عن النبي (ص) أنه صلى صلاة فقال : إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني الله منه فودعته (١) ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية (٢) حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين فذكرت قول سليمان « رب هب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي » فرده الله خاسئا خائبا. أورده البخاري ومسلم في الصحيحين انتهى. (٣)
وقال الرازي : أجاب القائلون بأن الشيطان استولى على مملكته معناه أن يعطيه الله ملكا لايقدر الشياطين أن يقوموا مقامه ويسلبونه منه ، ثم قال بعد ماذكر بعض الاجوبة السابقة : الثالث أن الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق من الاحتراز عنها حال عدم القدرة عليها ، فكأنه قال : يا إلهي أعطني مملكة فائقة على ممالك البشر بالكلية حتى أحترز عنها مع القدرة عليها ليصير ثوابي أكمل وأفضل.
الرابع : من الناس من يقول : الاحتراز عن لذات الدنيا عسر صعب لان هذه اللذات حاضرة وسعادات الآخرة نسيئة ، والنقد يصعب بيعه بالنسيئة ، فقال سليمان : أعطني يارب مملكة تكون أعظم الممالك الممكنة للبشر حتى أني أبقى مع تلك القدرة الكاملة في غاية الاحتراز ليظهر للخلق أن حصول الدنيا لايمنع من خدمة المولى (٤) انتهى.
وذكر البيضاوي وجها آخر وهو أن المعنى : لاينبغي لاحد من بعدي لعظمته ، كقولك : لفلان ماليس لاحد من الفضل والمال ، على إرادة وصف الملك بالعظمة ، لا أن لا يعطى أحد مثله. (٥)
اقول : بعد ثبوت عصمة الانبياء وجلالتهم لابد من حمل ماصدر عنهم على محمل صحيح مجملا وإن لم يتعين في نظرنا ، وما ذكر من الوجوه محتملة وإن كان بعضها لايخلو من بعد ، وما ذكره الطبرسي أولا أظهر الوجوه ، (٦) ويمكن أن يقال : المنع عن غيره
__________________
(١) اي فتركته.
(٢) السارية : الاسطوانة.
(٣) مجمع البيان : ٨ : ٤٧٦ ٤٧٧.
(٤) مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٧.
(٥) انوار التنزيل ٢ : ٣٤٦.
(٦) ويحتمل وجه آخر وهو أنه سأل الله أن يعطيه ملكا كذلك حتى يشكر عليه فيستحق بذلك