الضروري أن نأخذ في اعتبارنا قبل كل شيء الواقع النفسي المصاحب الذي لا يمكن أن يفسر أي تعليل مرضي ... فإذا نظرنا إلى حالة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجدنا أن الوجه وحده هو الذي يحتقن ، بينما يتمتع الرجل بحالة عادية وبحرية عقلية ملحوظة من الوجهة النفسية ، بحيث يستخدم ذاكرته استخداما كاملا خلال الأزمة نفسها ، على حين يمحى وعي المتشنج وذاكرته خلال الأزمة فالحالة إذن ليست حالة تشنج.
هذا التلازم الملحوظ بين ظاهرة نفسية في أساسها وحالة معينة هو الطابع الخارجي المميز للوحي » (١).
وهكذا كان لظاهرة الوحي عند بعض المستشرقين تفسيرات خاطئة أملاها حقد ودجل وافتراء ، فقد كان الوحي على حدّ زعمهم أثرا لنوبات الصرع التي تعتري الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان يغيب عن صوابه ، ويسيل منه العرق ، وتعتريه التشنجات ، وتخرج من فيه الرغوة فإذا أفاق من نوبته ذكر أنه أوحي إليه ؛ وتلا على المؤمنين به ما يزعم ـ أنه وحي من ربه ـ (٢) كما صنع هذا قسم من المستشرقين الألمان واليهود أمثال : فيل ؛ جولد سيهر ، وبول.
ومع ما في هذا الزعم من الكذب المضحك ، والغض المتعمد من منزلة النبي الرسالية ، فالطريف أن ينبري له المستشرقون أنفسهم ، لا سيما هنري لامنس ، وفون هامر ، وأمثالهما ، للرد عليه ، إلا أن في طليعة هؤلاء جميعا السير وليم موير ( ١٨١٩ م / ١٩٠٥ م ) (٣).
لقد فند هذا الباحث المحايد في كتابه ( حياة محمد ) مزاعم الجهلة الحاقدين وعقب على ظاهرة الوحي وأعراضها الخارجية بقوله : « وتصوير ما كان يبدو على محمد في ساعات الوحي على هذا النحو لخاطئ من الناحية العلمية أفحش الخطأ. فنوبة الصرع لا تذر عند من تصيبه أي ذكر لما مر به أثناءها ، بل هو ينسى هذه الفترة من حياته بعد إفاقته من نوبته
__________________
(١) مالك بن بني ، الظاهرة القرآنية : ١٨٢.
(٢) ظ : بكري أمين ، التعبير الغني في القرآن : ١٨.
(٣) .( ٢٩ ـ ١٤ ) life of Mohammad P Sir William Muir,