الغلام : إنك إذا قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لاتفعل هذا بنفسك ، وأراك في تلك الثياب وفي هذه الحالة؟ فلما أحفى في السؤال قال له عيسى عليهالسلام : إن العالم بالله وبدار كرامته وثوابه والبصير بفناء الدنيا و خستها ودناءتها لايرغب إلى هذا الملك الزائل وهذه الامور الفانية ، وإن لنا في قربه تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا نعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا ، فلما أخبره بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها قال له الغلام : فلي عليك حجة أخرى لم اخترت لنفسك ماهو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى؟ فقال له عيسى : إنما اخترت لك ذلك لامتحنك في عقلك وذكائك ، وليكون لك الثواب في ترك هذه الامور الميسرة لك أكثر وأوفى ، وتكون حجة على غيرك ، فترك الغلام الملك ، و لبس أثوابه البالية ، وتبع عيسى عليهالسلام فلما رجع عيسى إلى الحواريين قال : هذا كنزي الذي كنت أظنه في هذا البلد فوجدته. والحمد لله.
وذكر الثعلبي في العرائس نحوا من ذلك مع اختصار إلى أن قال : فكان معه ابن العجوز إلى أن مات ، فمر به ميتا على سرير (١) فدعا الله عزوجل عيسى فجلس على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له. (٢)
__________________
(١) في العرائس : ومر به وهو ميت على سريره.
(٢) العرائس : ٢٢٠ و ٢٢١.