« لمن شاء منكم أن يستقيم » على أمر الله وطاعته (١).
وقال في قوله : « إن الذين أجرموا » يعني كفار قريش ومترفيهم كأبي جهل و الوليد ابن المغيرة والعاص بن وائل وأصحابهم « كانوا من الذين آمنوا » يعني أصحاب النبي (ص) مثل عمار وخباب وبلال وغيرهم « يضحكون » على وجه السخرية بهم و الاستهزاء في دار الدنيا ، أو من جدهم في عبادتهم لانكارهم البعث ، أو لايهام العوام أن المسلمين على باطل « وإذا مروا » أي المؤمنون « بهم يتغامزون » أي يشير بعضهم إلى بعض بالاعين والحواجب استهزاء بهم ، وقيل : نزلت في علي عليهالسلام وذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاءوا إلى النبي (ص) فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الاصلع فضحكنا منه ، فنزلت الآية قبل أن يصل علي عليهالسلام وأصحابه إلى النبي (ص) ، قوله : « فكهين » أي إذا رجع هؤلاء الكفار إلى أهلهم رجعوا معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم « وما ارسلوا عليهم حافظين » أي لم يرسل هؤلاء الكفار حافظين على المؤمنين ما هم عليه ، وما كلفوا حفظ أعمالهم (٢).
قوله تعالى : « سنقرئك فلا تنسى » قال البيضاوي : أي سنقرئك على لسان جبرئيل أو سنجعلك قارئا بإلهام القراءة فلا تنسى أصلا من قوة الحفظ « إلا ما شاء الله » نسيانه بأن ينسخ تلاوته ، وقيل : المراد به القلة ، أو نفي النسيان رأسا « إنه يعلم الجهر وما يخفى » ما ظهر من أحوالكم وما بطن ، أو جهرك بالقراءة مع جبرئيل وما دعاك إليه من مخافة النسيان فيعلم ما فيه صلاحكم من إبقاء وإنساء « ونيسرك لليسرى » ونعدك للطريقة اليسرى في حفظ الوحي أو التدين ، ونوفقك لها ، ولهذه النكتة قال : « نيسرك » لا « نيسر لك » عطف على سنقرئك ، و « إنه يعلم » اعتراض « فذكر » بعدما استتب لك الامر « إن نفعت الذكرى » لعل هذه الشرطية إنما جاءت بعد تكرير التذكير وحصول اليأس عن البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم ، أو لذم المذكرين ، واستبعاد تأثير الذكرى فيهم ، أو للاشعار بأن التذكير إنما يجب إذا ظن نفعه ، ولذلك امر بالاعراض عمن تولى
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٣٤٥ و ٣٤٧.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٤٥٦ و ٤٥٨.