عقلي قد طار ، ولبي قد حار ، من أجل هذه الانوار ، وإني أرى أمرا جليلا ، وقد دنا مني الرحيل ، بلا شك عن قليل ، قالوا له : وكيف ظهر لك ذلك يا سطيح؟ قال : يا ويلكم إني رأيت أنوارا قد نزلت من السمآء إلى الارض ، وأرى الكواكب بقد تساقطت إلى الارض وتهافتت (١) ، وإني أظن أن خروج الهاشمي قددنا ، فإن كان الامر كذلك فالسلام على الوطن (٢) من أهل الامصار واليمن ، إلى آخر الزمن ، فحار غلمانه من كلامه ، وأنزلوه ، وقد أرق (٣) تلك الليلة أرقا ، وأصبح قلقا ، لم يتهنأ برقاد ، ولم يوطأ له مهاد ، كثير الفكر والسهاد (٤) ، وجمع قومه وعشيرته وقال لهم : إني أرى أمرا عظيما ، وخطبا جسيما ، وقد غاب عني خبره ، وخفي علي أثره ، وسأبعث إلى جميع إخواني من الكهان ، فكتب إلى سائر البلدان ، وكتب (٥) إلى وشق يخبره (٦) عن الحال ، وبشرح له المقال ، فرد عليه الجواب ، قد ظهر عندي بعض الذي ذكرت ، وسيظهر نور الذي وصفت ، غير أني لا علم لي فيه ، ولا أعرف شيئا من دواعيه ، فعند ذلك كتب إلى الزرقآء ملكة اليمن ، وكانت من أعظم الكهنة والسحرة (٧) ، قد ملكت قومها بشرها وسحرها ، وكان المجاورون لها آمنين في معايشهم ، لا يخافون من عدو ، ولا يجزعون من احد ، وكانت حادة البصر ، عظيمة الخطر ، تنظر من مسيرة ثلاثة أيام ، كما ينظر الانسان الذي بين يديه ، وإذ أراد أحد من أعدائها الخروج إلى بلدها تخبر قومها ، وتقول : احذروا فقد جاءكم عدوكم من جهة كذا وكذا ، فيجدون الامر كما ذكرت.
قال أبوالحسن البكري : ولقد بلغني أن أهل اليمامة قتلوا قتيلا من غسان وكان قد قتلمنهم رجلا قبل ذلك فبلغ قومه قتله فاجمعوا أن يكبسوا (٨) قومها في أربعة آلاف
_________________
(١) أى تساقطت.
(٢) على الوطن وعلى اليمن خ ل ومثله موجود في المصدر ، الا أن فيه : واليمن.
(٣) أرق : ذهب عنه النوم في الليل.
(٤) الرقاد : النوم. والسهاد : اليقظة والارق.
(٥) في المصدر : فلما أصبح جمع قومه إه. وفيه : وإلى سائر البلدان ، فكتب اه.
(٦) يسأله خ ل وهو الموجود في المصدر.
(٧) في المصدر هنا زيادة هى : عظيمة الشر ، بعيدة الخير.
(٨) أى يهجموا عليهم فجأة.