موارد الحدث الأصغر بالنوم. الثالثة : دعوى أنّه إذا وجب عليه الوضوء لم يجب عليه الغسل ، بناءً على أنّه لا يمكن أن يكون حكمه الواقعي هو وجوب كلّ منهما ، إمّا لأجل ما أُفيد من التناقض ، وإمّا لأجل أنّه إذا حكم عليه شرعاً بأنّه داخل في من يجب عليه الوضوء ، لم يمكن أن يحكم عليه ثانياً بوجوب الغسل ، بدعوى أنّه ليس في الشريعة الجمع في الواقع بين الطهارتين ، انتهى. وقد تقدّم أيضاً أنّ هذه الجهات لو تمّت فلا تنفع في إسقاط استصحاب كلّي الحدث بعد الوضوء.
لكن الإنصاف أنّ الجهة الأُولى هي الأساس في طريقة شيخنا قدسسره ، وهي أنّ الحدث الأصغر ليس هو ذات النوم مثلاً ، بل هو ذات النوم وعدم الجنابة على نحو الاجتماع في الزمان من وجود النوم وعدم الجنابة بمفاد ليس التامّة ، والآية الشريفة حاكمة بأنّ الوضوء رافع للحدث عمّن نام ولم يجنب ، بحيث يستفاد منها رافعية الوضوء للحدث عمّن نام ولم يجنب.
وهذه الجهة ـ أعني كون الوضوء المذكور رافعاً للحدث ـ لابدّ من رعايتها ، ولأجل ذلك قال قدسسره فيما حرّرته عنه : وحينئذ يكون ترتّب ارتفاع الحدث على وجود الوضوء مع عدم الجنابة ترتّباً شرعياً ، فإذا توضّأ بعد أن جرت في حقّه أصالة عدم حدوث الجنابة ، ترتّب ارتفاع حدثه ، ولا يبقى معنى حينئذ لاستصحاب كلّي الحدث. وبعبارة أوضح يكون متوضئاً غير مجنب ، فيدخل في قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) الخ (١) ويكون ممتثلاً لهذا الأمر ، وتصحّ له الصلاة وكلّ ما هو مشروط بالطهارة ، وكذا يسوغ له ما يكون سائغاً للمتوضّي غير الجنب كمسّ المصحف ممّا يكون الحدث فيه مانعاً ، انتهى.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.