أن تسلمها إلى محمد (ص) إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له : اعلم أني ما طلبت على ظهر هذه الفرس شيئا إلا وجدته ، وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلا نجاني الله تعالى منه ، وأما البغلة فإني كنت أقطع بها الدكداك والجبال لحسن سيرها ، ولا أنزل عنها ليلي ونهاري ، فامره أن يتحفظ ويجعلها لي تذكرة ، وبلغه عني التحية الكثيرة ، فقال عبدالمطلب : السمع والطاعة لامر الملك ، ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة ، فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم ، فخرج الناس يستقبلونهم ، وخر جأولاد عبدالمطلب وقعد البني على صخرة وقد ألقى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى تقارب عبدالمطلب ، فنظر أولاده إليه وقالوا : يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا ورجعت شابا ، قال : نعم أيها الفتيان ساخبركم بماذكرتم ، ثم قال لهم : أين سيدي محمد؟ فقالوا : إنه قعد في بعض الطريق ينتظركم ، ثم إن عبدالمطلب سار نحوه حتى وصل إليه مع أصحابه ، فنزل عن مركوبه وعانقه وقبل ما بين عينيه ، وقال له : إن هذا الفرس والبغلة والناقة أهداها إليك سيف بن ذي يزن ، ويقرء عليك التحية الطيبة ، ثم أمر أن يحمل رسول الله صلىاللهعليهوآله على الفرس ، فلما استوى النبي صلىاللهعليهوآله على ظهر الفرس انتشط وصهل صهيلا شديدا فرحا برسول الله صلىاللهعليهوآله ، ونسب هذا الفرس إنه عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح ، أمر الله تعالى قال : كن ، فكان بأمره.
قال الواقدي : وأخذ ابوطالب بلجام فرسه ، وحف برسول (ص) أعمامه ، فقال (ص) : خلوا عني فإن ربي يحفظني ويكلاني (١) ، فخلوا عنه ، فدخل النبي صلىاللهعليهوآله إلى مكة على حالته ، فشاع خبره في قريش وبني هاشم ، فتعجب من أمره الخلق ، وبقي البني صلىاللهعليهوآله فرحا مسرورا عند عبدالمطلب.
قال الواقدي : ودب النبي (ص) ودرج وأتى عليه ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام فعندها اعتل عبدالمطلب علة شديدة فأمر أن يحمل سريره إلى عند البيت الحرام ، وينصب هناك عند أستار الكعبة ، وكان لعبدالمطلب سرير من خيزران أسود ورثه من جده عبد مناف ، وكان السرير له شبكات من عاج وآبنوس وصندل وعود أحسن ما يكون إحكاما
_________________
(١) كلا الله فلانا : حرسه وحفظه.