وأما حمله على أن شدة الغضب والأسف والغيظ حملتها على ذلك ـ مع علمها بحقية ما ارتكبه عليهالسلام ـ فلا ينفع في دفع الفساد ، وينافي عصمتها وجلالتها التي عجزت عن إدراكها أحلام العباد.
بقي هاهنا إشكال آخر ، وهو :
أن طلب الحق والمبالغة فيه وإن لم يكن منافيا للعصمة ، لكن زهدها صلوات الله عليها ، وتركها للدنيا ، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذاتها ، وكمال عرفانها ويقينها بفناء الدنيا ، وتوجه نفسها القدسية ، وانصراف همتها العالية دائما إلى اللذات المعنوية والدرجات الأخروية ، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك ، والخروج إلى مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله.
والجواب عنه من وجهين :
الأول : أن ذلك لم يكن حقا مخصوصا لها ، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ، فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ، ليصير سببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام نعم لو كان مختصا بها كان لها تركه والزهد فيه وعدم التأثر من فوته.
الثاني (١) : أن تلك الأمور لم تكن لمحبة فدك وحب الدنيا ، بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، وهذا كان من أهم أمور الدين وأعظم الحقوق على المسلمين.
ويؤيده أنها صلوات الله عليها صرحت في آخر الكلام حيث قالت : قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة ..
وكفى بهذه الخطبة بينة على كفرهم ونفاقهم.
ونشيد ذلك بإيراد رواية بعض المخالفين في ذلك :
١٠ ـ روى ابن أبي الحديد (٢) ـ في سياق أخبار فدك ـ عن أحمد بن
__________________
(١) في ( ك ) : والثاني.
(٢) في شرحه على نهج البلاغة ١٦ ـ ٢١٤ ـ ٢١٥ ، باختلاف كثير.