والحاصل : أنّ الملاك في التضادّ بين الأمر والنهي أحد أمرين :
الأوّل : التنافي والتضادّ بلحاظ المبادئ والملاكات ، أي المصلحة والمفسدة أو المحبوبيّة والمبغوضيّة.
الثاني : التنافي والتضادّ بلحاظ الامتثال والنتائج أي البعث والزجر على شيء واحد لضيق قدرة المكلّف.
وعلى هذا الأساس إذا دلّ دليل على الأمر بشيء ودلّ دليل آخر على النهي عنه ـ من قبيل ( صلّ ) و ( لا تصلّ ) ـ كان الدليلان متعارضين ؛ للتنافي بين الجعلين بسبب التضادّ في عالم الملاك أوّلا ، وبسبب ضيق قدرة المكلّف عن الجمع بين الامتثالين مع عدم إمكان الترتّب ثانيا.
وهذا ممّا لا إشكال فيه من حيث الأساس ، ولكن قد نفترض بعض الخصوصيّات في الأمر والنهي التي قد تخرجهما عن كونهما مجتمعين حقّا على شيء واحد ، فيزول الامتناع ولا ينشأ التعارض بين دليليهما. ويمكن تلخيص تلك الخصوصيّات فيما يلي :
موضوع البحث : ذكرنا أنّ اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد ممتنع. وعليه فنقول : إنه إذا دلّ دليل على الأمر بشيء ودلّ دليل آخر على النهي عنه كان الدليلان متعارضين ؛ لامتناع اجتماعهما.
فإذا ورد الأمر بالصلاة يوم الجمعة بصلاة الجمعة وورد النهي عن هذه الصلاة في يوم الجمعة أيضا كانا متعارضين ؛ لتحقّق كلا الملاكين للتضادّ ؛ أمّا الملاك الأوّل فلأنّ الأمر يحمل مبادئ المصلحة والمحبوبيّة بينما النهي يحمل مبادئ المفسدة والمبغوضيّة ، ولا يمكن أن تكون صلاة الجمعة واجدة للمصلحة والمفسدة أو للمحبوبيّة والمبغوضيّة في آن واحد.
وأمّا الملاك الثاني فلأنّ الأمر يتطلّب التحرّك نحو إيجاد الفعل ؛ لأنّه عبارة عن البعث والإرسال بينما النهي يتطلّب الانزجار وعدم التحرّك نحو الفعل ؛ لأنّه عبارة عن الزجر والإمساك. ولا يمكن للمكلّف أن يمتثلهما معا لضيق قدرته عن التحرّك وعدم التحرّك في آن واحد نحو شيء واحد.
والحال أنّ الترتّب بينهما ممتنع لأنّ شرطيه ـ وهما التغاير بين التكليفين في العنوان