وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله ، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته ، وينظر إلى أكناف السماء (١) وأقطار الارض والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكر بتلك الآيات ، ويعبد الله حق عبادته ، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لابواب السماء ففتحت ومحمد ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فانزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه (٢) وهزه وقال : يا محمد اقرء ، قال : وما أقرء؟ قال يا محمد « اقرء باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرء وربك الاكرم* الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم (٣) » ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عزوجل ثم صعد إلى العلو ونزل محمد صلىاللهعليهوآله من الجبل (٤) وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير (٥) شأنه ماركبه الحمى والنافض (٦) يقول وقداشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إياه إلى الجنون ، وإنه يعتريه شياطين (٧) ، وكان من أول أمره أعقل خلق الله (٨) ، وأكرم براياه ، وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم ، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ، ويشجع قلبه ، فأنطق الله الجبال والصخور والمدر ، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا رسول الله (٩) أبشر ، فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك و
__________________
(١) وأقطارها خ
(٢) الضبع. وسط العضد. وفى المصدر : بضبعيه. وهزه : حركه.
(٣) سورة العلق : ١ ـ ٥.
(٤) عن الجبل خ ل.
(٥) من كبر شأنه خ ل وفى المصدر : من كبرياء شأنه.
(٦) النافض : حمى الرعدة.
(٧) شيطان خ ل. وفى المصدر : الشيطان.
(٨) خليقة الله. خ ل.
(٩) زاد في المصدر : بعد قوله : رسول الله : السلام عليك يا حبيب الله ابشر ولم يذكر قوله : السلام عليك يا محمد.