في كتابه : « لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (١) » فأنز الله (٢) عزوجل أن لا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة ، وما كان ذلك لنبي قط ، قال الله عز وجل : « يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة (٣) » ثم وضعها عنهم بعد أن فرضها عليهم برحمته (٤).
٢٦ ـ سن : أبوإسحاق الثقفي ، عن محمد بن مروان ، عن أبان بن عثمان ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام : التوحيد والاخلاص وخلع الانداد والفطرة الحنيفية (٥) السمحة ، لا رهبانية ولا سياحة (٦) ، احل فيها الطيبات ، وحرم فيها الخبيثات ، ووضع عنهم
____________________
(١) التوبة : ١٢٨.
(٢) في المصدر : وأنزل الله.
(٣) المجادلة : ١٢.
(٤) الاحتجاج : ٢٨ و ٢٩ ، وفيه : بعد أن افترضها عليهم برحمته ومنته ، وأخرجه المصنف ، أيضا في كتاب الاحتجاجات. راجع ٩ : ٢٩٨ ـ ٢٩٢. وذكر هنا وجها لذكر عيسى عليهالسلام و أكل الجدى.
(٥) والحنفية خ ل ، وهو الموجود في المصدر. والسمحة : السهلة.
(٧) قد كانت الرهبانية وهي الاعتزال عن الناس إلى دير أو كهف أو مغارة للتعبد والسياحة في الامصار وهي التعطل عن المشاغل وعدم الدخول فيما يهم المجتمع من الصناعات والتجارات ما شاعت في النصارى ، وكانت بدعة ابتدعوها في دين المسيح عليهالسلام ولم تكن في دينه ، ثم انتشرت منهم في البلاد والمذاهب حتى جاء الاسلام ، فرأى أنها جريمة تضر بالمجتمع ، وتهدم أساس الحضارة ، وتبطل حقوق الانسانية ، ونواميس البشرية مع أن الله تعالى وضع الاديان حفظا لنواميس الاجتماع ، وابقاء للنوع الانساني ، فهدم صلىاللهعليهوآله أساس الرهبنة ، وانقض اركانه فقال : « لا رهبانية ولا سياحة » ووضع أساس الدين على ما يصلح به الدنيا والاخرة ، و شرع قوانين يفوز عامله في الدارين جميعا ، فلم يكن حثه على الصلاة مثلا بأكثر من حثه على التجارة والزراعة والنكاح ، ولم يكن نظره إلى ما يصلح به الدنيا أقصر من نظره إلى ما يصلح الاخرة به ، وكان يصف نفسه بذى العينين إيعازا إلى ذلك ، هذا ما جاء به نبي الاسلام نبى الرحمة والحكمة ، وأما المسلمون فلم نعلم كيفما غفلوا عن هذا النواميس الاسلامية وقوانينها وتعليم نبيهم فكيف أثر فيهم ما كان نبيهم يحذرهم عنه؟ كيف أثر فيهم تعاليم الرهبنة؟ ومن أين اعدوا من هذا الداء المزمن والسم الناقع؟ فأصبحوا مستضعفين في الارض ، مقهورين في أيدي من كانوا يسودون عليهم في الامس ، سبحانك اللهم ما جزيتنا إلا بسوء أعمالنا وبرفضنا تعاليم نبيك ، نسيناك فأنسيتنا أنفسنا ، و ما تجازى إلا الكفور.