من خرج إلى الابطح أبوجهل ، ثم بعث عبيده إلى سادات قريش فقدموا عليه ، فلما ارتفع النهار ضاق الابطح من كل جانب ، فقام أبوجهل ونادى : يا آل غالب ، يا آل طالب ، يا ذوي العلا (١) والمراتب ، أترضون لانفسكم أن ترموا بالمناكب ، كما ذكر أبوطالب؟ إن هذا من العجائب ، لنقل جلاميد الصفا إلى البحر الاقصى أيسر مما ذكر سطيح : أنه سيظهر من بني عبد مناف نبي عن قليل ، يرمينا بالبوار والتنكيل (٢) ، تبا لكم إن كانت أنفسكم بما ذكره راضية ، وإلى ما أخبر به واعية (٣) ، فإن رضيتم بذلك فمن الآن عليكم مني السلام ، وأنا راحل عنكم خارج عن أرضكم ، فمجاورة الترك (٤) أحب إلي من المقام عندكم ، ثم تركهم ومضى ، فضجت المحافل ، وبقي الابطح يموج بأهله ، فمضوا إليه وقالوا له : يا أبا الحكم أنت السيد فينا (٥) ، وإن رأينا رأيك ، وأمرنا إليك ، فقال : إني أرى من الرأي أن نتحضروا منزل (٦) أبي طالب ، وتخاطبوه في قول هذا الكاهن ، لئلا يكون سبب العداوة بيننا وبينه ، فإما أن يسلم إلينا سطيحا ، أو يخرجه من أرضنا ، فإن أبى كان السيف أمضى ، والموت أقضى ، وأنشد شعرا :
لضرب عنقي بسيفي ، يا قوم عمدا بكفي |
|
وقطع أحجار أرض ، إلى قرار بخسف |
أولى وأهون عندي ، من أن ارام بعسف
فلما بلغ أبا طالب مقالة أبي جهل جمع إخوته وأقاربه وقال : تجللوا بالسلاح ، واستعدوا للكفاح (٧) ، وقال : إني أرى دماء قد غلت ، وآجالاً قد قربت ، ثم سار
_________________
(١) هكذا في الكتاب ، ولعله مصحف العلاء أو العلى.
(٢) في المصدر زيادة هى : ويوعدنا بالذل الطويل.
(٣) داعية خ ل.
(٤) الشوك خ ل.
(٥) في المصدر : من المقام في هذه الدار التى يحل لنا فيها الذلة ولاصغار والقلة ، ثم تركهم ومضى إلى منزله ، وعزم على الرحيل ، قال : فقالوا : يا أبا الحكم ما هذا الذى قد حولت ، والحال الذى عزمت؟ فانت السيد فينا.
(٦) مجلس خ ل وهو الموجود في المصدر.
(٧) الكفاح : المواجهة للحرب.