إيجاد الصلاة ، وإيجاد الصلاة يكون علّة في حصول المصلحة ، وبالأخرة يكون حصول تلك المصلحة خارجاً معلولاً للايجاب ، لكنّها بوجودها العلمي تكون باعثة وداعية على تشريع ذلك الايجاب ، وبهذا الاعتبار أطلق صاحب الكفاية السببية على الدلوك ، باعتبار كون ما في الصلاة عنده من المصلحة من دواعي التشريع ، فكان سبباً لتشريع الأمر.
لكن أين هذه السببية من سببيته لذات الوجوب المجعول التي لا تكون إلاّ عبارة عن كونه شرطاً أو موضوعاً للوجوب ، وأين علّة التشريع من علّة المشرَّع التي لا محصّل لها إلاّكونه موضوعاً له أو شرطاً في تحقّقه ، وهل يعقل أن يكون الدلوك علّة في نفس الوجوب بمعنى كون الوجوب من إفاضته ، نظير الاحراق الذي يكون من إفاضة النار.
ثمّ إنّك بعد أن عرفت أنّه لا معنى لسببية الدلوك للوجوب إلاّكونه شرطاً له أو كونه موضوعاً له ، تعرف أنّه لا وجه لما رتّبه عليه في مسألة الشرط المتأخّر (١) من كونه بوجوده العلمي مؤثّراً لا بوجوده الخارجي ، بل لا يكون الدلوك شرطاً حينئذ إلاّبوجوده الخارجي ، فلا يعقل كونه مؤثّراً إلاّبوجوده الخارجي ، وإلاّ لم يكن شرطاً ولا موضوعاً إلاّ إذا أخذت القضية خارجية كما شرحه شيخنا قدسسره.
ثمّ لا يخفى أنّ الدلوك لا يمكن أن يكون من دواعي التشريع ، لما عرفت من أنّ الداعي للفعل الاختياري الذي هو التشريع فيما نحن فيه هو ما يكون بوجوده الخارجي معلولاً للفعل ، وبوجوده العلمي علّة له ومن مقدّمات الارادة المتعلّقة بذلك الفعل الذي هو التشريع فيما نحن فيه ، ومن الواضح أنّ الدلوك ليس من ثمرات هذا الفعل ومعلولاته كي يكون بوجوده العلمي داعياً ومحرّكاً
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٩٣.