قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا ، فهم بتأجيلهم فنزلت عن الكلبي ، فقال : « وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك » إن مخففة عن الثقيلة ، والمعنى أن المشركين هموا و قاربوا أن يزيلوك ويصرفوك عن حكم القرآن « لتفتري علينا غيره » أي لتخترع علينا غير ما أوحيناه إليك ، والمعنى لتحل محل المفتري ، لانك تخبر أنك لا تنطق إلا عن وحي ، فإذا اتبعت أهوائهم أوهمت أنك تفعله بأمر الله فكنت كالمفتري « وإذا لاتخذوك خليلا » أي لتولوك وأظهروا صداقتك (١) « ولولا أن ثبتناك » أي ثبتنا قلبك على الحق والرشد بالنبوة والعصمة والمعجزات ، وقيل : بالالطاف الخفية « لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا » أي لقد قاربت أن تسكن إليهم بعض السكون ، يقال : كدت أفعل كذا ، أي قاربت أن أفعله ولم أفعله ، وقد صح عنه (ص) قوله : « وضع عن امتي ما حدثت به نفسها ما لم يعمل به أو يتكلم » قال ابن عباس : يريد حيث سكت عن جوابهم والله أعلم بنيته ، ثم توعده سبحانه على ذلك لو فعله فقال : « إذا لاذقناك ضعف الحيات وضعف الممات » أي لو فعلت ذلك لعذبناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات (٢) ، لان ذنبك أعظم ، وقيل : المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه ، قال ابن عباس : رسول الله (ص) معصوم ، ولكن هذا تخفيف لامته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شئ من أحكام الله وشرائعه « ثم لا تجد لك علينا نصيرا » أي ناصرا ينصرك (٣).
وقال الرازي : احتج الطاعنون في عصمة الانبياء عليهمالسلام بهذه الآية بوجوه :
___________________
(١) فيه حذف واختصار والموجود في المصدر هكذا معناه وإنك لو أجبتهم إلى ما طلبوا منك لتولوك وأظهروا خلتك أى صداقتك لموافقتك معهم ، وقيل : من الخلة التى ، هى الحاجة أى فقيرا محتاجا إليهم ، والاول أوجه.
(٢) في المصدر : أى مثلى ما نعذب به المشرك في الدنيا ، ومثلى ما نعذب به المشرك في الاخرة لان ذنبك يكون أعظم.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٤٣١ و ٤٣٢ أقول : الاية وأمثالها تدل على انه تعالى امتن عليه باعطائه ملكة العصمة وتثبيته بها عن الوقوع في المعاصى : ولولا أن الله عصمه ، وتركه على حالة البشريةوطبعها لركن إليهم قليلا ، فليس فيها دلالة على صدور ذنب أو مقاربته له.