والله رؤوف بالعباد(١) ».
أقول : وساق حديث الغار إلى أن قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله حين أتى الغار دعا بشجرة فأتته فأمرها أن تكون على باب الغار ، وبعث الله حمامتين فكانتا على فم الغار ، و نسج العنكبوت على فم الغار ، ثم أقبل فتيان قريش ، وكان أبوجهل قد أمر مناديا ينادي بأعلى مكة وأسفلها : من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير ، أو جاء بابن أبي قحافة أو دل عليه فله مائة بعير ، فلما رأوا الحمامتين ونسج العنكبوت على فم الغار انصرفوا فدعا النبي صلىاللهعليهوآله للحمام ، وفرض جزاءهن ، وانحدرن في الحرم ، ونهى عن قتل العنكبوت ، وقال : هي جند من جنود الله.
وروي عن عبدالله بن بريدة ، عن أبيه أن النبي صلىاللهعليهوآله كان لا يتطير ، وكان يتفأل ، وكانت قريش جعلت مائة من الابل فيمن يأخذ نبي الله صلىاللهعليهوآله فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة ، فركب بريدة(٢) في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم ، فتلقى نبي الله صلىاللهعليهوآله ، فقال نبي الله (ص) : من أنت؟ قال : أنا بريدة ، فالتفت إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ، ثم قال : وممن أنت؟ قال : من أسلم قال صلىاللهعليهوآله : سلمنا ، قال : ممن؟ قال : من بني سهم ، قال : خرج سهمك ، فقال بريدة للنبي صلىاللهعليهوآله : من أنت؟ فقال : أنا محمد بن عبدالله رسول الله ، فقال بريدة : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا فلما أصبح قال بريدة للنبي صلىاللهعليهوآله : لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء ، فحل عمامته ثم شدها في رمح ، ثم مشى بين يديه فقال : يا نبي الله تنزل علي؟ فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : إن ناقتي هذه مأمورة ، قال بريدة : الحمد لله أسلمت بنو سهم طائعين غير مكرهين (٣).
____________________
(١) البقرة : ٢٠٧.
(٢) من المدينة متوجها إلى مكة. والرجل هو بريدة بن الحصيب ابوسهل الاسلمى.
(٣) المنتقى في مولد المصطفى : الفصل الثانى في خروجه صلىاللهعليهوآله وخروج ابى بكر إلى الغار.