من حيث كان النبي صلىاللهعليهوآله مؤتما بأبي بكر في الصلاة،ومصليا خلفه ،قلنا قد مضى ما يبطل هذا الظن ، فكيف يجعل ما هو مستحيل في نفسه حجة ، على أن الرسول صلىاللهعليهوآله عند مخالفينا قد صلى خلف عبدالرحمن بن عوف ، ولم يكن ذلك موجبا له الامامة ، وخبر صلاة عبدالرحمن بن عوف أثبت عندهم ، وأظهر فيهم من صلاته خلف أبي بكر ، لان الاكثر منهم يعترف بعز له عن الصلاة عند خروجه صلىاللهعليهوآله ، وقد بينا أن المرض لا تأثير له ، فليس لهم أن يفرقوا بين صلاته خلف عبدالرحمن وبينها خلف أبي بكر للمرض انتهى(١).
أقول : ما ذكره السيد رضي الله تعالى عنه من عزله عن الصلاة فقد عرفت اشتمال رواياتهم عليه ، إذ في بعض روايات عائشة أن رسول الله (ص) كان بين يدي أبي بكر يصلي قاعدا ، وظهر من رواياتها الاخرى التي رواها مسلم والبخاري أن أبابكر كان يسمع الناس التكبير ، وقد عرفت اعتراف شارح المواقف بذلك وتأويله ما في الروايات الاخر ، من أن الناس كانوا يصلون بصلاة أبي بكر ، بأن المراد : يصلون بتكبيره ، ولابد لهم من هذا الجمع وإلا لتناقضت رواياتهم الصحيحة ، وقد صرح بهذا التأويل بعض فقهائهم بناء على عدم جواز إمامة المأموم ، ولعله لم يقل أحد بصحة الصلاة على هذا الوجه ، وظاهر المقام أيضا ذلك ، إذ ما بال أبي بكر يقتدى برسول الله (ص) والناس يقتدون بأبي بكر مع حضوره صلىاللهعليهوآله ولم يدل دليل على عدم جواز العدول في نية الاقتداء بامام إلى الايتمام بامام آخر ، سيما الرسول صلىاللهعليهوآله وجواز العدول من الامامة إلى الايتمام حتى يجوز اقتداء أبي بكر بصلاته صلىاللهعليهوآله ولا يجوز اقتداء الناس.
على أن علم عائشة بأن الناس كانوا يأتمون بأبى بكر ، لا يخلو عن غرابة إذ يبعد أن تكون عائشة سألت الناس واحدا واحدا فأجابوا بأنا اقتدينا بأبى بكر ومجرد تأخر أفعالهم عن أفعاله على تقدير وقوعه لا يدل على إيتمامهم به وإلا لكان الناس خلف كل إمام مؤتمين بمن يرفع صوته بالتكبير ، مع أن أكثر الناس
____________________
(١) الشافى ٣٨٩ تلخيص الشافى ج ٣ ص ٣١.