أمّا الأولى فلأنّه لا يوجد مبادئ في متعلّق الحكم الظاهري ، وإنّما مبادئه نفس مبادئ متعلّق الحكم الواقعي ولذلك لا تضادّ.
وأمّا الثانية فلأنّ الحكم الظاهري وإن كان يفوّت المصلحة الواقعيّة ويسبّب الإلقاء في المفسدة في حالة عدم مطابقته للواقع ، إلا أنّه إنّما يسبّب ذلك لأجل الحفاظ على مصلحة أقوى وأهمّ. ففي الحقيقة ليس هناك تفويت أو إيقاع في المفسدة ، وإنّما هناك تفويت لمصلحة مهمّة لأجل الحصول على مصلحة أهمّ. وهذا الأمر مقبول عقلا وعقلائيّا ، ومثاله في باب التزاحم الامتثالي : إذا دار الأمر بين إنقاذ غريق وبين إيقاع الصلاة بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، أو دار الأمر بين إنقاذ أحد غريقين وكان لأحدهما بعض المرجّحات ككونه عالما تقيّا مثلا ، فهنا يحكم بإنقاذ الغريق في فرض تزاحمه مع الصلاة ، ويحكم بإنقاذ الغريق العالم التقي في الفرض الثاني ، وهذا يعني فوات الصلاة وموت الغريق الثاني ، وهو تفويت للمصلحة وإيقاع في المفسدة إلا أنّه كان ذلك لأجل الحفاظ على مصلحة أهمّ وأقوى من تلك المصلحة.
وهذا مصداق لباب التزاحم الذي ملاكه ترجيح الأهمّ على المهمّ (١).
__________________
(١) يمكن إرجاع ما ذكره السيّد الخوئي إلى هذا البيان وذلك بأن يقال :
إنّ المثال الذي ضربه السيّد الخوئي للتمثيل على كيفيّة كون الحكم الظاهري ملاكه ليس في المتعلّق ، بل بنفس جعله يلقي ضوءا على أنّ مراده من تعبيره بنفس الجعل شيئا آخر غير ما ذكره السيّد الشهيد وأشكل عليه ـ وإن كان تعبيره المذكور غير صحيح ـ فذكر أنّ الاحتياط مثلا مجعول لمصلحة في نفس الاحتياط وهي التحفّظ على مصلحة الواقع على تقدير وجودها والتحذّر من الوقوع في المفسدة كذلك. وهذا يفهم منه أنّه يوجد ملاك لجعل الاحتياط لا أنّ ملاكه نفس جعله وإن صرّح بذلك ؛ لأنّ المصلحة المذكورة معناها الحفاظ على المصالح والملاكات الواقعيّة على تقدير وجودها ، فكان تشريع الاحتياط لأجل التحفّظ والتحذّر على الملاكات الواقعيّة لا لملاك في نفس الاحتياط بما هو هو ، بل بما هو مشتمل على التحفّظ والتحذّر. وهذا موافق لما ذكره السيّد الشهيد من أنّ إصدار المنع الظاهري إنّما هو بملاك الحفاظ على الأهمّ من الملاكات الواقعيّة كالحرمة مثلا ، فيصدر المنع عن دائرة ما يحتمل حرمته لأجل ضمان اجتنابها والحرص والحفاظ عليها. غاية الأمر أنّ السيّد الخوئي عبّر عن هذا المطلب بأنّ الملاك في نفس جعل الحكم الظاهري بينما السيّد الشهيد عبّر عنه بأنّ الملاك هو إبراز الأهمّ والحفاظ عليه وضمانه ، فلاحظ وتأمّل.