ويرده عن العراق ، وجعله أميرا على الجماعة ، وقال : إن اصبت فالامير قيس ابن سعد.
فوصل كتاب قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها : الحبونية ، بإزاء مسكن (١) وأن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه ، وضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة فانسل عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم ، فصلى بهم قيس بن سعد ونظر في امورهم.
فازدادت بصيرة الحسن عليهالسلام بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له ، واستحلال دمه ، ونهب أمواله ، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعة أبيه وشيعته ، وهم جماعة لا يقوم لاجناد الشام.
فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ، واشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة ، فلم يثق به الحسن وعلم باحتياله بذلك واغتياله ، غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس منه من ترك الحرب ، وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمه له ، ومصيره إلى عدوه ، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة.
فتوثق عليهالسلام لنفسه من معاوية لتوكيد الحجة عليه ، والاعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين ، واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين عليهالسلام والعدول عن القنوت عليه في الصلوات وأن يؤمن شيعته ولا يتعرض لاحد منهم بسوء
____________________
(١) مسكن بكسر الكاف موضع على نهر دجيل قريبا من أوانى عند دير الجاثليق ذكره الخطيب في تاريخه ، وفى هذا المكان قتل عبدالملك بن مروان مصعب بن الزبير وفيه قبر مصعب وابراهيم بن الاشتر النخعى.