على أن نهيهم عن الخوض في القدر لعله لكونه أمراً غيبياً وبحراً عميقاً ، كما أشار إليه علي عليهالسلام بقوله : بحر عميق فلا تلجه . بل كان مراد النبي تفويض مثل ذلك إلى الله تعالى ، لأن ذلك ليس من الأصول التي يجب اعتقادها ، والبحث عنها مفصلة .
وهاهنا جواب آخر عنهما معاً ، وهو أن النهي في الآية والحديث مع قطع النظر عما ذكرناه إنما يدل على النهي عن الجدال الذي لا يكون إلا عن متعدد ، بخلاف النظر فإنه يكون من واحد ، فهو نصب الدليل على غير المدعى .
وعن الثالث : بالمنع من صحة نسبته إلى النبي صلىاللهعليهوآله فإن بعضهم ذكر أنه من مصنوعات سفيان الثوري ، فإنه روى أن عمر بن عبد الله المعتزلي قال : إن بين الكفر والإيمان منزلة بين منزلتين ، فقالت عجوز ، قال الله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ، فلم يجعل من عباده إلا الكافر والمؤمن ، فسمع سفيان كلامها ، فقال : عليكم بدين العجائز .
على أنه لو سلم فالمراد به التفويض إلى الله تعالى في قضائه وحكمه والإنقياد له في أمره ونهيه .
واحتج من جوز التقليد : بأنه لو وجب النظر في المعارف الإلۤهية لوجد من الصحابة ، إذ هم أولى به من غيرهم ، ولم يوجد وإلا لنقل كما نقل عنهم النظر والمناظرة في المسائل الفقهية ، فحيث لم ينقل لم يقع ، فلم يجب .
وأجيب : بالتزام كونهم أولى به لكنهم نظروا ، وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة الله تعالى ، وكون الواحد منا أفضل منهم ، وهو باطل إجماعاً ، وإذا كانوا عالمين وليس بالضرورة فهو بالنظر والإستدلال . وأما إنه لم ينقل النظر والمناظرة ، فلإتفاقهم على العقائد الحقة ، لوضوح الأمر عندهم ، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لا ينطق عن الهوى ، فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث والنظر ، بخلاف الأخلاف بعدهم فإنهم لما كثرت شبه الضالين ، واختلفت أنظار طالبي اليقين لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق ، احتاجوا إلى النظر والمناظرة ، ليدفعوا بذلك شبه المضلين ويقفوا على اليقين .