طعامهم وشرابهم فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل ، فلما أخبرهم فزعوا و وقعوا سجودا يتضرعون إلى الله تعالى ، فقال يمليخا : يا إخوتاه ارفعوا رؤوسكم فاطعموا منه ، وتوكلوا على ربكم ، فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع حزنا وخوفا على أنفسهم فطعموا منه ، وذلك مع غروب الشمس ، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكر بعضهم بعضا فبيناهم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف ، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف ، فأصابه ما أصابهم ونفقتهم عند رؤوسهم ، فلما كان من الغد تفقدهم دقيانوس فأرسل إلى آبائهم فسألهم عنهم ، فقالوا له : أما نحن فلم نعصك ، فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا بأموالنا فأهلكوها في أسواق المدينة؟ ثم انطلقوا (١) فارتقوا إلى جبل يدعى ينجلوس فأمر بالكهف أن يسد عليهم ، وقال : دعوهم كما هم في الكهف يموتوا جوعا وعطشا.
ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك يكتمان إيمانهما اسمهما يندروس و روياس ائتمرا أن يكتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوح من رصاص ، ثم يجعلانه في تابوت من نحاس ، ثم يجعلان التابوت في البنيان ، وقالا : لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب ، ففعلا ثم بنيا عليه ، فبقي دقيانوس مابقي ثم مات وقومه ، وقرون بعده كثيرة ، وخلفت الملوك بعد الملوك.
وقال عبيد بن عمير : كانوا فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب ، وكان معهم كلب صيدهم ، فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم وقد قذف الله في قلوبهم الايمان ، وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل منهم إيمانه من أصحابه فتفرقوا وعزم كل منهم على أن يخرج من بين القوم ، فاجتمعوا تحت شجرة فأظهروا أمرهم فإذا هم على أمر واحد ، فانطلقوا إلى الكهف ، ففقدهم قومهم فطلبوهم فأعمى الله عليهم أخبارهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح : فلان وفلان وفلان أبناء ملوكنا ، فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان بن فلان ، ووضعوا اللوح في خزانة الملك.
__________________
(١) في نسخة : فارتفعوا.