التنويه (١) والهيبة ، ثم لم يمنعه ذلك أن قال ـ معتذرا أو متقربا ، كلام المعظم لحقها ، المكبر لقيامها (٢) ، والصائن لوجهها ، والمتحنن عليها ـ : ما أحد أعز علي منك فقرا ، ولا أحب إلي منك غنى ، ولكن (٣) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة!.
قيل لهم : ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم ، والسلامة من الجور (٤) ، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا (٥) وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم وذلة المنتصف (٦) ، وجدة الوامق (٧) ، ومقة المحق ، وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ، ودلالة واضحة؟! وقد زعمتم أن عمر قال على منبره : متعتان كان (٨) على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : متعة النساء ومتعة الحج ، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (٩) ، فما وجدتم أحدا أنكر قوله ، ولا استشنع مخرج نهيه ، ولا خطأه في معناه ، ولا تعجب منه ولا استفهمه!.
__________________
(١) في شرح النهج والغدير : الرفعة ، بدلا من : التنوية.
(٢) في الشافي وبقية المصادر : لمقامها ، وهو الظاهر.
(٣) في شرح النهج : ولكني.
(٤) في الشافي : العمد ، بدلا من : الجور.
(٥) في الشافي : أديبا.
(٦) قال في تاج العروس في مادة نصف : يقال انتصف منه : إذا استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء.
(٧) في المصادر : وحدب الوامق ، قال في الصحاح ١ ـ ١٠٨ : حدب عليه وتحدب عليه : تعطف عليه ، وقال في القاموس ٣ ـ ٢٩٠ : ومقه ـ كورثه ـ ومقا ومقة : أحبه فهو وامق.
(٨) في المصادر : كانتا ، وهو الظاهر.
(٩) هذه من الروايات المستفيضة عند القوم إن لم نقل إنها متواترة إجمالا ـ لا معنى ـ ، انظر عنها : البيان والتبيين للجاحظ ٢ ـ ٢٢٣ ، وأحكام القرآن للجصاص ١ ـ ٣٤٢ و ٣٤٥ ، ٢ ـ ١٨٤ ، تفسير القرطبي ٢ ـ ٣٧٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢ ـ ١٦٧ و ٣ ـ ٢٠١ و ٢٠٢ ، كنز العمال ٨ ـ ٢٩٣ ، وانظر : بألفاظ مقاربة في الدر المنثور ٢ ـ ١٤٠ وغيره ، وسنوافيك بمصادر أخر في محلها المناسب بإذن الله تعالى.