من في السموات والارض » يعني الملائكة وسائر المكلفين « طوعا وكرها » أي يجب السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا ، والكافر كرها بالسيف ، أو يخضعون له إلا أن الكافر يخضع له كرها لانه لا يمكنه أن يمتنع عن الخضوع لله تعالى لما يحل به من الآلام والاسقام « وظلالهم » أي ويسجد ظلالهم لله « بالغدو والآصال » أي العشيات قيل : المراد بالظل الشخص ، فإن من يسجد يسجد معه ظله ، قال الحسن : يسجد ظل الكافر ولا يسجد الكافر ، ومعناه عند أهل التحقيق أنه يسجد شخصه دون قلبه ، لانه لا يريد بسجوده عبادة ربه من حيث إنه يسجد للخوف ، وقيل : إن الظلال على ظاهرها ، والمعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب وانقيادها للتسخير (١) بالطول والقصر « قل هل يستوي الاعمى والبصير » أي المؤمن والكافر « أم هل تستوي الظلمات والنور » أي الكفر والايمان ، أو الضلالة والهدى ، أو الجهل والعلم « أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه » أي هل جعل هؤلاء الكفار شركاء في العبادة خلقوا أفعالا مثل خلق الله تعالى من الاجسام والالوان والطعوم والروائح والقدرة والحياة وغير ذلك « فتشابه الخلق عليهم » أي فاشتبه لذلك عليهم ما الذي خلق الله ، وما الذي خلق الاوثان ، فظنوا أن الاوثان تستحق العبادة لان أفعالها مثل أفعال الله تعالى ، فإذا لم يكن ذلك مشتبها إذ كان ذلك كله لله لم يبق شبهة أنه الاله لا تستحق العبادة سواه. (٢)
وفي قوله تعالى : « فسالت أودية بقدرها » يعني فاحتمل الانهار الماء كل نهر بقدره : الصغير على قدر صغره ، والكبير على قدر كبره « فاحتمل السيل زبدا رابيا » أي طافيا عاليا فوق الماء ، شبه سبحانه الحق والاسلام بالماء الصافي النافع للخلق ، والباطل بالزبد الذاهب باطلا ، وقيل : إنه مثل للقرآن النازل من السماء ، ثم يحتمل القلوب حظها من اليقين والشك على قدرها ، فالماء مثل لليقين : والزبد مثل للشك ، عن ابن عباس ، ثم ذكر المثل الآخر فقال : « ومما توقدون عليه في النار » وهو الذهب
____________________
(١) في التفسير المطبوع : وانقيادها بالتسخير.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٢٨٣ ـ ٢٨٥.