وحينئذ يكون حاله حال النور الواحد المردّد بين كونه معلولاً لسراجين أو لسراج واحد ، أو نظير الحرارة في الماء المردّدة بين كونها معلولة لنار واحدة أو نارين ، مع فرض عدم الاختلاف في الشدّة والضعف ، فالاستصحاب فيما نحن فيه لا يحتاج إلى استصحاب القدر الجامع ، ولا إلى التعلّق بمسألة الاختلاف في الشدّة والضعف ، ولا إلى التعلّق بمسألة التسامح العرفي ، لأنّ المفروض أنّ مورد الشكّ إنّما هو في الملاك ، وهو أجنبي عن موضوعية الحكم ، حيث إنّ هذا الحكم الشرعي لم يكن ناشئاً عن دليل لفظي يدلّ على أنّ الكذب الضارّ محرّم ، كي نقول إنّ استصحاب الحرمة بعد ارتفاع الضرر يحتاج إلى التسامح المذكور ، بل إنّ هذا الحكم ناشٍ عن حكم العقل بالكذب الضارّ ، وليس ذلك الوصف قيداً في موضوع حكم العقل ، بل إنّه يكون علّة في حكم العقل على الكذب بأنّه قبيح ، فيكون الحكم الشرعي المستكشف به على وتيرته ، والمفروض أنّ العنوان لم يكن موضوعاً لذلك الحكم العقلي ، لما عرفت من كونه ملاكاً للحكم العقلي بالقبح ، فيكون من قبيل علّة الحكم.
ولا وجه لما يقال : من أنّ ملاكات الأحكام العقلية هي موضوعاتها ، كما أفاده صاحب الدرر قدسسره بقوله : وأمّا القضية الملقاة من العقل ، فليست مشتملة على شيء آخر خارج عن الموضوع يسمّى ظرفاً أو حالاً وواسطة في ثبوت الحكم ، كما كان في القضية الملقاة من الشرع الخ (١) لما هو واضح من أنّه ليس في الأحكام العقلية قوانين كلّية وقضايا حملية ، وإنّما هو محض الاستقذار والاستنكار والتنفّر
__________________
(١) درر الفوائد ١ ـ ٢ : ٥١٥.