فصرفني عنه ، فقال : « هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم » (١) ثم حول وجهه فدخل بابا.
فانتبهت مذعورا لذلك! فقلت : يا أمير المؤمنين أمرتني أن القي علي بن موسى للسباع قال : ويلك ألقيته؟ فقلت : إي والله ، فقال : امض وانظر ماحاله فأخذت الشمع بين يدي وطالعته فإذا هو قائم يصلي ، والسباع حوله ، فعدت إليه فأخبرته فلم يصدقني ، ونهض واطلع إليه فشاهده في تلك الحال : فقال : السلام عليك يا ابن عم ، فلم يجبه حتى فرغ من صلاته ، ثم قال : وعليك السلام يا ابن عم قد كنت أرجو أن لاتسلم علي في مثل هذا الموضع فقال : أقلني فاني معتذر إليك فقال له : قد نجانا الله تعالى بلطفه فله الحمد ، ثم أمر باخراجه فاخرج فقال : فلا والله ماتبعه سبع.
فلما حضر بين يدي الرشيد عانقه ، ثم حمله إلى مجلسه ورفعه فوق سريره وقال : يا ابن عم إن أردت المقام عندنا ففي الرحب والسعة ، وقد أمرنا لك ولاهلك بمال وثياب ، فقال له : لا حاجة لي في المال ولا الثياب ، ولكن في قريش نفر يفرق ذلك عليهم ، وذكر له قوما فأمر له بصلة وكسوة.
ثم سأله أن يركبه على بغال البريد إلى الموضع الذي يحب فأجابه إلى ذلك ، وقال لي : شيعه فشيعته إلى بعض الطريق ، وقلت له ياسيدي إن رأيت أن تطول علي بالعوذة فقال : منعنا أن ندفع عوذنا وتسبيحنا إلى كل أحد ، ولكن لك علي حق الصحبة والخدمة فاحتفظ بها فكتبتها في دفتر وشددتها في منديل في كمي فما دخلت إلى أمير المؤمنين إلا ضحك إلي وقضى حوائجي ، ولا سافرت إلا كانت حرزا وأمانا من كل مخوف ، ولا وقعت في الشدة إلا دعوت بها ، ففرج عني ثم ذكرها (٢).
____________________
(١) سورة محمد الاية : ٢٢.
(٢) مهج الدعوات ص ٢٤٨.