« والسلوى » قيل : هو السمانى ، (١) وقيل : طائر أبيض يشبه السمانى « كلوا من طيبات ما رزقناكم » أي قلنا لهم : كلوا من الشهي اللذيذ ، وقيل : المباح الحلال ، وقيل : المباح الذي يستلذ أكله « وما ظلمونا » أي فكفروا هذه النعمة وما نقصونا بكفرانهم أنعمنا « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » ينقصون ، وقيل : أي ما ضرونا ولكن كانوا أنفسهم يضرون. وكان سبب إنزال المن والسلوى عليهم أنه لما ابتلاهم الله بالتيه إذ قالوا لموسى : « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون » حين أمرهم بالمسير إلى بيت المقدس وحرب العمالقة بقوله : « ادخلوا الارض المقدسة » فوقعوا في التيه فصاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة ، وكلما أصبحوا ساروا غادين فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه ، كذلك حتى تمت المدة وبقوا فيها أربعين سنة ، وفي التيه توفي موسى وهارون ، ثم خرج يوشع بن نون ، وقيل : كان الله يرد الجانب الذي انتهوا إليه من الارض إلى الجانب الذي ساروا منه ، فكانوا يضلون على الطريق ، لانهم كانوا خلقا عظيما ، فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة ، وفي هذا المقدار من الارض ، ولما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوه ، فألطف الله بهم بالغمام لما شكوا حرا لشمس ، وأنزل عليهم المن من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم وقال الصادق عليهالسلام : كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه ، فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى طلوع الشمس.
وقال ابن جريج : وكان الرجل منهم إن أخذ من المن والسلوى زيادة على طعام يوم واحد فسد إلا يوم الجمعة ، فإنهم إذا أخذوا طعام يومين لم يفسد ، وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة والسبت لانه كان لا يأتيهم يوم السبت ، وكانوا يخبزونه مثل القرصة ويوجد له طعم كالشهد المعجون بالسمن ، وكان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار فيدفع عنهم حر الشمس ، وكان ينزل عليهم في الليل من السماء عمود من نور يضئ لهم مكان السراج ، وإذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد « حيث شئتم » أي
_________________
(١) السمانى بضم السين : نوع من الطيور معروف في بلاد الشام بالفرى.