وأحقاد الجاهلية ، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته ونزغاته ونفثاته ، واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم ، وإلقاء التعزز تحت أقدامكم ، و خلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا ورجلا وفرسانا ، ولا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه من غير مافضل جعله الله فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد ، وقدحت الحمية في قلبه من نار الغضب ، ونفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر الذي أعقبه الله به الندامة ، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة.
ألا وقد أمعنتم في البغي ، وأفسدتم في الارض مصارحة لله بالمناصبة ، ومبارزة للمؤمنين بالمحاربة ، فالله الله في كبر الحمية ، وفخر الجاهلية ، فإنه ملاقح الشنآن (١) ومنافخ الشيطان اللاتي (٢) خدع بها الامم الماضية ، والقرون الخالية ، حتى أعنقوا في حنادس جهالته ، ومهاوي ضلالته ذللا على سياقه ، سلسا في قياده أمرا تشابهت القلوب فيه وتتابعت القرون عليه وكبرا تضايقت الصدور به.
ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم ، وألقوا الهجينة على ربهم ، وجاحدوا الله على ماصنع بهم ، مكابرة لقضائه ، ومغالبا لآلائه ، فإنهم قواعد أساس العصبية ، ودعائم أركان الفتنة ، وسيوف اعتزاء الجاهلية ، فاتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا ، ولا لفضله عندكم حسادا ، ولا تطيعوا الادعياء (٣) الذين شربتم بصفوكم كدرهم ، وخلطتم بصحتكم مرضهم ، وأدخلتم في
__________________
(١) الملاقح جمع ملقح كمكرم : الفحول التي تلقح الاناث وتستولد الاولاد. والشنآن : البغض.
(٢) في المصدر : التي.
(٣) الادعياء جمع الدعى : من تبنيته أي جعلته لك ابنا. المتهم في نسبه. الذي يدعى غير أبيه أو غير امه. ولعل المراد هنا المعنى الثاني والمراد منهم الاخساء المنتسبون إلى الاشراف ، و الاشرار المنتسبون إلى الاخيار. قوله : ( شربتم بصفوكم كدرهم ) لعل المراد من الصفو الاصالة والشرف او الخلوص في العمل ، ومن الكدر مايقابلهما ، والمعنى انهم استفادوا من شرفكم وأصالتكم أو أنهم خلطوا صافى أخلاصكم بكدر نفاقهم.