يريدك فادفعه بالقوة التي أعطاك الله إياها ، وتحصن منه (١) بأسماء الله التي خصك بعلمها وأنفذ معه مأة رجل من أخلاط الناس ، وقال لهم : كونوا معه ، وامتثلوا أمره ، فتوجه أميرالمؤمنين عليهالسلام إلى الوادي ، فلما قارب (٢) شفيره أمر المأة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم ، ثم تقدم فوقف على شفير الوادي وتعوذ بالله من أعدائه ، وسماه بأحسن أسمائه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه فقربوا وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة ، ثم رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم أن يقعوا على وجوههم لشدتها ولم تثبت أقدامهم على الارض من هول مالحقهم ، فصاح أميرالمؤمنين عليهالسلام : أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب وصي رسول الله وابن عمه اثبتوا إن شئتم ، وظهر للقوم أشخاص كالزط تخيل في أيديهم شعل النار ، قد اطمأنوا بجنبات الوادي (٣) ، فتوغل (٤) أميرالمؤمنين عليهالسلام بطن الوادي وهو يتلو القرآن ، و يؤمئ بسيفه يمينا وشمالا ، فما لبثت الاشخاص حتى صارت كالدخان الاسود ، وكبر أمير المؤمنين عليهالسلام ثم صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين تبعوه حتى أسفر الموضع عما اعتراه ، فقال له أصحاب رسول الله (ص) : ما لقيت يا أبا الحسن فقد كدنا نهلك خوفا و إشفاقا عليك؟ فقال عليهالسلام : لما تراءى لي العدو جهرت فيهم بأسماء الله فتضاءلوا ، وعلمت ما حل بهم من الجزع فتوغلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لاتيت على آخرهم ، وكفى الله كيدهم ، وكفى المسلمين شرهم ، وسيسبقني بقيتهم إلى النبي صلىاللهعليهوآله فيؤمنوا به ، وانصرف أمير المؤمنين عليهالسلام بمن معه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره الخبر فسري عنه ، ودعا له بخير ، وقال له : قد سبقك يا علي إلي من أخافه الله بك ، فأسلم وقبلت إسلامه (٥).
__________________
(١) في المصدر : تحصن منهم.
(٢) في المصدر : قرب.
(٣) في المصدر : قد اطمأنوا فأطافوا بجنبات الوادى.
(٤) توغل : ذهب وابعد
(٥) اعلام الورى : ١٠٧ و ١٠٨ ط ١ و ١٨٢ و ١٨٣ ط ٢.