عليا عليهالسلام بالدعوة قبل الذكور كلهم ممن ظاهره البلوغ ، وافتتح بدعوته قبل أداء رسالته واعتمد عليه في إيداعه سره ، وأودعه ما كان خائفا من ظهوره عنه ، فدل باختصاصه بذلك على ما يقوم مقام قوله صلىاللهعليهوآله : إنه معجز له وإن بلوغ عقله علم على صدقه ، ثم جعل ذلك من مفاخره وجليل مناقبه وعظيم فضائله ، ونوه بذكره وشهره بين أصحابه ، واحتج له به في اختصاصه ، وكذلك فعل أميرالمؤمنين صلوات الله عليه في ادعائه له ، فاحتج به على خصومه وتمدح به بين أوليائه وأعدائه ، وفخر به على جميع أهل زمانه ، وذلك هو معنى النطق بالشهادة بالمعجز له ، بل هو الحجة في كونه نائبا بالقوم (١) بما خصه الله تعالى منه ، ونفس الاحتجاج بعلمه ودليل الله وبرهانه ، وهذا يسقط ما اعتمدوه.
ومما يدل على أن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه كان عند بعثة النبي صلىاللهعليهوآله بالغا مكلفا وأن إيمانه به كان بالمعرفة والاستدلال وأنه وقع على أفضل الوجوه وآكدها في استحقاق عظيم الثواب أن رسول الله صلىاللهعليهوآله مدحه به وجعله من فضائله وذكره في مناقبه ، ولم يك بالذي يفضل بما ليس بفضل ويجعل في المناقب ما لا يدخل في جملتها ، ويمدح على ما لا يستحق عليه الثواب ، فلما مدح رسول الله صلىاللهعليهوآله أميرالمؤمنين عليهالسلام بتقدمه الايمان فيما ذكرناه آنفا من قوله لفاطمة عليهاالسلام : « أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلما؟ » وقوله في رواية سلمان : « أول هذه الامة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب » وقوله : « لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يكن من الرجال أحد يصلي غيري وغيره » وإذا كان الامر على ما وصفناه فقد ثبت أن إيمانه عليهالسلام وقع بالمعرفة واليقين دون التقليد والتلقين ، لا سيما وقد سماه رسول الله صلىاللهعليهوآله إيمانا وإسلاما ، وما يقع من الصبيان على وجه التلقين لا يسمى على الاطلاق الديني إيمانا وإسلاما.
ويدل على ذلك أيضا أن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه قد تمدح به وجعله من مفاخره واحتج به على أعدائه ، وكرره في غير مقام من مقاماته ، حيث يقول : « اللهم إني لا أعرف عبدا لك من هذا الامة عبدك قبلي » وقوله عليهالسلام : « أنا الصديق الاكبر
____________________
(١) في المصدر : نائبا في القول.