قد اطّلع على أنّ للضرر دخلاً في ملاك حكمه المذكور ، فليس ذلك إلاّعبارة أُخرى عن أنّ الكذب مجرّداً عن الضرر غير محكوم لدى العقل بالقبح المذكور ، ولازم ذلك هو قطع العقل بعدم قبح الكذب المجرّد عن الضرر ، إذ لو كان يحتمل قبحه كان ذلك خلفاً لما فرضنا من أنّه لم يكن شاكّاً في مدخلية كلّ ما يأخذه في ملاك حكمه.
وحينئذ نقول : إنّه إذا استكشف بقاعدة الملازمة حكم الشارع بحرمة الكذب الضارّ ، لم يكن وجه لاحتمال كون دائرة موضوع الحكم الشرعي أعمّ ، إذ لو كانت كذلك ، بحيث كان الشارع قد حكم بالحرمة على مطلق الكذب وإن لم يكن ضارّاً ، لم يكن لنا محيص عن الالتزام بكون حكمه بحرمة ما لم يكن ضارّاً ناشئاً عن ملاك وهو القبح ، ولا يمكننا أن نصدّق بذلك إلاّ أن نحتمل قبح الكذب غير الضارّ ، وقد فرضنا أنّا لم نحتمل ذلك.
ولا يمكن تصحيح ذلك بأنّه يجوز أن يكون الشارع قد حكم بحرمته لملاك آخر غير الملاك الذي اطّلع عليه العقل ، فإنّ ذلك خارج عمّا هو محلّ الكلام ، لأنّه إنّما هو في ذلك الحكم الشرعي الذي نستكشفه من الحكم العقلي بقاعدة الملازمة ، دون غيره من الأحكام الشرعية.
ومن ذلك كلّه يظهر أنّ مسألة التسامح العرفي ، وأنّ ماذا يكون المدار في وحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة ، والقياس على مسألة النجاسة والتغيّر ، كلّ ذلك لا ينفع في جهة الإشكال ، لأنّ جهة الإشكال إنّما هي في قابلية الحكم
__________________
الأُخرى كافية في بقاء التحريم ، وعن ذلك يتولّد الشكّ في بقاء التحريم عند القطع بذهاب العلّة الأُولى ، وينفتح باب استصحاب الحكم الشرعي المستكشف بالحكم العقلي [ منه قدسسره ].