يطمئن إليها؟! « وكان أبوهما صالحا » كان بينهما وبين هذا الاب الصالح سبعون أبا ، فحفظهما الله بصلاحه ، ثم قال : « فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما » فتبرأ من الابانة في آخر القصص ونسب الارادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك ، لانه لم يكن بقي شئ مما فعله فيخبر به بعد ويصير موسى عليهالسلام به مخبرا ومصغيا إلى كلامه تابعا له فتجرد من الابانة والارادة تجرد العبد المخلص ، ثم صار متصلا(١) مما أتاه من نسبة الابانة في أول القصة ومن ادعاء الاشتراك في ثاني القصة فقال : « رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ».
ثم قال جعفر بن محمد عليهالسلام : إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقائيس ، ومن حمل أمر الله على المقائيس هلك وأهلك ، إن أول معصية ظهرت الابانة من إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم ، فسجدوا وأبي إبليس اللعين أن يسجد ، فقال عزوجل : « ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين » فكان أول كفره قوله : « أنا خير منه » ثم قياسه بقوله : « خلقتني من نار وخلقته من طين » فرده الله عزوجل عن جواره ولعنه وسماه رجيما ، وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار.
قال الصدوق رحمهالله : إن موسى عليهالسلام مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى ذكره لم يستدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر عليهالسلام حتى اشتبه عليه وجه الامر فيه ، وسخط جميع ما كان يشاهده حتى اخبر بتأويله فرضي ، ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو بقي في الفكر عمره ، فإذا لم يجز لانبياء الله ورسله صلوات الله عليهم القياس والاستنباط والاستخراج كان من دونهم من الامم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك.(٢)
بيان : التلبيب : ما في موضع اللبب من الثياب.(٣) واللبب : هو موضع القلادة من
_________________
(١) هكذا في النسخ وفى المصدر ، وفى هامش المصدر : « متنصلا » وهو الصحيح ، وهو من تنصل إلى فلان من الجناية أى خرج وتبرأ عنده منها.
(٢) علل الشرائع : ٣١ و ٣٢.
(٣) ويعرف بالطوق.