خلف وعتبة وشيبة بالآمر والناهي فخرج القدح الناهي ، فأجمعوا المقام حتى أزعجهم أبوجهل ، فقال : ما استقسمت ولا نتخلف عن عيرنا(١).
وروي عن حكيم بن حزام قال : ما توجهت وجها قط كان أكره إلي من مسيري إلى بدر ، ولا بان لي في وجه قط ما بان لي قبل أن أخرج ، قال : قدم ضمضم فصاح بالنفير فاستقسمت بالازلام ، كل ذلك يخرج الذي أكره ، ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مر الظهران فنحر ابن الحنظلية جزورا منها بها حياة فما بقي خبأ من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها ، فكان هذا بينا ، ثم هممت بالرجوع ، ثم أذكر ابن الحنظلية وشومه فيردني حتى مضيت لوجهي ، ولقد رأيت حين بلغنا الثنية البيضاء إذا عداس جالس عليها والناس يمرون إذ مر علينا ابنا ربيعة فوثب عليهما وأخذ بأرجلهما في غرزهما وهو يقول : بأبي أنتما وأمي إنه لرسول الله ، وما تساقان إلا إلى مصارعكما ، وإن عينيه لتسيلان دمعا على خديه ، فأردت أن أرجع أيضا ، ثم مضيت فمر به العاص بن منبه بن الحجاج فوقف عليه حين ولى عتبة وشيبة فقال : ما يبكيك؟ قال : يبكيني سيداي وسيدا أهل الوادي ، يخرجان إلى مصارعهما ، ويقاتلان رسول الله ، فقال العاص : وإن محمدا لرسول الله صلىاللهعليهوآله فانتفض عداس انتفاضة واقشعر جلده ثم بكى وقال : إي والله إنه رسول الله إلى الناس كافة ، قال : فأسلم العاص بن منبه ومضى وهو على الشك حتى قتل مع المشركين على شك وارتياب ، ويقال : رجع عداس ولم يشهد بدرا ، ويقال : شهد بدرا وقتل.
قال الواقدي : والقول الاول أثبت عندنا.
قال : فلما أجمعوا على المسير ذكروا الذي بينهم وبين بني بكر من العداوة وخافوهم على من يخلفونه ، فتصور لهم إبليس في صورة سراقة فقال : يا معشر قريش قد عرفتم شرفي ومكاني في قومي ، أنا لكم جار أن يأتيكم كنانة بشئ تكرهونه ، فخرجوا سراعا بالقيان والدفوف يتغنين في كل منهل ، وينحرون الجزر ، وخرجوا
____________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد : ٣ : ٣٢٣.