وحين قدم وفد نصارى نجران يحاجج النبيّ صلىاللهعليهوآله في دعوته إلى الإسلام وعقيدة التوحيد الخالص ، وامتنع عن قبولها رغم وضوح الحق أمر الله تعالى بالمباهلة ؛ فخرج النبيّ صلىاللهعليهوآله إليهم ومعه خير أهل الأرض تقوىً وصلاحاً ، وأعزّهم على الله مكانةً ومنزلةً ؛ عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، ليباهل بهم أهل الكفر والشرك وانحراف المعتقد ، ومُدَلّلاً بذلك ـ في نفس الوقت ـ على أنّهم أهل بيت النبوّة ، وبهم تقوم الرسالة الإسلاميّة ، فعطاؤهم من أجل العقيدة لا ينضب (١).
وما كان من النصارى إذ رأوا وجوهاً مشرقة ، وطافحة بنور التوحيد والعصمة إلاّ أن تراجعوا عن المباهلة ، وقبلوا بأن يعطوا الجزية عنيد وهم صاغرون.
لقد كانت هذه الفترة القصيرة التي عاشها الحسين عليهالسلام مع جدّه صلىاللهعليهوآله من أهمّ الفترات وأروعها في تأريخ الإسلام كلّه ، فقد وطّد الرّسول صلىاللهعليهوآله فيها أركان دولته المباركة ، وأقامها على أساس العلم والإيمان ، وهزم جيوش الشرك ، وهدم قواعد الإلحاد ، وأخذت الانتصارات الرائعة تترى على الرّسول صلىاللهعليهوآله وأصحابه الأوفياء ؛ حيث أخذ النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً.
وفي غمرة هذه الانتصارات فوجئت الاُمّة بالمصاب الجلل حين توفّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فخيّم الأسى العميق على المسلمين وبخاصة على أهل بيته عليهمالسلام الذين أضنتهم المأساة ، ولسعتهم حرارة المصيبة بغياب شخص النبيّ صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ١٨٥ ، وصحيح مسلم ، كتاب الفضائل باب فضائل علي ٢ / ٣٦٠ ، وصحيح الترمذي ٤ / ٢٩٣ ح٥ ٢٠٨ ، والمستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠.