من بنات الملوك يظهر في وجهه الامتناع ، وقال أبوه : ما تقول يا بني فيما سمعت؟ فوالله ما في بنات أهل مكة مثلها ، لانها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة ، عاقلة دينة (١) ، فسكت عبدالله ولم يرد جوابا ، فعلم أبوه أنه قد مال إليها ، فقال عبدالمطلب : قد قبلنا دعوتكم ، وأجبنا ورضينا بابنتكم ، قالت فاطمة زوجة عبداللمطلب : أنا أمضي معك إليها (٢) حتى أنظر إلى آمنة ، فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها ، فرجعت برة مسرورة بما سمعت ، ثم سارت إلى زوجها مسرعة وبشرته وسمعت ام آمنة هاتفا في الطريق يقول : ( بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا ، قد قرب خروج المصطفى ) ، فدخلت على زوجها فقال : وما وراءك؟ قالت : لقد سعدت سعادة علا قدرك في جملة العالمين ، اعلم أن عبدالمطلب قد رضي بابنتك (٣) ، ولكن مع الفرح ترحة ، قال : وما هي؟ قالت : إن فاطمة خارجة تنظر إلى ابنتك آمنة ، فإن رضيت بها وإلا لم يكن شيئا (٤) ، وإني أخاف أن لا ترضى بها ، فقال لها وهب بن عبدمناف : اخرجي هذه الساعة إلى ابنتك وزينيها وألبسيها أفخر الثياب وقلديها أفخر ما عندك ، فعسى ولعل ، فعمدت برة إلى بنتها وألبستها أفخر ما عندها من الثياب ، والحلي ، وضفرت شعرها (٥) ، وأرخت ذوائبها (٦) على أكتافها ، وقالت لها : يا ابنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها أحسن الادب ، وارغبي في النور الذي في وجه ولدها عبدالله ، فبينما هما في ذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل ، وإذا بعبد المطلب (٧) فأدخلوا فاطمة ، فقامت له آمنة إجلالا وتعظيما ورحبت بها أحسن
_________________
(١) أديبة خ ل وهو الموجود في المصدر.
(٢) وأجبنا مسألتكم ، ورضينا لعبد الله ابنتكم وسأمضى إليها.
(٣) في المصدر : قالت له : يا هذا لقد سعدت ، وسعد جدك ، وعلافى الناس ذكرك ومجدك ، وشاع فخرك وارتفع قدرك ، وقد رضى عبدالمطلب ابنتك.
(٤) في المصدر : فان رضيت تمت المصاهرة ، وان لم ترضاها فماتمت المصارهرة.
(٥) ضفر الشعر : نسج بعضها على بعض عريضا.
(٦) الذوائب جمع الذؤابة : شعر في مقدم الرأس.
(٧) وولده عبدالله خ ل وفي المصدر : وإذا بعبدالله ووالده.