كي يتكلّم في أنّها مجعولة أو منتزعة أو أنّها ليست من الأحكام أصلاً.
قوله : وأمّا الثاني فهو عبارة عن المصداق الذي ينطبق عليه المفهوم كمصاديق الملكية والزوجية ، غايته أنّ تطبيق المفهوم على المصداق تارةً ممّا يدركه العرف ، وأُخرى لا يدركه إلاّ العالم بالواقعيات ، كما إذا لم يدرك العرف أنّ العقد الكذائي يكون سبباً للملكية إلاّ أن الشارع يرى تحقّق الملكية عقيب العقد ... الخ (١).
لا يخفى أنّه بعد البناء على أنّ الطهارة والنجاسة من قبيل الاعتبارات العرفية ، لا يكون الاختلاف بين العرف والشرع فيها راجعاً إلى التخطئة ، بل يكون راجعاً إلى الامضاء وعدمه ، ولا يصحّ القول بأنّ النجاسة في مثل الكافر لم يدركها العرف ، وإنّما أدركها العالم بالواقعيات ، لأنّ ذلك إنّما يناسب القول بأنّ الطهارة والنجاسة من الأُمور الواقعية التي يكون مرجع الاختلاف فيها بين الشرع والعرف إلى تخطئة الشارع العرف ، لاطّلاعه على الواقعيات وعدم اطّلاعهم عليها.
نعم بناءً على أنّ الطهارة والنجاسة من الأُمور الاعتبارية نظير الملكية والزوجية ، وبناءً على تبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد ، يصحّ أن يقال : إنّ الشارع لم يمض حكم العرف بطهارة الكافر ، لما يراه من المصلحة أو المفسدة الموجبة للحكم بنجاسته ، لكن هذا غير راجع إلى ما أُفيد من أنّ العرف لم يطّلعوا على المصداق ، بل هو راجع إلى أنّ العرف لم يطّلعوا على ملاك الحكم ، يعني أنّ حكمهم بطهارة بعض الأشياء التي خالفهم فيها الشارع ، وكذلك حكمهم بنجاسة البعض الآخر كان بلا جهة تقتضيه ، بل كانت الجهة فيه تقتضي العكس ، وهذا نظير حكمهم بصحّة المعاملة الربوية ونكاح زوجة الأب ، وعدم حكم الشارع
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٤٠٢.