ومعه عشرون ألف فارس ، وقال : امض بمن معك ، وانزل على الكعبة ، وخذ رجالها ونسائها ولا تقتل منهم أحدا حتى آتيك ، فإني اريد أن اعذبهم عذابا شديدا لم يعذب به أحد من العالمين ، قال : فسار بجيشه سيرا عنيفا يقطع الفيافي والقفار ، ويجوز السهل والوعار ، ولم يقروا ولم يهدءوا (١) حتى نزلوا ببطن مكة ، فلما سمع أهل مكة أنه قد نزل بهم صاحب الفيل جمعوا أموالهم وأهليهم ودوابهم وهموا بالخروج من مكة هاربين من أصحاب الفيل ، فلما نظر إليهم عبدالمطلب قال لهم : يا قوم أيجمل منكم (٢) هذا الامر؟ وإنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم ، قالوا له : إن الملك أقسم بمعبوده أن لابد له من ذلك أن يهدم الكعبة ، ويرمي أحجارها في البحر ، ويذبح أطفالها ، ويرمل نسائها ، ويقتل رجالهخا ، فاتر كنا نخرج قبل أن يحل بنا الويل ، فقال لهم عبدالمطلب : إن الكعبة لا يصلون إليها ، لان لها مانعا يمنعهم عنها ، وصادا يصدهم عنها ، فإن أنتم التجأتم إليها واعتصمتم بها فهو خير لكم ، فلو تطمئن القلوب (٣) إلى كلامه ، وغلب عليهم الخوف والجزع ، وخرجوا هاربين يطلبون العاب ، ومنهم من طلب الجبال ، ومنهم من ركب البحر ، قال : فعند ذلك قالوا لعبد المطلب : ما يمنعك أن تهرب مع الناس؟ قال : أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه ، فوالله لا برحت من مكاني ولا نأيت (٤) عن بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء ، قال : ولم يبق يومئذ بمكة إلا عبدالمطلب وأقار به وهم غير آمنين على أنفسهم ، فلما نظر عبدالمطلب إلى الكعبة خالية وديارها خاوية قال : ( اللهم أنت أنيس المستوحشين ولا وحشة معك ، فالبيت بيتك و ، والحرم حرمك ، والدار دارك ، ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء (٥) ، ورب الدار أولى بالدار ) قال : وأقام الاسود بن (٦)
_________________
(١) السهل : الارض الممتدة المستقيم سطحها. والوعر : ضدها. قوله : ( لم يهدؤا ) أى لم يسكنوا.
(٢) أيحمدبكم خ ل.
(٣) في المصدر : فلم يطمئن القوم. وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة.
(٤) في المصدر : ولا باينت.
(٥) في المصدر : من تشاء ، وكذا في نسخة على ما اثبته المصنف في الهامش.
(٦) في المصدر : الشمر بن المقصود.