تعلوا علي وأتوني مسلمين » فإن هذا القدر جملة ما في الكتاب « يا أيها الملا أفتوني في أمري » اي أشيروا علي بالصواب « ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون » أي ما كنت ممضية أمرا حتى تحضرون ، (١) وهذا ملاطفة منها لقومها ، قالوا لها في الجواب : « نحن أولوا قوة » أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد « وأولوا بأس شديد » أي وأصحاب شجاعة شديدة « والامر إليك » أي أن الامر مفوض إليك في القتال وتركه » فانظري ماذا تأمرين » أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله ، فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا ، قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال : « إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها » أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها « وجعلوا أعزة أهلها أذلة » أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الامر ، والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و دخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال : « وكذلك » أي وكما قالت هي « يفعلون » وقيل : إن الكلام متصل بعضه ببعض « وكذلك يفعلون » من قولها « وإني مرسلة إليهم » أي إلى سليمان عليهالسلام وقومه « بهدية » أصانعه بذلك عن ملكي « فناظرة » أي منتظرة « بم يرجع المرسلون » بقبول أم رد ، وإنما فعلت ذلك لانها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم ، وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي ، فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها مايرضيه ، وإن ردها تبين أنه نبي.
واختلف في الهدية فقيل : أهدت إليه وصفاء ووصائف (٢) ألبستهم لباسا واحدا حتى لايعرف ذكر من أنثى ، عن ابن عباس ، وقيل : أهدت مائتي غلام ومائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري لباس الغلمان ، عن مجاهد ، وقيل : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلما بلغ ذلك سليمان عليهالسلام أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق ، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤوا به ، عن ثابت البناني ، وقيل : إنها عمدت
__________________
(١) في المصدر هنا زيادة وهي : تريد : الا بحضرتكم ومشورتكم ، وهذا ملاطفة منها لقومها في الاستشارة منهم لما تعمل عليه.
(٢) وصفاء جمع الوصيف : الغلام دون المراهق. ووصائف جمع الوصيفة مؤنث الوصيف.