بامتثال الأمر بالضدّ ، فإذا كان المكلّف مشتغلا بالفعل بإنقاذ الغريق فلا يمكن تكليفه بالصلاة أيضا بالفعل ؛ لأنّ اشتغاله بالإنقاذ يمنعه من الاشتغال بالصلاة بحيث يكون عاجزا عن الجمع بين الأمرين معا.
وأمّا إذا لم يكن مشتغلا بالإنقاذ أو أراد عصيان هذا الأمر ، فحينئذ يكون الأمر بالصلاة متوجّها إليه وفعليّا بحقّه ؛ لأنّ الشرط كان عدم الاشتغال وهو فعلا ليس مشتغلا بالإنقاذ ولا بمقدّماته ، بل لا يريد الإنقاذ أصلا ؛ إذ المفروض أنّ عدم الابتلاء ليس بمعنى ألاّ يكون مأمورا بالضدّ ، بل بمعنى ألاّ يكون مشغولا بامتثال الضدّ.
وهذا معناه أنّ المكلّف يتوجّه إليه خطابان بالضدّين ، ولكن على نحو يكون أحدهما أو كلاهما ـ كما سيأتي بيانه ـ مشروطا بعدم الاشتغال بامتثال الضدّ ، فإنّه إن كان مشتغلا بالامتثال فعلا ارتفع موضوع التكليف بالضدّ الآخر ؛ لعدم تحقّق شرطه.
وأمّا إن لم يكن مشتغلا بالامتثال فعلا فقيده متحقّق فيكون فعليّا ، وهذا ما يسمّى بالأمر بالضدّين على نحو الترتّب (١).
وقد ذهب صاحب ( الكفاية ) ; (٢) إلى الأوّل مدّعيا استحالة الوجه الثاني ؛ لأنّه يستلزم في حالة كون المكلّف بصدد عصيان التكليف بالإنقاذ أن يكون كلا التكليفين فعليّا بالنسبة إليه.
أمّا التكليف بالإنقاذ فواضح ؛ لأنّ مجرّد كونه بصدد عصيانه لا يعني سقوطه ، وأمّا الأمر بالصلاة فلأنّ قيده محقّق بكلا جزئيه ؛ لتوفّر القدرة التكوينيّة وعدم الابتلاء بالضدّ بالمعنى الذي يفترضه الوجه الثاني ، وفعليّة الأمر بالضدّين معا
__________________
(١) وفكرة الترتّب هذه من مختصّات الفكر الشيعي وليس لها وجود في غيره ، وهي من المسائل الأصوليّة المهمّة جدّا ، ويترتّب عليها آثار كثيرة أهمّها استقلال باب التزاحم من باب التعارض في أحكامه وقوانينه ، كما سيأتي بيانه عند التعرّض لثمرات القول بالترتّب.
وتوجد في الفقه موارد كثيرة لا يمكن حلّها إلا بالرجوع إلى هذه الفكرة.
وينبغي أن يعلم أنّ الترتّب على مقتضى القاعدة والأصل ولا يحتاج إثباته إلى دليل خاصّ ، وإنّما على القائل بالاستحالة أن يبرز الدليل على ذلك ؛ لأنّ شرطيّة القدرة في التكليف تتكفّل بهذا الأمر الترتّبي.
(٢) كفاية الأصول : ١٦٦ ـ ١٦٧.