مبحث الأقل والأكثر ، وهو أنّ عدم الوجوب المقيّد بما بعد البلوغ لا أصل له ، والثابت في حال الصغر هو عدم الوجوب المطلق ، واستصحاب عدم الوجوب المطلق لا ينفع في إثبات عدم الوجوب المقيّد بما بعد البلوغ ، لأنّ ذلك العدم الثابت فيما قبل البلوغ لا يكون إلاّبمعنى عدم الجعل لا بمعنى عدم المجعول ، أو لأنّ عدم الوجوب فيما قبل البلوغ لا يكون إلاّعدماً مطلقاً ، أمّا بعد البلوغ فلا يكون إلاّبمعنى عدم الملكة ، والمطلوب هو الثاني ، أعني عدم الوجوب في مورد يمكنه جعل الوجوب ، كما حرّرته عنه قدسسره في مبحث الأقل والأكثر فراجع (١).
نعم ، يمكن التأمّل في أخذ الوجوب الذي يراد إثبات عدمه مقيّداً بكونه الوجوب بعد البلوغ ، إذ لا داعي إلى هذا التقييد ، ولا دليل عليه ولا حاجة تدعو إليه ، لما عرفت من إمكان جرّ عدم ذات الوجوب من محلّ اليقين به إلى محلّ الشكّ فيه وهو ما بعد البلوغ ، وبذلك يكون بقاء العدم مستنداً إلى الشارع ، وبه أيضاً يقابل وجود الوجوب مقابلة العدم والملكة إن كنّا مضطرّين إلى جعله من قبيل العدم والملكة ، فلاحظ.
ولا يخفى أنّ هذه النظرية لو تمّت لم يفرّق فيها بين العدم الثابت قبل البلوغ وبين العدم الثابت بعد البلوغ ، فيما لو احتمل المكلّف البالغ أنّه قد حدث له تكليف بواسطة طروّ السبب الفلاني ، فلا وجه لقول السيّد فيما نقلناه (٢) عن تحريره أعني قوله : مع أنّ عدم الحرمة إذا كان باقياً بعد البلوغ الخ.
وكيف كان ، نقول فيما نحن فيه : إنّ الوجوب إن لم يكن موجوداً في الساعة الأُولى لا مانع من استصحاب عدمه إلى الساعة الثانية ، إلاّ إذا أخذنا
__________________
(١) الظاهر أنّه قدسسره يرجع إلى تحريراته المخطوطة عن شيخه قدسسره. وعلى أيّ حال راجع فوائد الأُصول ٤ : ١٨٦ وما بعدها.
(٢) في الصفحة : ٤٤٩.