ولقد كان ذلك بحق :
« استقبالا من النبي لحقيقة ذاتية مستقلة ؛ خارجة عن كيانه وشعوره الداخلي ؛ وبعيدة عن كسبه أو سلوكه الفكري أو العملي » (١).
وليس من الضروري أن تتوافر هذه الظاهرة مع رغبات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الآنية أو تطلعاته النفسية الملحة ؛ فقد ينقطع عنه الوحي ؛ وقد يتقاطر عليه ، ولكنه لا يعدو الوقت المناسب في تقدير الله عزوجل ؛ وما تحويل القبلة إلى الكعبة ؛ وإبطاء الوحي في حادثة الإفك ؛ وفترة الوحي حينا ؛ والتلبث في قصة أهل الكهف ؛ إلا شواهد تطبيقية على ما نقول ؛ وأدلة مثبتة بأن الوحي خارج عن إرادته ومستقل عن ذاته. ولا شك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم آمن منذ اللحظة الأولى ـ بقناعة شخصية متوازنة ـ بأن ما يوحى إليه ليس من جنس الأحلام وأضغاثها ؛ ولا من سنخ الرياضات ومسالكها ، ولا من باب الأحاسيس القائمة على أساس من الذكاء والفطنة ، ولا من قبل التخيلات المستنبطة من الحدس والفراسة وإنما كان بإيمان نفسي محض بأنه نبي يوحى إليه من قبل الله تعالى ، وما الروايات والاسرائيليات القائلة بشكه في الظاهرة إلا ضرب من الأخيلة التي لا يدعمها دليل « والحق أن وحي النبوة والرسالة يلازم اليقين من النبي والرسول بكونه من الله تعالى على ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام » (٢).
ويوحي الله عزوجل لملك الوحي ، ما يوحيه الملك إلى النبي عن الله ويتسلم النبي الوحي ، فالوحي واحد هنا مع تقاسم المسئولية وهو عام بالنسبة لكل الأنبياء ؛ وخاص بالنسبة لوحي القرآن أيضا ؛ فالملك ويؤدي عن الله لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يتلقى ذلك الوحي من الملك ويؤدي ما يوحي به إليه إلى الناس وكان ذلك طريق الوحي القرآني فحسب ؛ وقد صرح به القرآن الكريم بقوله تعالى :
( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) ) (٣).
__________________
(١) بكري أمين ؛ التعبير الفني في القرآن : ١٩.
(٢) الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن : ٢٠ / ٣٢٨.
(٣) الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤.