أخلاقهم (١) ، فكيف يتوهم لبيب أن هذا العاقل الكامل وترالعرب (٢) وعلى الخصوص قريشا وساعده على سفك الدماء وإذهاق الانفس وتقلد الضغائن ابن عمه الادنى وصهره وهو يعلم أنه سيموت كما يموت الناس ويتركه بعده وعنده ابنته وله منها ابنان يجريان عنده مجرى ابنين من ظهره حنوا عليهما ومحبة لهما ويعدل عنه في الامر بعده ولا ينص عليه ولا يستخلفه فيحقن دمه ودم بنيه وأهله باستخلافه؟
ألا يعلم هذا العاقل الكامل أنه إذا تركه وترك بنيه وأهله سوقة ورعية فقد عرض دماءهم للاراقة بعده؟ بل يكون هو عليهالسلام الذي قتلهم وأشاط (٣) بدمائهم ، لانهم لا يعتصمون بعده بأمير يحميهم ، وإنما يكونون مضغة للآكل وفريسة للمفترس (٤) ، يتخطفهم الناس ويبلغ فيهم الاغراض (٥) ، فأما إذا جعل السلطان فيهم والامر إليهم فإنه يكون قد عصمهم وحقن دماءهم بالرئاسة التي يصولون بها (٦) ، ويرتدع الناس عنهم لاجلها ، ومثل هذا معلوم بالتجربة ، ألا ترى أن ملك بغداد أو غيرها من البلاد لو قتل الناس ووترهم وأبقى (٧) في نفسوهم الاحقاد العظيمة عليه ثم أهمل أمر ولده و ذريته من بعده وفسح للناس أن يقيموا ملكا من عرضهم واحدا منهم وجعل بنيه سوقة كبعض العامة لكان بنوه بعده قليلا بقاؤهم سريعا هلاكهم ، ولوثب عليهم الناس وذوو الاحقاد والتراث (٨) من كل جهة يقتلونهم ويشردونهم كل مشرد (٩) ، ولو أنه عين ولدا من أولاده للملك وقام خاصته وخدمه وخوله (١٠) بأمره بعده لحقنت دماء أهل بيته
____________________
(١) في المصدر بعد ذلك : والغرائز بحالها.
(٢) وتر فلانا : أفزعه. أصابه بظلم أو مكروه.
(٣) أشاط فلانا : أهلكه.
(٤) المضغة : القطعة التى تمضغ من لحم وغيره. وفرس الاسد فريسته : دق عنقها ، اصطادها.
(٥) تخطف الشئ : اجتذبه وانتزعه. والغرض : الهدف الذى يرمى اليه.
(٦) صال عليه : سطا عليه وقهره.
(٧) في المصدر : وألقى.
(٨) وتره ترة : أنزعه. أصابه بمكروه.
(٩) شرده : طرده ونفره. وشرد شملهم : فرق جمعهم.
(١٠) الخول : العبيد والاماء وغيرهم من الحاشية.