّهِ يَهدي وَيَعصِمِ (١) |
ويقول في قصيدة اُخرى :
ألَم تَعلَمُوا أَنَّا وَجَدنا محمّداً |
| نَبِيّاً كَمُوسى خطّ في أوّل الكُتب (٢) |
هذا وتعتبر ابياته الّتي سبق أن أشرنا اليها والمئات من أمثالها مما جاء ذكره في ديوان أبي طالب ، وفي ثنايا التاريخ والتفسير والحديث شواهد حيّة وقوية على أن محرك « أبي طالب » الواقعي ودافعه الحقيقي إلى الدفاع عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان هو اعتقاده الخالص ، واسلامه الواقعي ولم يكن له أي دافع آخر سوى الايمن والعقيدة.
ونحن هنا نكشف النقابَ عن بعض مواقفه في الدفاع عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحمايته بعد اضطلاعه بعبء الرسالة ، ونترك لك أيها القارئ بأن تدقّق في مثل هذه المواقف الفدائية ثم تقضي بنفسك : هل تنبع مثل هذه التضحية ، ومثل هذا التفاني ، والفداء إلاّ من الايمان والاعتقاد؟؟
* * *
لمحات من تضحيات أبي طالب
إجتمع أسياد قريش واشرافها في بيت أبي طالب والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حاضر ، وتبودلت بين الجانبين أحاديث حول رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
١ ـ مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٧ ، الحجّة : ص ٥٦ ـ ٥٧ ، مستدرك الحاكم : ج ٢ ، ص ٦٢٣ و ٦٢٤.
٢ ـ مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٦ ، وقد نقل ابن هشام في السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٥٢ و ٣٥٣ خمسة عشر بيتاً من هذه القصيدة.