ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون ، حرصا على كثرة طاعاتهم ، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة ، أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أممتهم « تنزل على كل أفاك أثيم » لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا لا يصلح أن يتنزلوا عليه من وجهين : أحدهما : أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الاثم ، فإن اتصال الانسان بالغائبات لما بينهما من التناسب والتواد ، وحال محمد صلىاللهعليهوآله على خلاف ذلك. وثانيهما : قوله : « يلقون السمع » أي الافاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم ، فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها ، ولا كذلك محمد صلىاللهعليهوآله فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى ، وقد طاب لها ، وقد فسر الاكثر بالكل لقوله : « على كل أفاك » والاظهر أن الاكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني ، وقيل : الضمائر للشياطين ، أي يلقون السمع إلى الملا الاعلى قبل أن رجموا فيخطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم ، أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم. (١)
وفي قوله : « بل هم قوم يعدلون » أي عن الحق الذي هو التوحيد. (٢) وفي قوله « لولا أن تصيبهم مصيبة » لولا الاولى امتناعية ، والثاني تحضيضية ، والمعنى : لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم : ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين ما أرسلناك « هو أهدى منهما » أي مما انزل على موسى وعلي « ولقد وصلنا لهم القول » أتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير ، أو في النظم ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر. (٣) وفي قوله : « جعل فتنة الناس » أي ما يصيبهم من أذيتهم في الصرف عن الايمان « كعذاب الله » في الصرف عن الكفر « ولئن جاء نصر من ربك » فتح وغنيمة « ليقولن إنا كنا معكم » في الدين فأشركونا فيه ، والمراد المنافقون ، أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من
____________________
(١) انوار التنزيل ٢ : ١٨٨ ـ ١٩٠.
(٢) : ٢٠٣.
(٣) : ٢١٨ و ٢١٩.