ولقد كان ذلك بحق
:
« استقبالا من
النبي لحقيقة ذاتية مستقلة ؛ خارجة عن كيانه وشعوره الداخلي ؛ وبعيدة عن كسبه أو
سلوكه الفكري أو العملي » .
وليس من الضروري
أن تتوافر هذه الظاهرة مع رغبات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الآنية أو تطلعاته النفسية الملحة ؛ فقد ينقطع عنه الوحي ؛
وقد يتقاطر عليه ، ولكنه لا يعدو الوقت المناسب في تقدير الله عزوجل ؛ وما تحويل
القبلة إلى الكعبة ؛ وإبطاء الوحي في حادثة الإفك ؛ وفترة الوحي حينا ؛ والتلبث في
قصة أهل الكهف ؛ إلا شواهد تطبيقية على ما نقول ؛ وأدلة مثبتة بأن الوحي خارج عن
إرادته ومستقل عن ذاته. ولا شك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آمن منذ اللحظة الأولى ـ بقناعة شخصية متوازنة ـ بأن ما
يوحى إليه ليس من جنس الأحلام وأضغاثها ؛ ولا من سنخ الرياضات ومسالكها ، ولا من
باب الأحاسيس القائمة على أساس من الذكاء والفطنة ، ولا من قبل التخيلات المستنبطة
من الحدس والفراسة وإنما كان بإيمان نفسي محض بأنه نبي يوحى إليه من قبل الله
تعالى ، وما الروايات والاسرائيليات القائلة بشكه في الظاهرة إلا ضرب من الأخيلة
التي لا يدعمها دليل « والحق أن وحي النبوة والرسالة يلازم اليقين من النبي
والرسول بكونه من الله تعالى على ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام » .
ويوحي الله عزوجل لملك الوحي ، ما
يوحيه الملك إلى النبي عن الله ويتسلم النبي الوحي ، فالوحي واحد هنا مع تقاسم
المسئولية وهو عام بالنسبة لكل الأنبياء ؛ وخاص بالنسبة لوحي القرآن أيضا ؛ فالملك
ويؤدي عن الله لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يتلقى ذلك الوحي من الملك ويؤدي ما يوحي به إليه إلى الناس
وكان ذلك طريق الوحي القرآني فحسب ؛ وقد صرح به القرآن الكريم بقوله تعالى :
( وَإِنَّهُ
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ
(١٩٢) نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
(١٩٤) ) .
__________________